حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، معالي رئيس الوزراء حيدر العبادي، معالي الأمين العام، السيدة المفوضة السامية، السادة الوزراء والضيوف الكرام - إنه لشرف لي أن أتوجه إليكم بكلمتي اليوم.
بداية، أود أن أشكر معالي الشيخ الصباح على الدور القيادي الذي اضطلع به والتزامه شخصيا باستضافة هذا النقاش المهم بشأن أفضل السبل لدعم الشعب العراقي، وهو يعيد بناء بلده بعد أحدث فصول الصراع الذي امتد لعشرات السنين. كما أودّ أن أشكر الكويت، حكومة وشعبا، على ترحيبها الحار.
إن المشاركة في رعاية هذا المؤتمر - من قِبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجموعة البنك الدولي - تعكس تقدير المجتمع الدولي لمبادرة الكويت، واستمرار التزامه بدعم مستقبل أفضل لشعب العراق .
دعونا لا ننسى أنه قبل بضعة أشهر فقط، شهدنا جميعا مشاعر الصدمة والرعب التي خلقتها داعش في نفوس الأبرياء داخل أجزاء واسعة من العراق والمنطقة.
فيما يتعلق بالحرب ضد الإرهاب، قدم الآلاف من أفراد القوات المسلحة العراقية أعظم التضحيات؛ وقُتل آلاف العراقيين الأبرياء. ولا يزال هناك ملايين من النازحين داخليا، وأكثر من 8.7 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة. وتواجه الأرامل واليتامى والفئات الضعيفة مهمة شاقة تتمثل في إعادة بناء منازلهم وموارد رزقهم، وبدء حياتهم مجددا.
أود أولا أن أعرب عن تقديري لما أظهره رئيس الوزراء حيدر العبادي وحكومته والقوات المسلحة العراقية والتحالف الدولي من قيادة وعزيمة في هزيمة داعش. وأثني أيضا على دور وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمنظمات المانحة التي تقدم مساعدات إنسانية سريعة ومساندة لتحقيق الاستقرار للشعب العراقي وغيره في جميع أنحاء المنطقة.
قبل ما يقرب من ثلاث سنوات، تحركت مجموعة البنك الدولي سريعا عندما طلب مني معالي رئيس الوزراء العبادي تقديم المساعدة. ولن أنسى أبدا أول اجتماع لي معه عندما طرح كل شيء على الطاولة.
وكان رئيس الوزراء قد جعل من ذلك الأمر القضية الأقوى والأكثر إلحاحا: فقد ذكر بصورة قاطعة أن العراق ملتزم بالتصدي للتهديد القاتل من جانب تنظيم داعش واستعادة وجود الدولة ومؤسساتها ودورها ومصداقيتها. ولضمان نجاح العراق، احتاج إلى مجموعة البنك الدولي للمشاركة فورا في المسار المزدوج المتمثل في إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي.
استجابة لطلبكم، معالي رئيس الوزراء كما تعلمون، زاد البنك الدولي من ارتباطاته المالية في العراق من 600 مليون دولار عندما بدأتم في هذه المبادرة في عام 2014 إلى أكثر من 4.7 مليار دولار اليوم وسيكون هناك المزيد كما تعلمون– وذلك للحفاظ على التعافي الاقتصادي من خلال دعم الميزانية؛ والعمل على استئناف الخدمات التعليمية والصحية فورا، وإعادة بناء الطرق والجسور الحيوية، وإعادة تأهيل شبكات الكهرباء والمياه. وقد أدت أنشطة إعادة الإعمار الطارئة هذه إلى خلق الآلاف من فرص العمل للعراقيين.
من خلال مشاركة مجموعة البنك الدولي مؤخرا، شهد أكثر من مليون عراقي في 7 مدن تحررت من براثن داعش تحسين الكهرباء والحصول على خدمات الصرف الصحي. وأصبح لدى أكثر من 2.5 مليون شخص في محافظات مختلفة طرق وجسور أفضل حالا.
واستخدمنا جميع أدواتنا على نحو كامل لدعم الشعب العراقي. وبفضل الضمانات السيادية التي قدمتها كندا والمملكة المتحدة، تمكنا من تقديم 1.5 مليار دولار إضافية للعراق في عام 2017:
قامت مؤسسة التمويل الدولية، وهي ذراع مجموعة البنك الدولي للتعامل مع القطاع الخاص، باستثمار وتعبئة 1.2 مليار دولار، وساندت أكثر من 3 مليارات دولار من الاستثمارات الخاصة في العراق في مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك الكهرباء والنقل والاتصالات والضيافة والصناعات الغذائية والبنوك.
حشدت الوكالة الدولية لضمان الاستثمار، من خلال منتجاتها الخاصة بضمان المخاطر، المستثمرين الأجانب في قطاعات اقتصادية حيوية مثل الاتصالات، والخدمات اللوجستية في الموانئ، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والصناعات التحويلية.
في زيارتي الماضية لبغداد، بمصاحبة الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون، وعدت البرلمان العراقي بدعم كامل لا يتزعزع من مجموعة البنك الدولي. وأنا هنا اليوم لإعادة تأكيد ذلك الالتزام. سنواصل الوقوف مع العراق في كل خطوة على الطريق لإعادة بناء الوطن. إن استقرار العراق وازدهاره أمران حاسمان للشرق الأوسط، وللعالم أجمع.
ومهما طال الوقت اللازم لإعادة بناء عراق أقوى مما كان عليه من قبل – فإننا سنكون معكم. فقد تسببت داعش في دمار هائل، والاحتياجات هائلة، وكذلك أيضا فرصة إعادة بناء عراق أفضل وأكثر قدرة على الصمود، وأكثر تماسكا، تتاح فيه للجميع فرص متساوية لرسم مصيرهم.
أصحاب السعادة، ما لدينا هو نهج ذو شقين. ففي حين نعمل على تلبية الاحتياجات الفورية، فإننا نعمل أيضا على تحقيق تعاف اقتصادي مستدام على المدى الأطول. ويمكن للعراق- بل ويجب عليه- أن يستفيد من موارده البشرية والطبيعية الهائلة لجذب الاستثمارات الأجنبية. وسنواصل دعم استراتيجية التعافي والتنمية التي طرحتها الحكومة العراقية التي تهدف إلى تحسين مناخ الاستثمار وجذب القطاع الخاص.
أريد أن أوضح اليوم أن التعافي وإعادة الإعمار لا يمكن أن يتحققا بالموارد العامة فحسب، ولا يمكن أن ينجح ذلك إلا إذا لقينا دعما من القطاع الخاص. وقد اجتمع العديد من الشركات من جميع أنحاء العالم هنا لمناقشة كيفية ضخ استثماراتها في مستقبل العراق وخلق فرص عمل تساعد على تحقيق الاستقرار في البلاد. ويظهر وجودها بهذا العدد الكبير أن العراق منفتح لمؤسسات الأعمال.
ويُعد هذا المؤتمر أيضا فرصة لجارين تاريخيين - العراق والكويت - لتدعيم العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما لصالح شعبيهما.
إننا نلتزم بزيادة التمويل إلى أقصى حد ممكن من أجل إعادة إعماره مستخدمين في ذلك كل الأدوات التي في حوزتنا: دعم السياسات وأدوات إزالة المخاطر، والتمويل المباشر من مؤسسة التمويل الدولية. وسنساعد العراق على إقامة أسواق أمام استثمارات مؤسسات القطاع الخاص العراقية والدولية.
لكن اسمحوا لي أن أضيف أننا لا نعرف ما سيجلبه اقتصاد المستقبل؟ إننا لا نعرف متى ستؤدي الابتكارات في مجال الطاقة إلى أن يصبح النفط بغير قيمة، وعلى البلدان الاستعداد لاقتصادات المستقبل.
والاستثمار الوحيد الذي يمكن للبلدان القيام به والذي يحظى دوما بالأهمية والقيمة سيكون في تنمية قدرات مواطنيها. علينا أن نبدأ ثورة في نوعية وحجم الاستثمار في تنمية قدرات الأفراد - في الصحة والتعليم - من شأنها بناء رأس المال البشري.
لكن يجب علينا أن نفعل المزيد، وهذا ما سنفعله. ففي أعقاب انتصار العراق على داعش، سنحت للبلاد فرصة لاستعادة الثقة مع المواطن العراقي من خلال إنشاء مؤسسات أكثر شمولا للجميع لضمان الأمن؛ والمساعدة في إعادة بناء الأحياء والمجتمعات المحلية حول مبادئ الوحدة الوطنية والاحتواء والمصالحة.
تتاح اليوم فرصة أيضا لإعادة البناء والاستثمار في الشعب العراقي، وخاصة الشباب والنساء. فطوال تاريخه، كان العراق منارة للمعرفة والابتكار في المنطقة، لذا، فإننا سنستثمر في رأس المال البشري في البلاد. وفي مجموعة البنك الدولي، نطلق مسعى معجّل بعيد المدى تحت مُسمّى "مشروع رأس المال البشري"، وهو ما سيساعد البلدان على زيادة الاستثمار– بمزيد من الفعالية- في شعوبها. وسنعمل مع العراق والبلدان الأخرى بالمنطقة على المضي قدما بهذه المبادرة.
ولكي ينجح مشروع رأس المال البشري هذا، فإننا بحاجة إلى المشاركة الكاملة من جانب القطاع الخاص. فمن شأن الاستثمار في مستقبل العراق - في شبابه - أن يحقق عائدا أفضل وأقوى للجميع." ولذا، فإني أحث القطاع الخاص على الاستثمار في الشباب العراقي الذكي والطموح، والاستثمار في العراقيات الصامدات، والاستثمار للمساعدة في بناء دولة قوية ومستقرة يمكن أن تكون سوقا جديدة لشركاتكم.
صاحب السمو، معالي رئيس الوزراء، وأصحاب السعادة - أشكركم مرة أخرى على هذه الفرصة. إننا سنبذل كل ما في وسعنا وسنتحلى بالإبداع وسنوظف كافة الأدوات المتوفرة لدينا لمساندة عراق أقوى مستقر وأكثر رخاءً، ولتلبية تطلعات الملايين من العراقيين في السنوات والعقود القادمة. شكرا لكم.