ستيف هاريس / البنك الدولي مساعدة البلدان على جمع البيانات عن اتجاهات الفقر
رغم التقدُّم الهائل الذي تحقق عالمياً على صعيد الحد من الفقر المدقع، فإن معدلاته لا تزال مرتفعة بشكل مزمن في البلدان منخفضة الدخل وتلك المتأثرة بالصراعات والاضطرابات السياسية. وقد استمر تزايد إجمالي عدد الفقراء في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء التي زاد عدد الفقراء المدقعين بها في عام 2015 عن عددهم في بقية مناطق العالم مجتمعة. وتذهب جميع السيناريوهات باستثناء أكثرها تفاؤلاً، إلى أن معدل الفقر في هذه المنطقة سيظل أعلى من 9% بحلول عام 2030.
إن التصدي لهذا التحدي يبدأ بجمع بيانات أكثر وأفضل. وفي عام 2015، تعهد البنك بمساعدة بلدان العالم الأشد فقرا بإجراء مسوح استقصائية للأسر المعيشية كل ثلاث سنوات، وهي زيادة في معدل التواتر تُعد بالغة الأهمية لفهم التقدُّم المحرز في مكافحة الفقر. وبمساندة منا، أجرى 41 بلدا في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء مسوحا استقصائية للأسر المعيشية في الفترة بين عامي 2015 و2018، مقابل عدد لم يتجاوز 18 بلدا بين عامي 2012 و2015. وفي الفترة بين عامي 2018 و2020، سيقوم نحو 34 بلدا — ما يمثل 76% من سكان المنطقة — بإجراء مسوح استقصائية. وإننا سنحافظ على هذا الزخم في أفريقيا وغيرها.
تعزيز شفافية الديون
يشكل تمويل الديون عاملا بالغ الأهمية لتحقيق التنمية، وعند استخدامه بحكمة، يمكن أن يساعد البلدان على تمويل الاستثمارات وتحقيق نمو مستدام وشامل. لكن مع عودة ظهور المديونية كخطر في مختلف بلدان الاقتصادات الصاعدة والنامية، تبرز الحاجة إلى الإدارة الحصيفة للدين العام من خلال وجود مؤسسات وإجراءات وقدرات فاعلة.
يهدف عملنا في مجال إدارة الدين العام إلى تحسين ثلاثة جوانب رئيسية. فمن خلال تعزيز شفافية الديون، سيكون بمقدور الجهات السيادية المقترضة اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الاقتراض، فيما سيكون بمقدور الدائنين ومؤسسات التصنيف تقييم الجدارة الائتمانية السيادية وتسعير أدوات الدين على النحو السليم. ومن خلال الإدارة الفاعلة للديون ومخاطر المالية العامة، تستطيع البلدان الحد من أوجه الضعف المالية، والإسهام في استقرار الاقتصاد الكلي، والحفاظ على استمرارية القدرة على تحمُّل أعباء الديون، وحماية سمعتها فيما بين المستثمرين. وبتحسين رصد وإدارة مخاطر المالية العامة الناجمة عن الالتزامات الطارئة، تستطيع البلدان ضمان عدم وصول ديونها إلى مستويات لا يمكن الاستمرار في تحمُّلها.
في عام 2018، أعلن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عن تدشين برنامج عمل تعاوني جديد، هو إطار النهج متعدد الجوانب للبنك والصندوق من أجل معالجة أوجه الضعف الناشئة المتعلقة بالديون. ويجري القيام بهذا العمل في سياق جدول أعمال التنمية العالمية - بما في ذلك أهداف التنمية المستدامة – وهو يدعم تحسين رصد أوجه الضعف المتعلقة بالديون، والإصلاحات الهيكلية اللازمة للمساعدة في الحد منها، وزيادة شفافية الديون، وتوسيع بناء القدرات المتعلقة بإدارة الديون. وأرست المذكرات الأخيرة التي قدمها البنك والصندوق لقمة مجموعة العشرين العناصر الأساسية لهذا الجهد وغيره من جوانب التمويل المستدام.
بالعمل مع صندوق النقد الدولي، قمنا أيضا بتطبيق الإطار المنقح لاستمرارية القدرة على تحمُّل أعباء الديون بالنسبة للبلدان منخفضة الدخل. ويتيح الإطار للدائنين إمكانية وضع شروط تمويلية خاصة تحسُّباً لمخاطر مستقبلية، ويساعد البلدان على الموازنة بين احتياجاتها من الأموال وقدرتها على سداد ديونها. وتسترشد البلدان بهذا الإطار في دعم أهداف التنمية المستدامة عندما تكون قدرتها على خدمة الديون محدودة.
ويقدِّم صندوق إدارة الديون، وهو الأبرز لدى مجموعة البنك، مساندة استشارية وتدريبا وأدوات تحليلية وخدمات التعلُّم من النظراء لتدعيم قدرة البلدان على إدارة الديون. وقد ساند الصندوق، منذ إنشائه في عام 2008، أنشطة بناء القدرات وإجراء الإصلاحات في أكثر من 75 بلدا ونفَّذ ما يزيد على 290 بعثة للمساعدة الفنية. وفي عام 2019، دشن البنك المرحلة الثالثة من الصندوق لتوسيع نطاق المساندة التي يقدمها بشأن إدارة الديون وشفافيتها.
تشجيع تبني رؤية للتجارة العالمية تصب في مصلحة الجميع
تُعد التجارة قاطرة مهمة للنمو الذي يؤدي إلى توفير الوظائف، والحد من الفقر، وزيادة الفرص الاقتصادية المتاحة. ومنذ عام 1990، ساعد النمو الذي يدعمه الانفتاح التجاري أكثر من مليار شخص على الإفلات من براثن الفقر. ويمكن أن تؤدي التجارة أيضا إلى تحسين إدماج النساء في النشاط الاقتصادي. ويوظِّف المُصدِّرون في البلدان النامية عدداً أكبر من النساء مقارنةً بغيرهم، إذ تشكِّل النساء ما يصل إلى 90% من الأيدي العاملة في مناطق تجهيز الصادرات.
ولضمان قدرة كل فرد في المجتمع على جني منافع التجارة، تشجِّع مجموعة البنك إجراء طائفة واسعة من الإصلاحات والاستثمارات تشمل زيادة قدرة الاقتصادات على مواجهة الأزمات مع إنشاء شبكات أمان قوية، وخدمات التعليم التي تُعِد الطلاب لوظائف المستقبل؛ فضلاً عن منافع إعادة التدريب، والمساعدة في البحث عن الوظائف، واستحقاقات بدل الانتقال التي تساعد العاملين على الانتقال إلى وظائف جديدة.
وتمثل سلاسل القيمة العالمية جزءاً لا يتجزأ من التجارة المفتوحة، وأحد العناصر الرئيسية التي تسهم في خلق الوظائف، كما أنها تساعد الاقتصادات الأقل تنوعا والأصغر حجما على إيجاد مكان لها في الاقتصاد العالمي. وقد استطاع العديد من البلدان زيادة معدلات النمو بها بشكل كبير من خلال هذا النهج، ومن بينها بنغلاديش وكوستاريكا وليسوتو وفييتنام، ومؤخراً إثيوبيا. وستشكل سلاسل القيمة محور تركيز مطبوعة تقرير عن التنمية في العالم 2020.
الاستفادة من التحوُّل الاقتصادي لخلق وظائف أكثر وأفضل وشاملة لجميع الفئات
يمتلك النمو الاقتصادي القدرة على تغيير المجتمعات وزيادة مستويات الدخل ومساعدة المواطنين على الازدهار، لكن النمو وحده لا يكفي. وحتى يتسنى الحد من الفقر وضمان تحقيق الرخاء المشترك، يجب أن يؤدي النمو إلى خلق وظائف أكثر وأفضل للجميع. ومن شأن تحسين سبل الحصول على الخدمات المالية، وتدعيم التدريب على اكتساب المهارات، ومساندة تقوية القطاع الخاص، وإنشاء بنية تحتية مستدامة لربط الناس بفرص العمل التي يمكنها المساعدة في إنهاء الفقر المدقع في أشد البلدان فقراً.
وخلال السنوات العشر القادمة، سيبحث قرابة 600 مليون شخص عن وظائف، معظمهم في بلدان العالم الأشد فقرا. وستحتاج منطقة جنوب آسيا وحدها إلى خلق أكثر من 13 مليون وظيفة سنوياً لمسايرة النمو السكاني. وفي أفريقيا جنوب الصحراء، على الرغم من أن عدد سكانها أصغر، فإن هذا التحدي سيكون أشد بكثير إذ سيتعيَّن توفير 15 مليون وظيفة جديدة سنوياً. ونظراً لأن أعمار 60% من السكان تقل عن 24 عاماً، فستحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى خلق 10 ملايين وظيفة سنوياً. وتواجه معظم البلدان النامية ثلاثة تحديات، وهي: خلق المزيد من الوظائف في القطاع الرسمي، وزيادة جودة الوظائف بالقطاع غير الرسمي، وربط الفئات الأولى بالرعاية بالوظائف أو بوظائف أفضل.
ويساعد البنك البلدان النامية على تصميم وتنفيذ إستراتيجيات متكاملة ومتعددة القطاعات لخلق الوظائف. أولاً، تساعد الدراسات التشخيصية بشأن الوظائف البلدان المتعاملة مع البنك على تحديد التحديات الرئيسية المتعلقة بالوظائف على المستوى الكلي ومستوى الشركات والأسر المعيشية. وتشكِّل هذه الدراسات جزءاً لا يتجزأ من الدراسات التشخيصية المنهجية للبلدان وأُطر الشراكات الإستراتيجية الخاصة بنا. وثانياً، نساعد على تعبئة المعارف العالمية لتحديد حلول للتحديات المشتركة المتعلقة بالوظائف. وثالثاً، نساعد البلدان التي تنفِّذ إستراتيجيات لخلق الوظائف، وذلك من خلال عمليات الإقراض والاستثمار وإصلاحات السياسات. وبالإضافة إلى ذلك، نصمم أدوات للرصد والتقييم من أجل توحيد كيفية قياس النواتج المتعلقة بالوظائف في المشروعات.
وكانت المؤسسة الدولية للتنمية في طليعة الجهات المسانِدة للجهود التي تبذلها البلدان لخلق الوظائف، حيث تم تحديد الوظائف والتحوُّل الاقتصادي باعتبارهما من محاور التركيز الخاصة في إطار دورتنا الحالية لتجديد موارد المؤسسة التي تمتد لثلاث سنوات والمعروفة باسم العملية الثامنة عشرة لتجديد موارد المؤسسة. وإننا نقوم بتمويل المشروعات المبتكرة، واستخدام الأدوات المالية والتحليلات المحسَّنة، وتطبيق أدوات جديدة لتقييم الأثر الواقع على الوظائف وقياسه. وحتى يونيو/حزيران 2019، كانت محفظة مشروعات البنك تضم 579 مشروعا قيد التنفيذ تتعلق بخلق فرص العمل، بما يمثل استثمارات بقيمة تبلغ نحو 78 مليار دولار.
في الأردن، يوفر برنامج مرتبط بالنتائج نهجاً شاملاً للتصدي لآثار تدفق اللاجئين السوريين بما يساعد المجتمعات المحلية المضيفة واللاجئين على حد سواء. ويسعى البرنامج إلى اجتذاب استثمارات جديدة وتسهيل النفاذ إلى سوق الاتحاد الأوروبي مع تطبيق قواعد منشأ مبسَّطة، مما يساعد على خلق فرص عمل للأردنيين واللاجئين السوريين إلى جانب دعم الاقتصاد السوري بعد انتهاء الصراع. وقد أصدر هذا المشروع حوالي 43 ألف تصريح عمل للاجئين، مع استهداف إصدار 130 ألف تصريح بحلول ديسمبر/كانون الأول 2019.
بناء مؤسسات فاعلة وخاضعة للمساءلة تخدم جميع المواطنين
تُظهر استقصاءات الآراء القُطرية التي يجريها البنك باستمرار أن قضايا الفساد والحوكمة تُعد من بين أهم الشواغل في البلدان المتعاملة معنا. وإننا نساعدها على التصدي للفساد من أجل تحسين جودة المؤسسات وقدراتها وتدعيم العقد الاجتماعي. وفي إندونيسيا، قمنا بتنفيذ ثلاث مراحل من استعراض الإنفاق العام. وأدى ذلك إلى زيادة مخصصات الموازنة للبرامج المُشجِّعة للنمو والمراعية لمصالح الفقراء، فضلاً عن تصميم البرامج وتنفيذها بفاعلية أكبر في قطاعات متنوعة، مثل الحماية الاجتماعية والتعليم والصحة والمياه.
وفي ليبريا، ساندنا تحسين الأجور والأداء من خلال تدعيم إدارة كشوف الرواتب والأجور في القطاع العام. وساعد المشروع على تحسين شفافية ووضوح الرواتب وقضايا الموارد البشرية، مثل المسارات الوظيفية والدرجات والتعيين والترقية. كما ساعد المشروع على تحسين إدارة فاتورة الأجور.
يشكِّل نقص الإيرادات تحديات تقوِّض قدرة البلدان الأفقر والهشة على تمويل أولويات التنمية وضمان استقرار الاقتصاد الكلي. وبالإضافة إلى تقديم تقييمات تشخيصية، يعمل البنك مع الحكومات على تعبئة موارد إضافية من خلال إصلاحات السياسات لتوسيع القواعد الضريبية، فضلاً عن تحسين مستوى الامتثال والإنفاذ والتحصيل من خلال التكنولوجيا.
ضمان قدرة الأسواق على تحفيز نمو القطاع الخاص
تساعد مجموعة البنك البلدان على تعبئة المزيد من الموارد من أجل التنمية، مع التركيز على تعميق مشاركة مستثمري القطاع الخاص. ويجمع نهجنا بين المساعدة الأولية في تنفيذ إصلاحات تعزز قدرة الأسواق، والمساندة المالية والفنية اللاحقة للمشروعات. ومن خلال خدماتنا الإقراضية والاستشارية، نساعد في خفض مخاطر القطاع العام والحواجز الماثلة أمام دخول القطاع الخاص. ويتم التركيز على أمور من بينها مساندة الإدارة السليمة لسياسات المالية العامة والاقتصاد الكلي، وتشجيع إصلاحات الاقتصاد الجزئي، وتحسين سهولة ممارسة الأعمال في أي بلد.
وتمثل الدراسات التشخيصية للقطاع الخاص على مستوى البلدان أداة جديدة لمجموعة البنك تهدف إلى تقييم ما يواجه استثمار القطاع الخاص من معوِّقات على مستوى الاقتصاد وفي كل قطاع من القطاعات ببلد ما، وتحديد توصيات بشأن السياسات لمعالجة هذه المعوِّقات. ونقوم حالياً بإجراء دراسات تشخيصية في أكثر من 25 بلدا. وفي نيبال على سبيل المثال، تقوم عملية لسياسات التنمية بتناول التوصيات الشاملة التي طرحتها الدراسة التشخيصية. وقد قام البلد بإنشاء وحدة لتطوير اللوائح التنظيمية داخل مكتب رئيس الوزراء، وتقدِّم مجموعة البنك المشورة بشأن وضع خطة رئيسية للنقل. وسنساعد أيضا في زيادة سبل الحصول على الخدمات المالية، وتحسين المهارات، ومساعدة قطاعات الطاقة والسياحة والصناعات الزراعية.
يركِّز برنامج أسواق رأس المال المشترك، وهو نهج لمجموعة البنك، على ثمانية بلدان ومنطقة فرعية واحدة لتطوير الأسواق من خلال الدراسات التشخيصية المشتركة والمبادرات القطاعية التي تعززها معاملات إيضاحية تحولية. ويهدف هذا البرنامج إلى تدعيم الجهود الحكومية الرامية إلى اجتذاب استثمارات من القطاع الخاص من أجل التنمية ومساندة تحقيق التعهد الذي قطعناه في اجتماع مجموعة العشرين بشأن أسواق رأس المال المحلية وبناء القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات والأزمات المالية. ويستعين البرنامج بخبراء من مختلف وحدات مجموعة البنك ومختلف البلدان المتعاملة معها من أجل إيجاد الأسواق، وإطلاق العنان لتضافر الجهود، وتشجيع تحقيق آثار منهجية.
ويُعد تحقيق الاستقرار المالي والحفاظ عليه أحد محركات النمو الرئيسية. وقد عزز برنامج تقييم القطاع المالي، وهو عبارة عن مبادرة مشتركة مع صندوق النقد الدولي، الحوار بشأن السياسات وإجراء إصلاحات للقطاع المالي على مدى 20 عاماً. وتم إنجاز ثمانية تقييمات، مع وجود 10 تقييمات أخرى قيد التنفيذ أو بدأ إجراؤها هذا العام. ويتطوَّر البرنامج ليغطي موضوعات مثل التكنولوجيا المالية وأمن الفضاء الإلكتروني (cybersecurity) والمخاطر المناخية بما يعكس مرونته والتغيُّرات على صعيد السياسات المالية.
تقديم التمويل والحلول لقطاع البنية التحتية
تمثل مساعدة البلدان على تلبية الاحتياجات من الخدمات الأساسية والبنية التحتية المحددة في أهداف التنمية المستدامة - وفي الوقت نفسه تلبية التطلعات المتزايدة لمليارات البشر حول العالم — تحدياً مضنياً. وإننا نعتمد نهجا متكاملا لتحسين مرافق البنية التحتية وتمويلها في البلدان النامية، والتركيز على توفيرها على نطاق أوسع، ورفع جودة الخدمات، وزيادة تيسير تكلفتها، واستدامتها.
يستند هذا العمل إلى التزام مجموعة البنك بتعبئة التمويل والابتكارات والخبرات من جميع المصادر لتوفير البنية التحتية. والهدف من ذلك هو الحفاظ على الموارد العامة المحدودة وتوجيهها حيثما لا يشكِّل تمويل القطاع الخاص أفضل خيار أو لا يكون متاحاً. ويعني ذلك أيضا تكثيف التعاون فيما بين البنك الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار. وعلى مستوى المشروعات، يحدد موظفو مجموعة البنك ما إذا كان يوجد حل مستدام وميسور التكلفة قائم على القطاع الخاص للتغلُّب على التحدي المتعلق بالبنية التحتية. وإذا لم يوجد، فإننا ننظر في كيفية تحقيق هذه النتيجة من خلال إصلاح السياسات والتصدي للمخاطر — ويشمل ذلك حلول خفض المخاطر التي تتوفر من خلال نافذة القطاع الخاص لمؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار في إطار العملية الثامنة عشرة لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية. ويرتكز عملنا في المشروعات على رؤية مشتركة مع البلدان المتعاملة معنا بشأن التحوُّل القطاعي لتحسين الجدوى المالية ومستوى تقديم الخدمات.
على المستوى القُطري، وضعت مجموعة البنك نهجاً موحداً لتقييم مدى قدرة أي بلد على تعبئة التمويل والخبرات من القطاع الخاص لتنفيذ الاستثمارات ذات الأولوية في قطاع البنية التحتية ورفع مستوى الأداء. ويوفر هذا النهج، المُسمَّى ببرنامج تقييم قطاع البنية التحتية، حزمة منسَّقة من إصلاحات السياسات والخدمات الاستشارية والاستثمارات لإيجاد المزيج المناسب من الحلول المعتمدة على القطاعين العام والخاص.
يساند العديد من الشراكات وآليات التمويل هذا العمل. ويقدِّم الصندوق العالمي للبنية التحتية المساندة في إعداد المشروعات وعمليات الهيكلة فضلاً عن تقديم الخدمات الاستشارية إلى المتعاملين معه في البلدان النامية. وحتى 30 يونيو/حزيران 2019، من المتوقع أن تقوم محفظته التي تضم 70 مشروعا بتعبئة استثمارات إجمالية بقيمة تزيد على 66 مليار دولار. وفي عام 2019، احتفل برنامج التسهيلات الاستشارية للشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال البنية التحتية بمرور 20 عاماً من العمل على دعم تقوية مناخ الاستثمار في البلدان النامية. وتعمل شراكة الاستثمار في البنية التحتية الجيدة، التي أنشأها البنك الدولي والحكومة اليابانية، على الارتقاء بتصميم المشروعات مع التركيز على الكفاءة والاستدامة والصمود في مواجهة الكوارث الطبيعية.
زيادة توفير الكهرباء والتوسُّع في استخدام الطاقة النظيفة
البنك هو أحد أكبر مقدِّمي التمويل لمشروعات الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة في البلدان النامية. وإننا نساعد أيضا البلدان على التحوُّل إلى استخدام الطاقة النظيفة من خلال تقديم التمويل، وتدابير الحد من المخاطر، والضمانات، فضلاً عن المشورة الفنية والمتعلقة بالسياسات.
وعلى الصعيد العالمي، لا يحصل 840 مليون شخص على الكهرباء، يعيش أكثر من 570 مليونا منهم في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. وفي الفترة بين السنتين الماليتين 2014 و2018، ساعد البنك على توفير وصلات كهرباء جديدة لأكثر من 52 مليون شخص وقام بتوسيع نطاق المساندة بشكل كبير لتشمل إتاحة الحصول على الطاقة. وخلال العملية الثامنة عشرة لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية، سنساهم بأكثر من مليار دولار في الحلول المرتبطة بالشبكة وغير المرتبطة بها لتوفير الكهرباء في البلدان التي بها أعلى معدلات العجز، ومن بينها الكاميرون وإثيوبيا وكينيا وليسوتو ومدغشقر وموزامبيق وزامبيا. وندير أيضا محفظة مشروعات للطهي والتدفئة النظيفين بقيمة تتجاوز 350 مليون دولار؛ وقد أفادت برامجنا حوالي 20 مليون شخص في 37 بلدا.
في عام 2018، أعلن البنك عن برنامج بمبلغ مليار دولار لتسريع وتيرة الاستثمارات في تقنية التخزين بالبطاريات لأنظمة الطاقة في البلدان النامية، وذلك بهدف اجتذاب 4 مليارات أخرى في صورة تمويل من القطاعين العام والخاص. وفي جنوب أفريقيا، نعمل حاليا على تطوير سعة تخزين للبطاريات تبلغ 1440 ميغاوات/ساعة ليتسنى دمج قدرات الطاقة المتجددة المتغيِّرة في الوقت الحالي ومستقبلاً. وفي الهند، سيساعد مشروع الابتكار في تكنولوجيات الطاقة الشمسية والتكنولوجيات الهجينة على تدعيم القدرات المؤسسية لتسهيل التوسُّع في تكنولوجيات الطاقة المتجددة المبتكرة، ومن بينها حلول التخزين بالبطاريات.
وإلى جانب مساندتنا لتهيئة بيئة مواتية للسياسات وإجراء إصلاحات قطاعية، يهدف تمويلنا لقطاع الطاقة إلى تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص وتعبئة استثمارات خاصة. وفي أرمينيا على سبيل المثال، ساندنا أول مشروع للطاقة الشمسية بأسلوب المناقصة التنافسية في البلاد والذي تمكَّن من الحصول على تعريفة تنافسية. وفي الكاميرون، استفاد مشروع ناشتيغال للطاقة الكهرومائية من ضمانات البنك وسيُمكِّن البلاد من زيادة قدرة التوليد المركَّبة بنسبة 30%.
وفي مايو/أيار 2019، دشنا برنامجا للتعدين المراعي للاعتبارات المناخية، وهو مخصص لتحسين استدامة التعدين للمعادن والفلزات الضرورية للتحوُّل إلى الطاقة النظيفة. ويساعد هذا البرنامج بلدان الاقتصادات الصاعدة على الاستفادة من تزايد الطلب على هذه المعادن والفلزات الإستراتيجية.
ربط الناس بالخدمات والفرص
يلعب قطاع النقل دوراً بالغ الأهمية في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية وإنهاء الفقر المدقع. وتربط حلول النقل مليارات البشر بأماكن العمل ومرافق تقديم خدمات التعليم والرعاية الصحية، وتساعد في جعل المدن والبلدان أكثر شمولا وقدرة على المنافسة، وتعزز التجارة والنمو العالميين. وفي المناطق الريفية بالمغرب، أدى تحسين طرق الوصول إلى زيادة معدل التحاق الفتيات بالمدارس بواقع ثلاثة أمثال. وفي تايلند، يمكن أن يؤدي تقليص وفيات حوادث السير بنسبة 50% إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي للبلاد بنسبة 22% على مدى عشرين عاماً.
ولكي يكون النقل مستداماً، يتعيَّن أن يحقق أربعة أهداف أساسية. يجب أن يكون في متناول الجميع بما في ذلك الفقراء والنساء والفئات السكانية الأولى بالرعاية؛ وألا يكون مضراً بالبيئة، فوسائل النقل تنتج 23% من انبعاثات غازات الدفيئة المتصلة بالطاقة؛ وأن يتسم بالأمان، فحوادث الطرق تحصد أرواح 1.3 مليون شخص سنوياً؛ كما يجب أن يتسم بالكفاءة، فالازدحام المروري يكبِّد المدن ملايين الدولارات يومياً، وهو ما يمكن أن تساعد التكنولوجيا في تقليصه.
وفي السنة المالية 2019، أعدت مبادرة التنقل المستدام للجميع بقيادة البنك الدولي خارطة طريق عالمية للعمل باتجاه تحقيق استدامة القدرة على التنقل، وهي أول رؤية على الإطلاق تغطي الأهداف الأربعة لتدابير السياسات التي يمكن أن تساعد البلدان على التصدي لتحديات النقل بصورة شاملة. وأصدرنا أيضا تقريراً رائداً يرسي مبادئ برامج النقل باستخدام المركبات الكهربائية حول العالم. وبالإضافة إلى ذلك، عملنا على تشجيع إقامة شراكات بين المؤسسات الأكاديمية في أفريقيا ونظيراتها في بلدان الاقتصادات المتقدمة لتعزيز بناء قدرات العاملين في قطاع النقل. وانصب التركيز أيضا في السنة المالية 2019 على تعزيز إمكانية الربط والاتصال والقدرة على مواجهة آثار تغيُّر المناخ في الدول الجزرية الصغيرة، وهو إحدى الأولويات الحيوية للتنمية، حيث وافق البنك على 8 مشروعات بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 240 مليون دولار في منطقتي أفريقيا والمحيط الهادئ.
إدارة الموارد الطبيعية في مرحلة حرجة
تتعرَّض الموارد الطبيعية في العالم لضغوط شديدة في ظل تلوث المحيطات، والهواء غير الصحي، وتدهور الأراضي الطبيعية، وتناقص المخزونات السمكية. ونحن نساعد البلدان على تقييم رأسمالها الطبيعي حتى تتمكن من تحديد خيارات السياسات والاستثمار التي تساند تحقيق التنمية المستدامة. ويساعد برنامج الاقتصاد الأزرق الخاص بنا والصندوق الاستئماني الجديد للحفاظ على المحيطات على التصدي للتهديد الذي يشكِّله التلوث البحري، مما يدعم تحسين إدارة مصائد الأسماك ومزارع الأحياء المائية وتنمية المناطق الساحلية بشكل أكثر استدامة. وتعمل مبادرة جديدة أخرى، وهي البرنامج العالمي المعني بالاستدامة، مع 18 بلدا على تقييم وقياس المساهمة الاقتصادية للأصول الطبيعية، مثل الغابات والأراضي والمياه.
يمثل التصدي لتلوث الهواء أولوية أيضا: ففي عام 2016، كبَّد الاقتصاد العالمي 5.7 تريليون دولار، أي 4.8% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. ونحن نقدِّم المساعدة إلى البلدان الأشد تضرراً، ومن بينها جمهورية مصر العربية والهند ونيجيريا. وفي مقاطعة هيبي الصينية، نساند الجهود الرامية إلى الحد من الانبعاثات الناتجة عن الصناعة، والزراعة، والمصادر المتنقلة، وتلوث المناطق والغبار، وتوليد الطاقة. وفي الفترة من 2013 إلى 2017، انخفضت نسب تركيز التلوث بالجسيمات بواقع 36% في المتوسط في أسوأ ثلاث مناطق صينية من حيث جودة الهواء، وهو ما يُعزى في جانب منه إلى الإجراءات التدخلية التي ساندها البنك.
ونقدِّم نُهجا مبتكرة للحفاظ على الغابات ويشمل ذلك مدفوعات للحد من الانبعاثات الكربونية الناجمة عن إزالة الغابات. ووقَّعت جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزامبيق، على سبيل المثال، على اتفاقيات تاريخية لمدفوعات خفض الانبعاثات مع البنك في عام 2018، مما أتاح مدفوعات مرتبطة بالنتائج ومكافأة المجتمعات المحلية التي تعمل على حماية الغابات.
إحداث تحوُّل في منظومات الغذاء لصالح المزارعين والمستهلكين والكوكب عموماً
يعيش حوالي 79% من الفقراء المدقعين في المناطق الريفية، مع وجود نحو 500 مليون مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة ضمن الفئات الأشد فقراً في العالم. ولا يتناول واحد من بين كل ثلاثة أشخاص ما يكفي من الطعام أو يتناول طعاما غير صحي، وهو ما يسهم في انعدام الأمن الغذائي والإصابة بفقر الدم والسمنة والأمراض غير السارية. وتُعد منظومات الغذاء مسؤولة حالياً عن إنتاج نحو ربع انبعاثات غازات الدفيئة، و70% من مسحوبات المياه العذبة، والعديد من أشكال التلوث.
ويعمل البنك على المساعدة في إعادة ترتيب الحوافز ومكافأة المزارعين لإنتاج غذاء مأمون وصحي وميسور التكلفة على نحو مستدام، ويشمل الشركاء معهد الموارد العالمية ومؤسسة إيت (EAT) وتحالف الغذاء واستخدام الأراضي. ونساعد البلدان أيضا على إحداث تحوُّل في منظومات الغذاء من خلال مجموعة متنوعة من الأدوات والبرامج. وتشمل هذه المجموعة إجراء دراسات تشخيصية لفهم أسباب فقدان الأغذية وهدرها، وتوفير تكنولوجيا جديدة مثل المرصد الزراعي الذي يقدِّم تحليلا لحظيا لاختلالات الطقس التي تؤثر على الزراعة، وتقديم مدخلات ومساعدة فنية لمساندة التحوُّل إلى الممارسات المراعية للظروف المناخية، وإنشاء شراكات بين القطاعين العام والخاص لتنشيط سلاسل توريد الأغذية القيِّمة وخلق فرص عمل. وفي أوروغواي على سبيل المثال، نساند جهود الحكومة الرامية إلى مساعدة المزارعين على تبني المزيد من الممارسات المراعية للظروف المناخية عن طريق استخدام التكنولوجيات الجديدة. وبحلول عام 2021، سيُدار نحو 25% من الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد وفقاً لممارسات الإدارة المستدامة للأراضي، مما يدعِّم الإنتاجية والقدرة على مواجهة مخاطر تغيُّر المناخ إلى جانب خفض الانبعاثات.
إيجاد عالم ينعم فيه الجميع بالمياه
تمس المياه جميع جوانب التنمية. لكن هناك مجموعة من التحديات — الفجوات في توفير إمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي، والتوسُّع العمراني والنمو السكاني السريعان، والتلوث، والآثار المناخية، وأنماط النمو كثيفة الاستهلاك للمياه — تجعل انعدام الأمن المائي أحد أكبر الأخطار التي تهدد التقدُّم الاقتصادي، وتخفيف حدة الفقر، وتحقيق التنمية المستدامة.
ولإيجاد عالم ينعم فيه الجميع بالمياه، فإننا نعمل مع البلدان والشركاء على تحسين إدارة الموارد، وتسهيل تعميم الحصول على خدمات المياه والصرف الصحي، وتعظيم كفاءة استخدام المياه في الزراعة. ويساعد ذلك أيضا في بناء القدرة على المواجهة من خلال أنظمة قادرة على الصمود ومجابهة الظواهر المناخية العاتية بشكل أفضل، إلى جانب معالجة الهشاشة في البلدان التي تعاني من شحة المياه.
في أنغولا، ساعدنا على إنشاء وتدعيم ست منشآت للإمداد بالمياه تخدم أكثر من 800 ألف مستهلك منزلي جديد، وساعد المشروع أيضا على إنشاء هيئة تنظيمية جديدة ومؤسسة لإدارة الموارد المائية. وفي دلتا نهر الميكونغ في فييتنام، ساندنا الاستثمارات في البنية التحتية للمياه للحد من آثار الفيضانات وتسرُّب المياه المالحة الذي تفاقم بسبب تغيُّر المناخ، وتؤدي المساعدة في حماية الموارد المائية وتحسين استخدامها إلى تعزيز رفع الإنتاجية الزراعية، مما يعود بالنفع على أُسَر 215 ألف مزارع.
ومن خلال توفير التدابير المبتكرة، والمعارف والشواهد الجديدة، والمرونة في عمليات الإقراض التي يقوم بها البنك، تساعد الشراكة العالمية للأمن المائي وخدمات الصرف الصحي، وهي صندوق استئماني متعدد المانحين تأسس في عام 2017، البلدان المتعاملة مع البنك على بناء قدراتها وتدعيم المؤسسات ومرافق البنية التحتية والطاقات الإبداعية لإمداد الأجيال الحالية والمستقبلية بما يكفيها من المياه والغذاء والطاقة. وتساند مجموعة الموارد المائية 2030، وهي عبارة عن شراكة بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، الإصلاحات التي تقوم الحكومة بتسريع وتيرتها بهدف ضمان إدارة الموارد المائية بما يحقق استدامتها من أجل تحقيق التنمية والنمو الاقتصادي في بلدانها على الأمد الطويل.
تسخير الابتكار الرقمي لزيادة القدرة على الوصول وإتاحة المزيد من الفرص
يمكن أن تساعد التكنولوجيا الرقمية على معالجة أعتى التحديات الإنمائية بربط الناس بالخدمات والفرص. لكن اتجاهات التكنولوجيا تشكِّل أيضا مخاطر تشمل إحداث اضطراب في أسواق العمل وسبل كسب العيش. ولا تتوفر لدى العديد من البلدان النامية المهارات والشركات والأُطر القانونية والتنظيمية اللازمة لتسخير إمكانات التكنولوجيا. ويساعد البنك البلدان على إنشاء الإطار الاقتصادي للتحوُّل الرقمي، وتعيين محددات جديدة للقدرة التنافسية والنمو، وتمكين نماذج العمل الجديدة التي استحضرها التغير التكنولوجي. ونعمل أيضا مع الحكومات على تحديد المعوقات أمام تحقيق التنمية التي تقودها التكنولوجيا. ويُعد استعراض الإنفاق العام للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، على سبيل المثال، أداة تشخيصية جديدة لمساعدة الحكومات على صياغة السياسات، واعتماد الممارسات السليمة، وتحسين مستوى التنسيق. وجرى تجريب هذه الأداة في كل من شيلي وكولومبيا وأوكرانيا.
وحالياً، لا يزال هناك حوالي 4 مليارات شخص لا يمكنهم الاتصال بالإنترنت عريضة النطاق، وفي البلدان الأقل نمواً لا تتوفر هذه الإمكانية سوى لواحد من بين كل سبعة أشخاص. ويمكن أن تؤدي هذه الفجوة الرقمية إلى تفاقم التفاوتات الحالية وتخلُّف أجزاء من العالم. وللمساعدة في سد هذه الفجوة، مكَّن البنك 20 بلداً أفريقياً من الاتصال بالكابلات البحرية عريضة النطاق ويلتزم بمضاعفة معدل الاتصال بشبكات النطاق العريض في مختلف أنحاء أفريقيا بحلول عام 2021. ويمثل ذلك معلماً رئيسياً في مساندتنا لأجندة التحوُّل الرقمي الطموحة التي أطلقها الاتحاد الأفريقي في عام 2019 والتي تهدف إلى تمكين جميع الأفراد ومؤسسات الأعمال والحكومات في مختلف أنحاء القارة من الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية بحلول عام 2030. وسيساعد ذلك في تحويل الفرص التي يتيحها الاقتصاد الرقمي إلى مسارات جديدة للنمو، والحراك الاقتصادي، والابتكار، وخلق الوظائف، والحصول على الخدمات بتكلفة ميسورة. وينصب التركيز أيضا على تعزيز البنية التحتية والمنصات والخدمات المالية وريادة الأعمال والمهارات الرقمية.
تساعد التكنولوجيا الرقمية أيضا في دفع عجلة النمو فيما يُسمَّى "باقتصاد الوظائف المؤقتة" حيث تتعاقد المنظمات والأفراد مع عاملين مستقلين لأداء مهام قصيرة الأجل. وتطمس أشكال العمل الجديدة هذه الخط الفاصل بين العمل بالقطاع الرسمي والعمل الموسمي، مما يشكِّل تحديات أمام نماذج الحماية الاجتماعية التي تفترض أن معظم الأشخاص يعملون وفق عقود مستقرة بين رب العمل والعامل. ويُحدِث العصر الرقمي أيضا تحوُّلاً في الطلب على المهارات. وقد أصبحت هناك أهمية متزايدة للقدرة على التكيُّف في سوق العمل، كما تعني الطبيعة المتغيِّرة للعمل أن اكتساب المهارات أمر يجب أن يستمر مدى الحياة. ولكي تستفيد المجتمعات من الإمكانات التي توفرها التكنولوجيا، فإنها بحاجة إلى إرساء عقد اجتماعي جديد يركِّز على توجيه استثمارات أكبر لحماية المعرَّضين للخطر.
ورغم الجهود المبذولة على مدى عقود لتوسيع نطاق الاقتصاد الرسمي، فإن نسبة العاملين بالقطاع غير الرسمي لا تزال تشكِّل 65% في المتوسط على مستوى العالم. وتُزيد الطبيعة المتغيِّرة للعمل من شدة الحاجة إلى التركيز على رأس المال البشري وإعادة التفكير في الحماية الاجتماعية. ولتمويل هذه الاستثمارات بالغة الأهمية، تطرح مطبوعة تقرير عن التنمية في العالم 2019: الطبيعة المتغيِّرة للعمل اقتراحات بشأن السبل التي تستطيع الحكومات من خلالها تعبئة المزيد من الإيرادات. وتُعد الضرائب العقارية في المدن الكبيرة، وضرائب الإنتاج على السكر أو التبغ، وضرائب الكربون من بين طرق زيادة الإيرادات الحكومية إلى جانب وضع إستراتيجيات للقضاء على التهرُّب الضريبي الذي تلجأ إليه العديد من الشركات لزيادة أرباحها.
تتيح التكنولوجيا الرقمية أيضا فرصا لتحسين سبل الحصول على الخدمات العامة وتشجيع التنمية الأكثر شمولا. وهناك حوالي مليار شخص على مستوى العالم ليس لديهم ما يُثبت هويتهم، وبالتالي يتم حرمانهم من الخدمات الحيوية والفرص. وفي عام 2019، دشنت مبادرتنا المسمَّاة "الهوية من أجل التنمية" مسابقة التحدي العالمي "مهمة المليار" للمساعدة في إيجاد طرق مبتكرة لتوفير أنظمة هوية رقمية تتسم بالأمان وحماية الخصوصية.
وفي الوقت نفسه، لا تزال التكنولوجيا المالية تؤثر على الخدمات المالية في مختلف أنحاء العالم. فخدمات الدفع عبر الهاتف المحمول تعد من بين الخدمات الرئيسية التي أحدثت تطوراً مبكراً، مع وقوع آثار واسعة النطاق فيما يخص تحقيق الشمول المالي. ويشكِّل الداخلون الجدد إلى السوق تحدياً بالنسبة للشركات القائمة التي تقوم بالرد. ويمكن أن يؤدي هذا التطوُّر إلى تعزيز المنافسة والكفاءة، لكنه يثير في الوقت نفسه مخاطر جديدة تهدد الاستقرار المالي والنزاهة المالية. وتمثل الموازنة بين أولويات السياسات المتعارضة تحديا رئيسيا أيضا. واستجابةً لدعوات البلدان إلى زيادة التعاون والتوجيه لمعالجة هذه القضايا، نشرت مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أجندة مؤتمر بالي للتكنولوجيا المالية في أكتوبر/تشرين الأول 2018. وتضم هذه الأجندة 12 اعتباراً رفيع المستوى لواضعي السياسات والمجتمع الدولي للاستفادة من الفرص التي تتيحها التكنولوجيا المالية وإدارة مخاطرها المحتملة.
ولتشجيع استخدام التكنولوجيا في زيادة كفاءة الخدمات العامة وشفافيتها وخضوعها للمساءلة، دشن البنك المبادرة العالمية للتكنولوجيا الحكومية في عام 2019. وتجمِّع هذه الشراكة أصحاب المصلحة الرئيسيين في مجال الحوكمة الرقمية، بما في ذلك الحكومات، وشركات التكنولوجيا، وخبراء تكنولوجيا المعلومات، وشركاء التنمية، ومنظمات المجتمع المدني. وهي تهدف إلى ضمان عدم تخلُّف البلدان النامية عن ركب الابتكار الرقمي.