يتوقع تقرير المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- ربيع 2016 أن يتعافى اقتصاد العراق ليشهد نموا 7.2 في المائة في 2016 وأن يتحرك حول 5 في المئة في السنوات القليلة القادمة.
واجه العراق أزمتين متزامنتين منذ النصف الثاني لعام 2014: التمرد الذي يقوده تنظيم داعش، وصدمة أسعار النفط. وكان لهاتين الأزمتين آثار شديدة على الاقتصاد، وتفاقمت مواطن الضعف والاختلالات الهيكلية. وأدَّت هاتان الأزمتان مع عدم الاستقرار السياسي في عام 2014 إلى تراجع وتيرة الاستهلاك والاستثمار في القطاع الخاص، وتقييد الإنفاق الحكومي، لاسيما على المشروعات الاستثمارية.
ونتيجةً لذلك، يُقدَر أن القطاع غير النفطي انكمش بنسبة 9.0 في المائة في عام 2015، بعد تراجع نسبته 8.8 في المائة في 2014. وعلى النقيض من ذلك، كان نمو القطاع النفطي مرنا، إذ زاد الإنتاج بنسبة 12.9 في المائة في 2015 إلى مستوى مرتفع جديد 3.5 مليون برميل يوميا، بفضل حقول النفط الجنوبية البعيدة عن نطاق سيطرة داعش، والتي تساهم بنسبة 90 في المائة من الإنتاج الكلي. وبعد انكماش نسبته 2.1 في المائة في عام 2014، يُقدَّر أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي قد تعافى مسجِّلا نموا نسبته 2.4 في المائة في 2015، وبلغ معدل التضخم 1.4 في المائة في 2015.
وأدَّت الأزمة المزدوجة إلى تدهور حاد لأوضاع المالية العامة وميزان المعاملات الخارجية وتفاقُم أوضاع الفقر. واتسع عجز المالية العامة إلى 14.5 في المائة في 2015، فيما يرجع إلى حد كبير إلى هبوط العائدات النفطية وزيادة الإنفاق للأغراض الإنسانية والأنشطة المتصلة بالأمن. وطبَّقت الحكومة إجراءات لضبط المالية العامة في منتصف 2015 بهدف تحسين مستويات تحصيل الإيرادات، ولاسيما من صناعة النفط، واحتواء الإنفاق الأولي على القطاع غير النفطي. وفي الوقت نفسه، تم تمويل عجز المالية العامة الكبير من خلال الاقتراض الخارجي، ومن ذلك قروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وقد ساهمت الأزمة المزدوجة أيضا في اتساع عجز ميزان الحساب الجاري إلى 6.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2015، فيما يرجع إلى هبوط نسبته 47.3 في المائة في عائدات التصدير في 2015. ووصل معدل الفقر إلى 22.5 في المائة في 2014 على الصعيد الوطني، وفي المحافظات التي تضررت من داعش، يُقدر أن الآثار المباشرة للاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ضاعفت معدلات الفقر إلى 41.2 في المائة. ويُؤلَّف المشردون والنازحون داخليا نصف مليون من فقراء العراق في 2014.
ويُقدَّر أن يتعافى الاقتصاد من مستوى متدن، ليُسجِّل نموا نسبته 7.2 في المائة في 2016، ويحوم حول نحو خمسة في المائة في السنوات القليلة المقبلة. والدافع إلى هذا التعافي هو الزيادة المتوقعة في إنتاج النفط، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر المتصل بالنفط، والإصلاحات الهيكلية، وتنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي، وتخفيف الآثار الإضافية للتمرد الذي تقوده داعش في المستقبل.
ومع توقع أن يبلغ سعر بيع النفط العراقي 30 دولارا، منخفضا كثيرا عن سعر البيع في 2015 وعن السعر المستهدف في ميزانية 2016 والبالغ 45 دولارا للبرميل، فإن التوقعات تشير إلى أن أوضاع المالية العامة وميزان المعاملات الخارجية ستظل معرضة لضغوط. وعلى الرغم من الانخفاض الطفيف في الإنفاق العسكري وإجراءات ضبط أوضاع المالية العامةـ فمن المتوقع أن يتدهور وضع المالية العامة بسبب انخفاض إيرادات بيع النفط، ليقفز عجز المالية العامة من 5.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2014 إلى 20 في المائة من الإجمالي في 2016 بالأسعار الحالية، ولكن تمويل مثل هذا العجز سيكون بالغ الصعوبة. وعلى الجانب الخارجي، من المتوقع أن يزداد عجز ميزان الحساب الجاري من 6.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2015 إلى 15.3 في المائة من الإجمالي في 2016. وسيؤدي ارتفاع أسعار النفط عن المستويات المتوقعة إلى تحسين موازين المالية العامة والمعاملات الخارجية.
وتتعرَّض آفاق المستقبل على صعيد الاقتصاد الكلي لمخاطر لا يستهان بها تتصل بالبيئة العالمية، والتطورات الاجتماعية والسياسية، والتمرد الذي تقوده داعش. فتراجع وتيرة النمو الاقتصادي العالمي أو استمرار وفرة المعروض العالمي من النفط قد يخلق ضغوطا نزولية على أسعار النفط، ويؤدي إلى ضغوط جديدة على عجوز المالية العامة والمعاملات الخارجية. وإذا اشتد تمرد داعش، فإن ذلك سيُؤثِّر تأثيراً مادياً وسلبياً على الاقتصاد.
وقد تثور من جديد التوترات السياسية الداخلية، فتقوِّض جهود الإصلاح. وقد تؤدي أيضا جهود ضبط المالية العامة، ولاسيما المسالة التي تتطلَّب حذرا شديدا في معالجتها والخاصة بترشيد فاتورة الأجور، إلى توترات اجتماعية، والتأثير على تنفيذ الإصلاحات، وتفاقُم مواطن الضعف الحالية والصراعات.