ليبيا، البلد الغني بالنفط والذي يقع في موقع إستراتيجي عند مفترق الطرق الواصلة بين أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، يتمتع بإمكانات وفيرة لكنها غير مستغلة. ولم يسفر الصراع في ليبيا عن خسائر كبيرة في مكتسبات التنمية لمواطنيها فحسب، بل أثر أيضاً تأثيراً مباشراً على رفاهة البلدان المجاورة ومنطقة الساحل وأوروبا. وبعد مرحلة انتقالية غير حاسمة، لا تزال ليبيا عالقة في مأزق سياسي. وقد أدى الإرث المؤسسي لتاريخ البلاد المعقد، مقترناً بعقدٍ من عدم الاستقرار، إلى مؤشرات إنمائية وقدرات مؤسسية لا تتسق مع وضع ليبيا كبلد متوسط الدخل. لذا، فإن المصالحة والاستقرار السياسي ضروريان لمستقبل ليبيا الاجتماعي والاقتصادي المستدام. ويمكن أن تكون المناقشات الاقتصادية عاملاً له قيمته في اكتمال العملية السياسية، مما يساعد على تقدم ليبيا نحو السلام والتسوية السياسية بمرور الوقت.
وتستفيد ليبيا من اعتماد إستراتيجيةٍ لإعادة الإعمار ورؤيةٍ تجمع شتات البلاد. وسيتعين أن تستند قرارات الاستثمار إلى تحليل الإجراءات التدخلية البديلة قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل وإلى تسلسل الإصلاحات ذات الصلة، مع مراعاة الحقائق على أرض الواقع. وسيترتب على استقرار ليبيا آثار إيجابية ملموسة غير مباشرة على البلدان المجاورة وخارجها. وإذا كان للسلام والاستقرار المستدامين أن يترسخا، فيجب على شركاء ليبيا أن يظلوا على المسار الصحيح، وأن يستمروا في المشاركة، وأن يساندوا جهود ليبيا الرامية إلى إعادة البناء على نحو منصف وشامل للجميع.
الطريق الطويل تجاه مؤسسات شاملة للجميع في ليبيا: مرجع للتحديات والاحتياجات القائمـة هو مجموعة غنية من الأعمال التحليلية بشأن ديناميات القطاعات وخيارات الإصلاح في ليبيا. وقد أعد محتوى هذا الدليل بالشراكة مع أكثر من خمسين مساهماً ينتمون إلى تسع مؤسسات. شارك في تحرير الكتاب هند إرحيم ومايكل شيفير وكاناي واتنابي. فصول الكتاب وعددها واحد وعشرون فصلاً تتناول التحول المؤسسي في ليبيا، وتنظر في تأثير الصراع على الاقتصاد، كما تحدد نتائج كل ذلك على الخدمات والمواطنين. ويظهر الكتاب أنه حتى في الظروف الحافلة بالتحديات، يمكن للمرء أن يسهم في وضع رؤية لليبيا في الأجلين القريب والمتوسط بحيث تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والشمول الاجتماعي في البلاد، مع الإقرار بالحاجة إلى التكيف مع تطور تلك الظروف على أرض الواقع. وباستخدام الأساليب التحليلية المبتكرة (المسوح الاستقصائية الهاتفية، والبيانات الليلية)، يقدم مؤلفو هذا الدليل إسهاماً فريداً في المناقشة بشأن التحديات الليبية المتوسطة إلى طويلة الأجل.
يهدف هذا الدليل المرجعي إلى تزويد الحكومة والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والشركاء الدوليين بالمعلومات والأفكار لما يتم من حوارات بشأن ليبيا. وتنقسم الفصول وعددها واحد وعشرون فصلاً إلى خمسة أجزاء كما يلي: الجزء الأول "مؤسسات الدولة: من الإرث إلى الإصلاح"؛ والجزء الثاني "تتبع الاقتصاد في أثناء الصراع"؛ والجزء الثالث "تأثير الصراع على الناس"؛ والجزء الرابع "الخدمات أثناء الصراع"؛ و أخيرا, الجزء الخامس "نحو مؤسسات جديدة". بدلا من قراءة كل الفصول, قد يرغب القراء في الانتقال مباشرة إلى موضوع معين محل اهتمام.
يُعد وضع رؤية مشتركة متوسطة إلى طويلة الأجل لدولة شاملة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً أمراً حيوياً لمستقبل ليبيا المستدام. ويسهم هذا الدليل المرجعي في تحقيق هذا الهدف، حيث يشكل نقطة انطلاق صغيرة لمساعدة ليبيا على المضي قدماً نحو استغلال كامل إمكاناتها.