يتوقع تقرير المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- ربيع 2016 أن يتعافى نمو اجمالي الناتج المحلي في تونس تعافيا متواضعا ليصل إلى 1.8 في المائة في 2016.
شكلت التوترات الاجتماعية التي اتسم بها النصف الأول من عام 2015، وكذلك الآثار المشتركة للهجمات الإرهابية المأساوية الثلاثة، الدوافع الرئيسية وراء الأداء الاقتصادي في تونس خلال عام 2015. ولم يتجاوز معدل نمو إجمالي الناتج المحلي 0.8 في المائة بفضل قوة أداء الإنتاج الزراعي (9.2 في المائة) لاسيما إنتاج الزيتون، فيما شهدت معظم قطاعات الاقتصاد الأخرى حالة من الانكماش أو الركود. وأدت الإضرابات والقلاقل الاجتماعية في مناطق إنتاج المعادن (الفوسفات)، مقترنةً مع التراجع طويل الأمد في إنتاج النفط والغاز، إلى حدوث انكماش حاد في قطاع الصناعات الكيميائية (-5.3 في المائة) وقطاع تكرير النفط (-18.2 في المائة) وانخفاض عام في قطاع الصناعات غير التحويلية (-4.1 في المائة).
وبعد تسارع ملحوظ استمر طوال النصف الأول من عام 2015، انخفضت الزيادة في مؤشر أسعار المستهلكين باطراد إلى 4.1 في المائة (مقارنةً بما كان عليه قبل عام) بنهاية عام 2015 ليصل إلى متوسط سنوي نسبته 4.9 في المائة، وهو نفس معدل العام السابق. ولا يزال معدل البطالة مرتفعا عند 15.4 في المائة، لاسيما للنساء (22.6 في المائة) وخريجي الجامعات (31.2 في المائة) والشباب (31.8 في المائة).
وللمرة الأولى منذ عام 2011، تم احتواء عجز المالية العامة عند أقل من 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2015، وذلك نتيجة للهبوط الحاد في أسعار النفط العالمية وانخفاض دعم الطاقة فعلياً. وتراجع إجمالي الإيرادات إلى 23 في المائة من إجمالي الناتج المحلي مقابل 23.9 في المائة عام 2014، لكن بوتيرة أبطا من النفقات مما يعكس ضعف الأنشطة الاقتصادية. وظل الإنفاق العام يهيمن عليه الإنفاق الجاري، شاملا فاتورة الأجور، الذي زاد إلى 13.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي (مقابل 12.8 في المائة عام 2014) ليصل إلى نحو 50 في المائة من إجمالي الإنفاق. واستمر تقليص الإنفاق الرأسمالي، مما بطء تنفيذ الاستثمارات. وبلغ الدين العام 52 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2015 (مقابل 40 في المائة عام 2010).
وظل عجز الحساب الجاري كبيراً عند نسبة 8.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2015. وانخفض العجز التجاري إلى 11.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2015، مقابل ارتفاع قياسي بلغ 13.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2014، تماشياً مع تراجع الطلب المحلي الخاص وانخفاض أسعار الطاقة العالمية. وباستثناء صادرات زيت الزيتون، تراجع إجمالي الصادرات نتيجةً لانخفاض الإنتاج في قطاعي التعدين والطاقة وضعف الأداء في قطاع الصناعات التحويلية. وانكمشت الواردات مع الهبوط الحاد في أسعار النفط العالمية وانخفاض الطلب على الواردات من المعدات والآلات. وانعكاساً لضعف البيئة الأمنية، هبطت أعداد السائحين الوافدين وعائدات السياحة بواقع 30.8 و35.1 في المائة على التوالي، كما انخفضت التحويلات. وزادت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 9 في المائة عام 2015 وتراجع إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي بواقع 200 مليون دولار ليصل إلى 7.5 مليار دولار في نهاية عام 2015 ليغطي 4 أشهر من الواردات.
وتتوقف الآفاق الاقتصادية قصيرة الأمد على استمرار أثر الصدمات الأمنية والتوترات الاجتماعية التي ميزت معظم عام 2015 وأوائل عام 2016. وفي ظل سيناريو من الأوضاع المواتية، سينتعش النمو الاقتصادي على المدى المتوسط. ومن المتوقع أن يرتفع نمو إجمالي الناتج المحلي بشكل متواضع إلى 1.8 في المائة عام 2016 مع ارتفاع إنتاج الفوسفات. ومن المتوقع أيضاً أن يبلغ العجز المزدوج -8.0 في المائة (الحساب الجاري) و-4.4 في المائة (رصيد المالية العامة) من إجمالي الناتج المحلي. وفي ظل سيناريو يجمع بين مواصلة الإصلاحات الهيكلية، وتعزيز الأمن، وتحسُّن الوضع الإقليمي (لاسيما بداية عودة الأوضاع إلى طبيعتها في ليبيا)، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، وحدوث ارتفاع طفيف في الطلب الخارجي، فإنه يُتوقع تسارع وتيرة النمو الاقتصادي إلى 2.5 في المائة عام 2017 و3 في المائة عام 2018.
ومن المفترض استمرار تنامي ضغوط المالية العامة مع زيادة الإنفاق الجاري المتفاقم بسبب الزيادة المعلنة في الأجور بدايةً من عام 2016 والتعيينات الجديدة في قوات الأمن والدفاع. ومن المحتمل أن يستفيد الحساب الجاري من التعافي التدريجي للتحويلات وتجارة الخدمات، كما سينخفض تدريجياً ليصل إلى نحو 7.8-7.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الفترة 2017-2018. ومن المتوقع أن تصل مدفوعات خدمة الدين إلى 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي سنوياً في الفترة 2016-2018.