يدعو التقرير الجديد للبنك الدولي عن الأوضاع الاقتصادية في اليمن إلى إيلاء اهتمام خاص بالتحديات التي يواجهها هذا البلد، والفرص المتاحة لتحقيق التعافي والنمو. ويستخدم التقرير الذي صدر تحت عنوان: "المذكرة الاقتصادية القُطرية الخاصة باليمن: بارقة أمل في أوقات قاتمة" منهجيات مبتكرة ومتقدمة تكنولوجياً في جمع البيانات للتغلب على قيود البيانات، ويُقدِّم تحليلاً شاملاً للأوضاع الاقتصادية الراهنة في البلاد. وقبل نشوب الحرب في أواخر 2014، كان اليمن بالفعل بلداً فقيراً يعاني من ضعف نظم الحوكمة، كما شهد في الآونة الأخيرة سلسلة من الصدمات الاقتصادية والسياسية. وحطَّمت الحرب التوازن الاقتصادي الهش بالفعل في البلاد، الأمر الذي أثَّر على كل مناحي الحياة في اليمن. وتفاقمت الكارثة الاقتصادية والإنسانية الناجمة عن الحرب بفعل الصدمات المُضاعَفة لجائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) وارتفاع الأسعار العالمية.
ويُقِر التقرير بأن العمل في أوضاع الهشاشة والصراع والعنف له تحدياته المعقدة، وأن اليمن لا يُعد استثناءً في هذا الشأن. غير أن التقرير يُسلِّط الضوء على إمكانيات تحقيق نمو طويل الأجل في اليمن، كما يهدف إلى إثراء جهود واضعي السياسات وغيرهم من أصحاب المصلحة في سعيهم لبناء الأساس اللازم لمستقبل البلاد.
لا تزال الضبابية تكتنف آفاق المستقبل القريب لليمن، والطريق إلى تحقيق نمو قوي وشامل للجميع ضيق للغاية، ولكن ثمة ما يبعث على بعض التفاؤل المشوب بالحذر. فبالرغم من الطبيعة المُعقَّدة للصراع، واستمرار التصارع من أجل السيطرة على الاقتصاد، وفداحة الأزمة الإنسانية والتدهور الاقتصادي في اليمن، فإن ثمة أسباباً تدعو للتفاؤل المشروط. فأحد أفضل الأصول الكامنة في اليمن هي طبقة رواد الأعمال الذين استطاعوا اجتياز عقودٍ من الاضطرابات السياسية والاقتصادية. وتحيط باليمن أسواق مرتفعة الدخل وتجمعها به الروابط والوشائج الثقافية، كما أن هذه الأسواق تستورد معظم سلعها الاستهلاكية. وإذا توفرت مقومات السلام والاستقرار والاستثمارات الكافية، وتضافرت العوامل الخاصة بوجود قطاعٍ خاص قادر على الصمود وطائفةٍ متنوعة من أسواق الصادرات التي تتوفر لها مقومات الاستمرار، فقد يسهم ذلك في تحقيق تعافٍ عريض النطاق بقيادة قطاع التصنيع الزراعي وقطاع الصناعات التحويلية الخفيفة في اليمن.
تتسم أوضاع الاقتصاد السياسي في اليمن بأنها شديدة التقلُّب، ومن المُرجَّح أن تستمر حالة التجزؤ الاجتماعي والسياسي في فترة ما بعد انتهاء الصراع. ومع أن التوصل إلى اتفاق سلام سيكون خطوة حاسمة نحو التعافي، فإنه لن يكون كافياً للعودة إلى استقرار الاقتصاد الكلي. وبالإضافة إلى انتهاء الحرب، ولاستئناف مسيرة النمو، سيكون من الضروري زيادة إنتاج الهيدروكربونات، وإعادة فتح مسارات النقل الرئيسية في البلاد، وتحسين الاندماج في أسواق التجارة الإقليمية والعالمية. وفي هذا السياق، سيكون تعاون المجتمع الدولي ومساعداته واستمرار انخراطه في اليمن عاملاً حيوياً لتحقيق سلامٍ دائمٍ في البلاد.