المنتدى الرقمي الثاني لبلدان المشرق
العراق والأردن ولبنان تعيد تأكيد التزامها بالتحول الرقمي كمحرّك للنمو والتنويع الاقتصادي والتفاعل الوثيق بين الحكومات والمواطنين
أعادت العراق والأردن ولبنان يوم ٢٤ فبراير/شباط ٢٠٢٢ تأكيد التزامها مواصلة الجهود نحو التحول الرقمي لاقتصاداتها من أجل تحقيق قدر أكبر من المساءلة والشفافية وتعزيز التعاون الإقليمي لتحويل المشرق إلى مركز إقليمي للاقتصاد الرقمي.
وقد جددت البلدان الثلاث هذا الالتزام خلال المنتدى الرقمي الثاني لبلدان المشرق الذي نظمته مجموعة البنك الدولي والذي ضمّ مسؤولين كبار وممثلي القطاع الخاص في العراق والأردن ولبنان، بالإضافة إلى رواد الأعمال والمستثمرين والمديرين التنفيذيين من شركات دولية وإقليمية، ودام المنتدى ليوم واحد حافلٍ بالمناقشات الافتراضية وتبادل المعرفة.
وبعد نجاح سلسلة المبادرات المرتبطة بالاقتصاد الرقمي التي نظمتها مجموعة البنك الدولي وحكومات العراق والأردن ولبنان، بما في ذلك منتدى المشرق الرقمي الأول في عمان (يونيو/حزيران ٢٠١٩) وطاولة الحوار الوزارية حول الاقتصاد الرقمي (فبراير/شباط ٢٠٢١) وورش العمل الوطنية حول الاقتصاد الرقمي في العراق والأردن ولبنان (يونيو/حزيران ٢٠٢١) ، شكل المنتدى الرقمي الثاني لبلدان المشرق منصة لتقييم التقدم الذي أحرزته الحكومات العراقية والأردنية واللبنانية في التزاماتها بالإصلاح الرقمي، ولاستكشاف فرص التعاون الإقليمي والتنسيق بين القطاعين العام والخاص نحو التحول الرقمي.
وقال المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه في كلمته الافتتاحية "إنّ رقمنة الحكومة والمدفوعات الرقمية وتوسيع رقعة الانتفاع بالنطاق العريض في البلدان الثلاث سيتيح استثمارات إضافية ويوفر المزيد من فرص العمل والاستقرار والسلام في المنطقة".
وأضاف رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي "إنّ "الأزمة سلّطت الضوء على أهمية الحَوْكَمة والشفافية والمساءلة من أجل التعافي الاقتصادي للبنان وقدرته على الصمود، وسمحت بمواكبة التحول الرقمي من خلال منصّة IMPACT المشتركة بين الوزارات بإدارة التفتيش المركزي في لبنان". وأكّد ميقاتي أيضاً التزامه " تبني استراتيجية شاملة للتحول الرقمي والمهارات الرقمية في لبنان قبل الانتخابات النيابية المقبلة في ١٥ مايو/أيار، كما وبجعل الحكومة الإلكترونية أولوية لتجديد ثقة الشعب بالمؤسسات الوطنية".
وأكّدت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإداريّة في لبنان نجلا رياشي أنّ "التحوّل الرقمي يُعَدّ حجر الأساس لإحداث التغيير الضروري من أجل استعادة ثقة المواطنين"، مشدّدةً على الحاجة إلى بناء منصة إقليمية لتنمية المهارات الرقمية للمواطنين وموظفي القطاع العام على حد سواء. وقالت رياشي: "من خلال منصّة IMPACT، تمكّن لبنان من أتمتة تسجيل ستة ملايين مقيم لأخذ اللقاح المضاد لفيروس كورونا ومن إعطاء خمسة ملايين جرعة حتى الآن، بالإضافة إلى تأمين معادلة الاتحاد الأوروبي لشهادة لقاح كوفيد-١٩ ودعم نحو ٦٠٠ ألف أسرة أي ٢٫٢٥ مليون فرد للاستفادة من المساعدة الاجتماعيّة."
ومن جهته شددّ وزير الاقتصاد الرقمي والريادة في الأردن أحمد الهناندة على أنّ "التحوّل الرقمي لم يَعُد خياراً بل ضرورة لازدهار أجيال المستقبل (...) وفي حال لم نصبح جزءاً من هذا التحوّل الرقمي اليوم، سوف يسبقنا التطور." وأضاف الهناندة أنّ معظم المؤسسات العامة في الأردن متصلة بواسطة شبكة الألياف البصرية التي تملكها الحكومة والتي سيتم فتحها قريبًا للشراكة مع القطاع الخاص. وسلّط الهناندة الضوء على حتمية التحول الرقمي ضمن القطاع المالي وخارجه على حد سواء لذلك أكّد أهميّة التعاون بين حكومات المشرق لتعزيز التحول الرقمي على المستوى الإقليمي، مشيراً إلى أنّ تواصل الأردن مع لبنان لتسريع عملية توفير الأردن لشهادة لقاح كوفيد-١٩ الرقمية المتوافقة مع الاتحاد الأوروبي هو خير مثال على ذلك.
وعقب الجلسات الافتتاحيّة، إستضاف المنتدى خبراء لمناقشة أربعة موضوعات محورية وهي: ١) فرص الاندماج الإقليمي لشبكات النطاق العريض؛ ٢) عوامل التمكين والعقبات التي تحول دون تبني الخدمات المالية الرقمية على نطاق واسع في المشرق؛ ٣) طرق تحسين المهارات الرقمية للذين في سنّ العمل لإعدادهم لوظائف اليوم والغد؛ ٤) المنصّات والمبادرات الحكوميّة الرقميّة في المشرق التي بإمكانها أن تتيح تقديم خدمات عامّة فعّالة وشفّافة وخاضعة للمساءلة. واستضاف المنتدى ست شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية من منطقة المشرق، وقدّم مؤسسوها مشاريعهم واستفادوا من توجيهات وتعليقات المرشدين ذوي الخبرة.
سلّطت حلقة النقاش الأولى التي تمحورت حول النطاق العريض الضوء على أهمية شبكات النطاق العريض الإقليمية لتطوير منطقة المشرق على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. وبشكل خاص، شدّدت المناقشة على الحاجة إلى بناء بيئة حاضنة تدعم إطاراً تنظيمياً عادلاً، مع العلم أنّ الإطار التنظيمي الملائم يشجّع على المنافسة وتكافؤ الفرص في البنية التحتية الرقمية. وبالنسبة للخدمات الرقمية، من المهم ضمان أمان التطبيقات والخدمات وخصوصيتها، مع استخدام صناديق الحماية التنظيمية كأداة للتعامل مع التكنولوجيا المتغيرة باستمرار في القطاع. وتمّ التركيز بشكل كبير على الحاجة إلى تطوير مراكز البيانات الخاصة ونقاط تبادل الانترنت الإقليمية (IXPs)، كما إلى تسهيل الوصول إلى الخدمات السحابية الشاملة والواسعة النطاق لدعم المرونة الاجتماعية والاقتصادية. وينظر القطاع الخاص إلى عمليات نقل البيانات عبر الحدود على أنها عامل تمكين رئيسي لتوسيع نطاق المنصات الرقمية والخدمات السحابية في المنطقة. وبفضل النمو الكبير لسعات النطاق الترددي الذي وصل إلى ٣٥ بالمائة سنوياً، يمكن للبيئة التمكينية أن تطلق العنان لتحويل المشرق إلى مركز رقمي إقليمي.
أمّا بالنسبة للخدمات المالية الرقمية، فناقش أعضاء الحلقة الثانية مسألة التقدم من ناحية الوصول إلى الخدمات المالية، إذ تضم الأردن حالياً ١٫٨ مليون مستخدم لمحفظة الهاتف المحمول ، وتظهر العراق نمواً جيداً بما يخص الحسابات المصرفية وحسابات المحفظة. وشكلت جائحة كورونا حافزاً لرقمنة التحويلات النقدية وكشوف الرواتب، ولتحسين عملية تهيئة العملاء والتوافق التشغيلي بين مقدمي الخدمات المالية، مما أدى إلى تجربة أفضل وثقة أكبر للمستخدمين. ورغم ذلك، لا يزال التعامل النقدي سائداً، وبالأخص في العراق ولبنان. وفي نطاق التحول الرقمي ومع ظهور العملات المشفّرة، لا يزال أمام بلدان المشرق عمل مكثَّف على صعيد البنية التحتية وأنظمة شبكات الدفع.
وأشارت حلقة النقاش الثالثة التي دارت حول المهارات الرقمية إلى أنه سيتم خلق الملايين من الوظائف الرقمية كل سنة، مما يتطلب زيادة المهارة الرقمية للعاملين لتبقى على صلة بسوق العمل. وبالرغم من ذلك، قد يؤدي التحول الرقمي إلى تفاقم مشكلة عدم المساواة القائمة وإلى توسيع الفجوات، بالأخص بالنسبة للنساء والمجتمعات الضعيفة، الأمر الذي يجب مراعاته عند تطوير الاستراتيجيات والبرامج. وأصدر أعضاء الحلقة عدة توصيات لحكومات المشرق، وتشمل تطوير رؤية شاملة متعددة القطاعات للاقتصاد الرقمي تعزز المهارات الرقمية؛ وإصلاح المناهج المدرسية؛ وتوعية الأهل حول أهمية المهارات الرقمية؛ وتجهيز المدارس الرسميّة بالمعدات الرقمية؛ وتشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ وتمكين الشركاء المحليين الناجحين من النمو وتوسيع نطاق برامجهم.
وأخيرًا، اشارت حلقة النقاش الرابعة التي تناولت موضوع الحكومة الرقمية إلى ثلاث نقاط مترابطة لتقديم خدمة فعّالة: استخدام النهج القائم على الهدف قبل تطبيق حلول التكنولوجيا؛ وأهمية التصميم الشمولي؛ والاستفادة من عمالقة التكنولوجيا لتقديم خدمات محسَّنة مع توفير الاشراف المناسب في الوقت نفسه. وأشار أعضاء الحلقة إلى أنّ التكنولوجيا في حد ذاتها محايدة، ولكن تطبيقاتها تؤثر على مجموعات سكانية مختلفة بطريقة مغايرة: على سبيل المثال، إنّ انخفاض معدّلات المشاركة النسائية في العمل وفرص الحصول على التمويل، إلى جانب انخفاض مستويات المهارات الرقمية والوصول إلى الأجهزة، أدّى إلى تهميش المرأة والمجموعات الأخرى. ويمكن للقطاع الخاص أن يأخذ زمام المبادرة في تطوير التطبيقات التي تعالج حاجات المرأة وذوي الإعاقة والمجموعات الأخرى لإتاحة حرية الوصول العادل. وسلّطت الحلقة الضّوء أيضاً على أهميّة التعاون بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني لتنفيذ الاستراتيجيات الرقمية والتخفيف من معدلات الدوران المرتفعة لموظفي القطاع العام. وفي هذا الصدد، يمكن للقطاع الخاص ابتكار هذه الحلول الرقمية وتطبيقها فيما توفّر الحكومة الرقابة وحماية البيانات والأمان. وفي السياق ذاته، أبرزت الحلقة دور هيئات الرقابة في مكافحة الاحتيال والفساد بواسطة الأدوات الرقمية، واستنتجت أنّ الحكومة الذكية ليست مجرّد استراتيجية رقمية بل تتطلب في المقام الأوّل تحوّلاً في طريقة التفكير واستثماراً في جهود إدارة التغيير لإقناع العاملين والقادة الحكوميين. وتعتبر البيانات الموثوقة والواضحة والمركبة لفهم ما يريده الناس ويحتاجون إليه أمراً أساسياً، كما الحال بالنسبة للشراكات بين القطاعين العام والخاص حيث تعمل الحكومة كوسيط يحمي الزبائن ويحافظ على بياناتهم ويضمن فهم المواطنين لحقوق البيانات الخاصة بهم.
ومن جهتها، أشارت مجموعة البنك الدولي إلى استعدادها لمواصلة دعم الحكومات العراقية والأردنية واللبنانية نحو التحول الرقمي لاقتصاداتها فضلاً عن تعزيز التعاون الإقليمي لتحويل المشرق إلى مركز إقليمي للاقتصاد الرقمي.