11 فبراير/شباط 2009 -- في إحدى القرى الصغيرة بالفلبين، تعرض مارسيال توايون بكل فخر حقائب أطفالها المدرسية الجديدة على مسؤولين من البنك الدولي. فبفضل الأموال التي تلقتها في إطار برنامج حكومي للتحويلات النقدية، تمكنت مارسيال للمرة الأولى من إلحاق أطفالها الخمسة جميعا بالمدارس.
وقالت الأم التي تبلغ الرابعة والثلاثين من عمرها "أشعر بالامتنان لحصولي على هذه الأموال... يمكنني الآن شراء المستلزمات المدرسية." وكانت مارسيال قد وافقت بسعادة على عدد من الشروط مقابل الحصول على تلك الأموال، من بينها انتظام الأولاد في المدارس.
ولاحظت ماريا إيلينا ساغا، مديرة مدرسة إسبيرانزا الابتدائية المجاورة التي ألحقت مارسيال أولادها بها، ما طرأ على القرية من تغير بفضل ذلك البرنامج. وتوضح ذلك بقولها "كان معدل تسرب الأطفال من التعليم كبيراً بسبب عمالة الأطفال واضطرارهم لرعاية أطفال آخرين، أما الآن فقد زاد معدل الانتظام في الدراسة".
وأورد تقرير جديد للبنك الدولي بعنوان "التحويلات النقدية المشروطة: خفض معدلات الفقر الحالية والمستقبلية" بياناً مفصلاً عن البرامج التي تمنح الأسر الفقيرة أموالاً نظير الإبقاء على أطفالها في الدراسة، أو الذهاب بهم إلى العيادات الصحية، مشيراً إلى أن تلك البرامج حققت نجاحاً جيداً في المساعدة على خفض معدلات الفقر والاستثمار في الأطفال الذين يشكلون كبار الغد.
ويقول جاستن لن، رئيس الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي "نزيد من دعمنا لبرامج التحويلات النقدية المشروطة كونها تبرز كمثال على كيفية الاستفادة من الموارد بصورة فعالة - خاصة خلال في الفترة الحالية التي تتسم بالأزمات المتعددة والتي أصبحت فيها المعونات الأجنبية غير مؤكدة."
النقود أم الخبز؟
تعمل برامج التحويلات النقدية المشروطة، عن طريق توفير النقود بشكل ثابت، على حماية الأسر الفقيرة من أسوأ آثار البطالة، والأمراض المفجعة، وغيرها من الصدمات التي يتعرض لها دخل الأسر المعيشية. فتقل مخاطر تعرض الأطفال للجوع، أو إخراجهم من المدارس، في الوقت الذي يتم فيه بناء رأس المال البشري من أجل المستقبل.
ويقول سانتياغو ليفي، نائب رئيس بنك التنمية للبلدان الأمريكية، والمسؤول الرئيسي في إعداد البرنامج المكسيكي Progresa/Oportunidades الرائد في مجال التحويلات النقدية المشروطة بأمريكا اللاتينية "يمكننا بدلاً من ذلك أن نحول الدخل إلى الفقراء من خلال دعم الخبز، ولكن ذلك لن يؤدي إلا إلى زيادة استهلاك الخبز... فإذا كنا سنحول الدخل على كل حال، فليكن ذلك بطريقة ذكية، بحيث نصل في يوم ما إلى الحد من معدلات الفقر إلى الدرجة التي لا نحتاج فيها إلى القيام بذلك".
وفي الواقع، يمكن أن تشكل التحويلات النقدية المشروطة جزءاً فعالاً من إستراتيجيات الحماية الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومات إلى استبدال وسائل نقل الدخل الأقل كفاءة، مثل الدعم الذي يتم توجيهه بشكل سيء ويؤدي إلى إحداث تشوه في الأسواق.
زيادة هائلة في برامج التحويلات النقدية المشروطة
في عام 1997، كانت هناك ثلاثة بلدان نامية تطبق برامج التحويلات النقدية المشروطة: بنغلاديش، والبرازيل، والمكسيك. وعلى مدى العقد التالي، انتشرت تلك البرامج على مستوى العالم لتشمل أكثر من أربعة وعشرين بلداً، بحلول عام 2008. فقد أصبحت كل قارة الآن تضم برامج للتحويلات النقدية المشروطة سواء في البلدان الغنية أو الفقيرة، من برنامج Oportunidades في المكسيك إلى برنامج Opportunity NYC في مدينة نيويورك.
كما زادت برامج التحويلات النقدية المشروطة بصورة هائلة داخل البلدان ذاتها. ففي المكسيك، كان برنامج Progresa يضم في البداية 300 ألف أسرة معيشية؛ الآن أصبح برنامج Oportunidades الذي حل محله يصل إلى 5 ملايين أسرة معيشية.
تقول تينا روزنبرغ، الكاتبة في نيويورك تايمز والحائزة على جائزة بوليتزر، في مناقشة أجريت بالبنك الدولي "ترجع شعبية تلك البرامج في جزء منها إلى الدعم المقدم من مؤسسات مثل البنك الدولي وبنك التنمية للبلدان الأمريكية ... ولكن هناك كذلك تغير أيديولوجي في نظرة الناس للرعاية الاجتماعية".
كما تشير روزنبرغ، التي كتبت بشكل موسع عن أمريكا اللاتينية، أيضاً إلى سهولة نجاح برامج التحويلات النقدية المشروطة، وكذلك إلى سهولة تصدير أساسيات تلك البرامج إلى البلدان منخفضة القدرات مقارنة بأية برامج أخرى.
كسر دورة الفقر
يقول نوربرت سكادي، المؤلف المشارك في التقرير، والخبير الاقتصادي الأقدم في البنك الدولي "تعد الفرصة التي تقدمها برامج التحويلات النقدية المشروطة لكسر دورة الفقر من الآباء إلى الأبناء، جذابة للغاية... وثمة شواهد قوية تدل على أن برامج التحويلات النقدية المشروطة تعطي دفعة للاستهلاك وتحد من الفقر".
وكما هو متوقع، يكون أثر الحد من الفقر أكبر ما يمكن عندما يكون مقدار التحويلات النقدية كبيراً. ففي المكسيك، تقلصت هوة الفقر - أو مقدار العجز مقارنة بخط الفقر - بين المستفيدين من برامج التحويلات النقدية المشروطة في المناطق الريفية بنسبة 19 في المائة.
كما تغيرت الأنماط الاستهلاكية فيما بين الأسر المعيشية المستفيدة من التحويلات النقدية المشروطة، نظراً لتقديم تلك التحويلات إلى النساء. فقد أظهرت الشواهد أن النساء ينفقن أكثر من الرجال على الغذاء، والمواد الغذائية عالية الجودة، وغيرها من الأشياء التي تفيد الأطفال.
وقد حققت برامج التحويلات النقدية المشروطة نجاحاً كبيراً في مكافحة الفقر لأنها تستهدف بصفة عامة الأسر المعيشية الفقيرة. كما إنها لم تؤد إلى تقليص نتاج عمل الكبار كرد فعل للدخل الإضافي الثابت، كما كان يتخوف البعض.
ويعلق ليفي قائلاً "كان الظن في السابق أنك لو أعطيت الفقراء نقوداً فسينفقونها فيما لا طائل من ورائه، إلا أنك لو عاملت الأسر المعيشية الفقيرة معاملة الكبار الناضجين فسيتصرفون كالكبار الناضجين، وأظن أن ذلك أمر طيب".
انتظام المزيد من الأطفال في الدراسة
أدت برامج التحويلات النقدية المشروطة بشكل جلي إلى زيادة الإقبال على الخدمات التعليمية في البلد تلو الآخر. ففي باكستان على سبيل المثال، زاد أحد برامج التحويلات النقدية المشروطة من نسبة الالتحاق بالمدارس بين الفتيات من سن 10 إلى 14 عاماً بنسبة 11 نقطة مئوية. وفي المكسيك، قلص برنامج Oportunidades من معدلات التسرب بين تلاميذ الصفين السادس والسابع بنسبة 9 نقاط مئوية.
ويقول أكسل فان تروتسنبرغ، المدير القطري لشؤون كل من كولومبيا والمكسيك بالبنك الدولي "لقد قابلت أبناءً لأسر من أفقر الأسر في المكسيك، وقد أنهوا دراستهم الثانوية، ويطمحون في الالتحاق بالجامعة... ولم تكن لترى ذلك الشيء من عشرين عاماً مضت، ولكنه الآن حقيقة واقعة".
وفي أمريكا اللاتينية، أدت برامج التحويلات النقدية المشروطة إلى زيادة الاستفادة من خدمة الصحة الوقائية. وفي هندوراس، زادت نسبة الأطفال الذي يجرون زيارة وقائية واحدة على الأقل بنسبة 20 نقطة مئوية، بفضل برامج التحويلات النقدية المشروطة.
هل تمثل برامج التحويلات النقدية المشروطة حلاً سحرياً؟
يحذر تقرير جديد للبنك الدولي من اعتبار برامج التحويلات النقدية المشروطة دواء لكل داء. بل في الواقع، تحتاج تلك البرامج إلى العديد من الخدمات التكميلية والمساندة.
ويوضح آريال فيزباين، المؤلف المشارك في التقرير ورئيس الخبراء الاقتصاديين المعني بالتنمية البشرية في البنك الدولي "لا يعني الاستفادة من الخدمات حدوث تحسن تلقائي في النتائج... فلا يعني ذهاب الأطفال إلى المدارس بالضرورة أنهم يتعلمون أكثر".
ولكي يتحقق انخفاض فعلي في وفيات الأطفال، أو تحسن في التعليم، يجب أن تكمل برامج التحويلات النقدية المشروطة بتعليم وخدمات صحية ذات نوعية أعلى، وزيادة الاهتمام بإعطاء الأطفال دفعة مبكرة من خلال تحسين التغذية أو برامج ما قبل دخول المدارس.
وأشار فيزباين إلى الحاجة إلى تكميل برامج التحويلات النقدية المشروطة بإجراءات تستهدف تحسين تغطية الخدمات العامة ونوعيتها. وهو يعتبر ذلك الوجه الآخر لعملة برامج التحويلات النقدية المشروطة، حيث يتم إعطاء مقدمي الخدمات مثل الممرضات والمعلمين حوافز للتأثير على سلوكياتهم.
فمن الواضح أن برامج التحويلات النقدية المشروطة ليست الوسيلة الوحيدة للحماية الاجتماعية. فهي تهدف إلى مساندة الأسر المعيشية الفقيرة التي لديها أطفال، ويجب أن تلحق ببرامج تحويلات أخرى مثل المعاشات الاجتماعية أو برامج التشغيل لكي تصل إلى الجميع الفئات المعرضة للمخاطر.
التركيز على تحقيق النتائج
من بين السمات الهامة في برامج التحويلات النقدية المشروطة تضمن العديد منها لمكونات رصد متقدمة تسمح بإجراء تقييم موضوعي لنتائجها. فعلى سبيل المثال، تتابع Familias en Acción في كولومبيا تأثير البرنامج على المستفيدين منه بشكل منهجي.
ويقول تروتسنبرغ "لقد ساندنا البرنامج الكولومبي بقوة مالياً عن طريق قرض كبير تم الموافقة عليه في ديسمبر/كانون الأول 2008، ولكن الأهم هو مشاركتنا في تصميم البرنامج، والمتابعة والتقييم، فمن شأن ذلك أن يساعد البرنامج على العمل بشكل أفضل".
ويختم فيزباين بقوله "لقد ساعدت برامج التحويلات النقدية في تحديث إدارة القطاع الاجتماعي، حيث إنها تتطلب تنسيقا على مستوى العديد من الهيئات... ولا غنى عن المتابعة والتقييم الدقيقين لتقييم النتائج بموضوعية والمساعدة على تصميم برامج أفضل في المستقبل".