سبتمبر/ أيلول 2011 - ما زالت النساء في شتى أنحاء العالم تعانين من الحرمان؛ فهن غير ممثلات على قدم المساواة مع الرجال في مواقع القيادة الاقتصادية والسياسية، ومعدلات البطالة في صفوفهن أعلى من نظرائهن من الرجال كما يحصلن على أجور أقل.
ففي مختلف أنحاء العالم، باتت هذه الفجوات تضيق باطراد مع تغلب النساء على الحواجز الثقافية والهيكلية نحو تحقيق المساواة الكاملة. ولكن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما زالت هذه الفجوات مستعصية للغاية، على خلفية تحديات جسيمة من ارتفاع معدلات البطالة بوجه عام. وللحيلولة دون استمرار معدلات البطالة في الارتفاع، ينبغي للمنطقة أن تخلق بحلول عام 2050 قرابة 200 مليون فرصة عمل إضافية، ثلاثة أرباعها للنساء.
ومع أن أكثر من 50 في المائة من النساء في كل المناطق النامية الأخرى يعملن أو يبحثن بنشاط عن وظيفة، فإن النسبة بين النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تتجاوز 25.2 في المائة. وخلال السنوات الثلاثين الماضية، زادت مشاركة النساء في قوة العمل بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعدل هزيل لا يتعدى 0.17 في المائة سنويا. وإذا استمر هذا المعدل، فإن نساء المنطقة سيستغرقن 150 عاما للحاق ببقية العالم النامي.
إن هذه الإحصائيات مثيرة للقلق وتبعث على الحيرة؛ فهي تخفي تحسينات ملموسة في عدد من المؤشرات الاجتماعية الأخرى، ولا تنطوي في الوقت نفسه على علاقة سببية ظاهرة بهذه التحسينات. فقد حققت النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقدما تجاوز نظراءهن في بلدان العالم النامي من حيث معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة ووفيات الرضع ومتوسط العمر المتوقع، بل إنهن تخطين حد المساواة بين الجنسين في بعض الحالات، وهو ما يؤدي إلى ’فجوات عكسية بين الجنسين‘ في مجالات مثل التعليم العالي الذي يفوق فيه عدد النساء الآن عدد الرجال.
ومع ذلك، فإن هذا لم يتحول إلى زيادة الفرص المتاحة للنساء في المنطقة. فإن فجوة البطالة بين الرجال والنساء في المنطقة في ازدياد، إذ تضاعفت خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، من 5 في المائة عام 1985 إلى أكثر من 10 في المائة عام 2010.
إشكالية الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والربيع العربي
تعد هذه الإشكالية إحدى أسباب الاستياء الشعبي الذي ساهم بإذكاء انتفاضات الربيع العربي؛ فالشبان والشابات ممن كانوا في صدارة الدعوة إلى التغيير يطالبون بفرص لممارسة مهاراتهم، والمشاركة سياسيا واقتصاديا.
ومن شأن إزالة الحواجز القائمة أمام مشاركة النساء في قوة العمل ضمان توظيف الاستثمار في تعليمهن ورعايتهن الصحية لأغراض إنتاجية. وسيضع ذلك أيضا التنمية على مسار أكثر شمولا يعود بالنفع على النساء والأجيال القادمة. وقد أظهرت الدراسات أن زيادة الاستقلال المالي للنساء ومكانتهن الاجتماعية له أثر مباشر على رفاهية الأطفال، إذ إنه يؤدي إلى مزيد من الاستثمارات في صحتهم وتعليمهم.
مدرسة، محامية، مهندسة ومذيعة
غالبا ما يُلقى باللوم على النفط والدين بوصفهما سببين في تأخر النساء، ولكن أيا منهما لا يفسر الحقائق تفسيرا كاملا. فعلى سبيل المثال تشترك مصر وإندونيسيا بخصائص كثيرة: فهما بلدان يغلب المسلمون على سكانهما، ويملكان احتياطيات نفطية متماثلة، ويتسم اقتصادهما بتنوع الصادرات. وعلى الرغم من أوجه الشبه هذه، فإن معدل توظيف النساء في مصر يبلغ نصف مثيله في إندونيسيا.
وتواجه النساء في المنطقة أيضا مجموعة فريدة من الضغوط القانونية والاجتماعية التي تحدد أين ومتى يمكنهن العمل؛ مما يتسبب في ضيق المجال المتاح من الوظائف والمهن. وتُقيِّد القوانين التي تهدف إلى حماية النساء الساعات التي يجوز للنساء العمل فيها، وفي بلدان كثيرة تطلب المرأة من ولي أمرها الإذن للعمل. ويعتبر أرباب العمل أيضا النساء أقل إنتاجية وتوظيفهن أعلى تكلفة. وهذه المفاهيم والقيود تؤدي معا إلى تقييد قدرة النساء على الاختيار والتحرك، بل تجعلهن أقل جاذبية لأرباب العمل. والأثر التراكمي لذلك هو أن عددا قليلا من النساء يدخلن سوق العمل، وإن فعلن ذلك، يجدن صعوبة شديدة في العثور على فرصة عمل.
ولم تضعف هذه العوامل بأي حال من رغبة المرأة في العمل. فقد أظهر مسح استقصائي للبنك الدولي عام 2010 شمل أردنيات تخرجن من كليات متوسطة أن 92 في المائة يعتزمن البحث عن عمل، وأن 76 في المائة يتوقعن العمل في وظائف ذات دوام كامل.
وكشف مسح استقصائي للمتابعة للخريجات أنفسهن عام 2011 أن سبعة في المائة فحسب من المتزوجات يعملن في مقابل 21 في المائة من غير المتزوجات، و 14 في المائة من المخطوبات. وظلت الرغبة في العمل دون تغير لدى المجموعة كلها.
تحديات الموازنة بين العمل والأسرة
تُشكِّل المطالب المتضاربة للعمل والحياة الأسرية تحديا في شتى أنحاء العالم، وليست منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استثناءً من هذا. وهناك سبل كثيرة للتوفيق بين متطلبات الأسرة والعمل، ولا سيما للأمهات الشابات، فالأخذ بنظام ساعات العمل المرنة، وتعزيز جهود النساء للاشتغال بالأعمال الحرة، وخيارات رعاية الطفل هي وسائل يمكن أن تساعد المرأة في تحقيق رغبتها في بناء حياتها الأسرية والمهنية معا، دون أن تبدو أقل جاذبية من الموظفين المحتملين من الرجال.
وينبغي أن يكون هناك مجال أكبر للاختيار حين يتصل الأمر بالمسار المهني في قطاع خاص آخذ في التوسع ويتسم بالتنوع والقدرة على استيعاب العدد المتزايد من المتعلمات الراغبات في العمل.
إعادة التفاوض على العقد الاجتماعي
يُهيمن القطاع العام الكبير على بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ وقت طويل. كما يسود عقد اجتماعي يتم بموجبه الرد على الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية من خلال التوسع في الوظائف الحكومية وزيادة الدعم الحكومي للسلع والخدمات. لكن هذا النظام سرعات ما انهار تحت وطأة الضغوط على الموازنات الوطنية (وعجز القطاع العام عن تلبية الطلب المتزايد على الوظائف)، ودعوات الربيع العربي إلى إرساء حكم أكثر انفتاحا وشمولا.
وفي هذا الخليط المتغير، ما زالت الخيارات التعليمية للنساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موجهة نحو القطاع العام، وهو ما يتسبب في نقص المهارات التي يتطلبها القطاع الخاص. وهناك عدد من السبل للتغلب على عدم التوافق بين المهارات، مثل المنح الدراسية والبرامج التدريبية التي تتيح التدريب أثناء العمل والتي يتعرَّف فيها أرباب العمل بأنفسهم على الموظفات لتبديد أي أوهام بشأن إنتاجيتهن أو التزامهن على الأجل الطويل. وستكون نتيجة ذلك أن أرباب العمل لن يترددوا قبل أن يقرروا الاستثمار في تطوير قدرات إحدى الموظفات المحتملات. وستصبح النساء نماذج رائدة للجيل التالي، مما يُشجعُ هذا الجيل على اكتساب المهارات المناسبة والسعي الحثيث من أجل مهن مماثلة.