Skip to Main Navigation
موضوع رئيسي

الثورة القادمة في تونس: الحكومة المفتوحة

04/17/2012


Image

الثورة القادمة في تونس:  الحكومة المفتوحة

أرني هول - البنك الدولي 2012

انتشر زخم الثورة التونسية في شوارع المدن والقرى في شتى أرجاء البلاد، وراحت حشود الجماهير تطالب بتغييرات جوهرية في مجتمعها. لكن بعد مرور عام، أضحى إيجاد سبل لبناء الثقة وتعزيز آمال هذا المجتمع المتغير بمثابة ثورة ثانية بطيئة تكاد تخلو من العناوين البارزة المثيرة لكنها تسهب في التفاصيل.

فهناك حاجة إلى قوانين وسياسات جديدة لترجمة روح المظاهرات إلى واقع. وسيكون لهذه القوانين والسياسات أثر لا يقل عمقا عن الثورة نفسها.  لكن تصميم القوانين التي ترسي القواعد المؤسسية لعلاقة جديدة بين المواطنين والدولة وتنفيذ هذه القوانين عملية شاقة يتخللها الكثير من الصعاب. 

وليس هذا إلا أحد المكونات. فالتشريع وحده لن يحقق الإدارة الرشيدة والمواطنة النشطة. ويجب أن يتعلم الناس كيف يعملون في هذه البيئة الجديدة: كيف ينفذ الإداريون القوانين الجديدة، وكيف يتفهم المواطنون حقوقهم الجديدة ويُعبِّرون عنها، وكيف يتبنى الجميع نموذجا للحكومة المفتوحة يقوم على الشفافية والمساءلة والمشاركة في تصميم السياسات وتنفيذها. وتعد إدارة هذه العناصر الأساسية لتحقيق مطالب الشارع أمرا ضروريا يماثل في أهميته المسيرة في شارع بورقيبة في 14 يناير/كانون الثاني 2011.

لقد ساعد أحد القوانين الأولى، التي أصدرتها الحكومة الانتقالية بعد ثلاثة أشهر من نشوب الثورة، على رفع القيود المفروضة على الحصول على المعلومات. ومنح هذا التونسيين إمكانية الوصول بلا قيد إلى الإنترنت، وأدى إلى انتشار مواقع الإنترنت المسجلة في تونس، وكشف أيضا للمرة الأولى النقاب عن بيانات مهمة تتصل بالمالية العامة وإحصائيات اجتماعية واقتصادية. كما ازداد عدد المواقع الإلكترونية في تونس في أعقاب الثورة نتيجة تسهيل القيود على الإنترنت.

وفي عهد النظام السابق، كانت الإحصاءات بمثابة سر يخضع لرقابة وكتمان شديدين. وكانت تلك إستراتيجية أخرى لضمان أن تمضي إدارة الأموال العامة وتشكيل السياسات دون أي رقابة أو اعتراض. ودون الحصول على البيانات الأساسية عن المالية العامة، أو بيانات صحيحة عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد كان المواطنون مسلوبين من أي حقائق تمكنهم من تقييم الأداء الحكومي.

وفي مايو/آيار 2011، شهدت تونس الموافقة على أول قانون يكفل الحصول على المعلومات بوصفه أحد الحقوق العامة، وفي إطار سياستها التفاعلية للإفصاح، تم نشر مجموعة متنوعة من الإحصائيات الحكومية الرئيسية منها:

  •  تقارير تنفيذ الموازنة والتشخيص الخارجي لإدارة المالية العامة لتونس (مؤشرات الإنفاق العام والمساءلة المالية 2010)
  •  تقارير كاملة من دائرة المحاسبات وهي الهيئة المسؤولة عن مراقبة النفقات العمومية 
  •  أحدث مسح لميزانية الأسرة (2005)
  •  أحدث مسح لقوة العمل (2010)
  •  عينة من التعداد السكاني (2004)

ويعد إصدار هذا التشريع عن حرية الحصول على المعلومات وفتح بوابات الإفصاح والمصارحة ليس إلا الخطوة الأولى. وحتى يكون فعالا، يجب على الجميع الآن أن يعرفوا حقوقهم وواجباتهم الجديدة، وكيف يحصلون على المعلومات، وكيف يستخدمونها. ويجب أيضا إعادة الثقة في دقة المعلومات إلى المواطنين الذين يشعرون منذ وقت طويل باستياء من الحكومة ودعايتها التي تخضع لسيطرة شديدة. ويجب على صانعي السياسة دمج هذا التشريع في عملية صنع القرار وأن يستخدمه الصحفيون أساسا لتحليلات واعية. ويجب على المواطنين ممارسة حقوقهم الجديدة واستخدام هذه المعلومات في محاسبة الحكومة.  ويجب على أرباب الأعمال طلب المعلومات عن القطاع العام واستخدامها في تقليص تكاليف المعاملات ومخاطرها وطرح منتجات وخدمات جديدة.


" "مازال أمامنا بعض الوقت قبل أن يصبح الحصول على المعلومات حقيقة واقعة، وتثور مناقشات مفعمة بالحيوية بشأن السياسة الاقتصادية، لكن تونس تتحرك في الاتجاه الصحيح."  "

أنطونيو نوسيفورا

الخبير الاقتصادي الأول للبنك الدولي ومقره في تونس

وكان البنك الدولي شريكا في هذه العملية بكاملها. ففي أعقاب الثورة مباشرة، وافق البنك على  قرض بقيمة 500 مليون دولار لتونس، إضافة إلى 700 مليون دولار تم جمعها من شركاء تنمية آخرين وجميعها تهدف لمساعدة الحكومة الانتقالية على تنفيذ برنامجها للإصلاح مع التركيز على الإدارة الرشيدة والاحتواء الاقتصادي والاجتماعي.

وبالإضافة إلى المساندة المالية، عرض البنك أيضا خبراته وتجاربه العالمية الواسعة للاسترشاد بها في اجتياز المرحلة التالية الحرجة. ويرى فابيان سيدرير، كبير خبراء إدارة القطاع العام بالبنك الدولي، أن سن قانون حرية المعلومات ليس سوى البداية، وعن ذلك يقول "إننا نعمل الآن مع الحكومة وأصحاب المصلحة الرئيسيين لوضع قواعد عملية ولوائح تنظيمية للتنفيذ الفعال لهذا الحق الجديد الذي يُشكِّل الأساس لحكومة مفتوحة."

ندوة إقليمية

وإلى جانب المساعدة في بناء الهيكل القانوني الذي يحكم الحصول على المعلومات وتنقيحه، ساعد البنك أيضا في التصدي للتحدي الخاص بتوعية المسؤولين الحكوميين وجماعات المجتمع المدني بشأن حقوقهم الجديدة ومسؤولياتهم، ولا سيما من خلال ندوة إقليمية أقيمت في أواخر مارس/آذار.

وكانت الندوة الإقليمية التي استضافتها الحكومة الجديدة بمساندة من البنك الدولي والمفوضية الأوروبية فرصة للمشاركين المائتين لتبادل وجهات النظر والتعلُّم من الخبرات العملية لخبراء دوليين من مصر وفرنسا والأردن والمكسيك والمغرب وسلوفينيا.  وساهمت التدوة التي افتتحتها إنجر أندرسن، نائبة رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في زيادة الوعي بين التونسيين بحقوقهم والتزاماتهم الجديدة وقدمت المشورة بشأن تنفيذ هذه السياسات التحوُّلية.

وجرت خلال الندوة أيضا لقاءات بين جماعات المجتمع المدني ومسؤولين حكوميين لبدء حوار بشأن كيفية تطور العلاقات بينهما في هذه البيئة الجديدة.

وكما هو الحال في كل الإصلاحات، فإن النتائج لن تكون فورية.  فتغيير عادات راسخة وإعادة بناء الثقة هي مشروع طويل الأجل.

وأصبح ذلك واضحا خلال اجتماع استضافه البنك الدولي في شهر مارس آذار، وجمع لفيفا من الصحفيين التونسيين مع الخبير الكندي في مجال الحصول على المعلومات توني مينديل من مركز القانون والديمقراطية.   وخلال اللقاء أعرب الصحفيون عن قلقهم بشأن قدرتهم على تقييم مدى دقة البيانات العامة، ومراقبة قرارات الحكومة بشأن ما أذيع وما حُجِب.  وكان مسح استقصائي سانده البنك الدولي مؤخرا وشارك فيه 100 من رجال الأعمال بشأن الآثار الاقتصادية لمعلومات القطاع العام قد أكد قلق الصحفيين هذا حول حدوث تغير سريع في سلوكيات الإدارة العامة.

ولا بد أن تحقق هذه القوانين والسياسات الجديدة بعض المنافع الملموسة قبل استعادة الثقة الكاملة وإرساء الأمانة. وقد يستغرق هذا بعض الوقت. وستكون الثورة التالية في تونس نحو حكومة مفتوحة ثورة أبطأ خطى لكن المجتمع الذي تهدف إلى بنائه سيكون ذا دعائم قوية.

وكما أشار أنطونيو نوسيفورا، الخبير الاقتصادي الأول للبنك الدولي ومقره في تونس، بشأن عملية تنفيذ قانون المعلومات الجديد:  "مازال أمامنا بعض الوقت قبل أن يصبح الحصول على المعلومات حقيقة واقعة، وتثور مناقشات مفعمة بالحيوية بشأن السياسة الاقتصادية، لكن تونس تتحرك في الاتجاه الصحيح."  

 


Api
Api