انتشر زخم الثورة التونسية في شوارع المدن والقرى في شتى أرجاء البلاد، وراحت حشود الجماهير تطالب بتغييرات جوهرية في مجتمعها. لكن بعد مرور عام، أضحى إيجاد سبل لبناء الثقة وتعزيز آمال هذا المجتمع المتغير بمثابة ثورة ثانية بطيئة تكاد تخلو من العناوين البارزة المثيرة لكنها تسهب في التفاصيل.
فهناك حاجة إلى قوانين وسياسات جديدة لترجمة روح المظاهرات إلى واقع. وسيكون لهذه القوانين والسياسات أثر لا يقل عمقا عن الثورة نفسها. لكن تصميم القوانين التي ترسي القواعد المؤسسية لعلاقة جديدة بين المواطنين والدولة وتنفيذ هذه القوانين عملية شاقة يتخللها الكثير من الصعاب.
وليس هذا إلا أحد المكونات. فالتشريع وحده لن يحقق الإدارة الرشيدة والمواطنة النشطة. ويجب أن يتعلم الناس كيف يعملون في هذه البيئة الجديدة: كيف ينفذ الإداريون القوانين الجديدة، وكيف يتفهم المواطنون حقوقهم الجديدة ويُعبِّرون عنها، وكيف يتبنى الجميع نموذجا للحكومة المفتوحة يقوم على الشفافية والمساءلة والمشاركة في تصميم السياسات وتنفيذها. وتعد إدارة هذه العناصر الأساسية لتحقيق مطالب الشارع أمرا ضروريا يماثل في أهميته المسيرة في شارع بورقيبة في 14 يناير/كانون الثاني 2011.
لقد ساعد أحد القوانين الأولى، التي أصدرتها الحكومة الانتقالية بعد ثلاثة أشهر من نشوب الثورة، على رفع القيود المفروضة على الحصول على المعلومات. ومنح هذا التونسيين إمكانية الوصول بلا قيد إلى الإنترنت، وأدى إلى انتشار مواقع الإنترنت المسجلة في تونس، وكشف أيضا للمرة الأولى النقاب عن بيانات مهمة تتصل بالمالية العامة وإحصائيات اجتماعية واقتصادية. كما ازداد عدد المواقع الإلكترونية في تونس في أعقاب الثورة نتيجة تسهيل القيود على الإنترنت.
وفي عهد النظام السابق، كانت الإحصاءات بمثابة سر يخضع لرقابة وكتمان شديدين. وكانت تلك إستراتيجية أخرى لضمان أن تمضي إدارة الأموال العامة وتشكيل السياسات دون أي رقابة أو اعتراض. ودون الحصول على البيانات الأساسية عن المالية العامة، أو بيانات صحيحة عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد كان المواطنون مسلوبين من أي حقائق تمكنهم من تقييم الأداء الحكومي.
وفي مايو/آيار 2011، شهدت تونس الموافقة على أول قانون يكفل الحصول على المعلومات بوصفه أحد الحقوق العامة، وفي إطار سياستها التفاعلية للإفصاح، تم نشر مجموعة متنوعة من الإحصائيات الحكومية الرئيسية منها:
- تقارير تنفيذ الموازنة والتشخيص الخارجي لإدارة المالية العامة لتونس (مؤشرات الإنفاق العام والمساءلة المالية 2010)
- تقارير كاملة من دائرة المحاسبات وهي الهيئة المسؤولة عن مراقبة النفقات العمومية
- أحدث مسح لميزانية الأسرة (2005)
- أحدث مسح لقوة العمل (2010)
- عينة من التعداد السكاني (2004)
ويعد إصدار هذا التشريع عن حرية الحصول على المعلومات وفتح بوابات الإفصاح والمصارحة ليس إلا الخطوة الأولى. وحتى يكون فعالا، يجب على الجميع الآن أن يعرفوا حقوقهم وواجباتهم الجديدة، وكيف يحصلون على المعلومات، وكيف يستخدمونها. ويجب أيضا إعادة الثقة في دقة المعلومات إلى المواطنين الذين يشعرون منذ وقت طويل باستياء من الحكومة ودعايتها التي تخضع لسيطرة شديدة. ويجب على صانعي السياسة دمج هذا التشريع في عملية صنع القرار وأن يستخدمه الصحفيون أساسا لتحليلات واعية. ويجب على المواطنين ممارسة حقوقهم الجديدة واستخدام هذه المعلومات في محاسبة الحكومة. ويجب على أرباب الأعمال طلب المعلومات عن القطاع العام واستخدامها في تقليص تكاليف المعاملات ومخاطرها وطرح منتجات وخدمات جديدة.