فهل كشفت النتائج التي خلص إليها التقرير فروقا كبيرة في وضع الشباب والمرأة؟
غلوريا لا كافا: في دراساتنا المعنية بالمساواة بين الجنسين، ننظر دائما في الصعوبات التي تواجهها الفتيات في المشاركة في سوق العمل وتمكينهن من أن يكون لهن مصدر خاص للدخل. والآن، ورغم أن معدلات البطالة بينهن أكبر، فإننا حينما أجرينا مقابلات مع عدد كبير من الفتيات والشباب، خاصة في المناطق الحضرية، وإن جاءت النتائج مماثلة في المناطق الريفية، قالت الفتيات جميعا إن الضغط الأكبر في الحصول على الدخل يقع على عاتق الشباب. ويرجع ذلك إلى أن الشباب يتوقع منهم الإسهام مالياً في أسرهم، وأن يدخروا ما يكفي لبدء أسر خاصة بهم. ومع النقص الحاد في الفرص فقد باتوا عاجزين عن تحقيق أي منهما، وأسفر هذا الفشل عن اغترابهم داخل أسرهم نفسها. ويواجه الشباب ضغوطا نفسية هائلة. وليس من قبيل الصدفة أن تكون آليات التغلب على المشاكل بالنسبة للفئات الأفقر هي اللجوء إلى تعاطي المخدرات والإغراق في الكسل. والفتيات جميعهن يحرصن على العمل لكن البطالة لا تحط من قدرهن مثلما تفعل بالنسبة للشباب. ومسألة الكرامة مهمة للغاية في "الربيع العربي" لأنها لا تتعلق فقط بالدخل بل أيضا بما تعنيه الوظيفة بالنسبة لك كإنسان وما تعنيه لك في مجتمعك وأسرتك. والفتيات اللائي التقينا بهن يدركن هذا الفارق رغم أنهن يحتفظن بدخولهن حينما يكون لهن دخل. وهذه بالنسبة لهن هي إستراتيجية مواءمة بين القوة في علاقاتهن وبين الاحتفاظ ببعض المدخرات في حالة الطلاق.
ما مدى إمكانية الحصول على التعليم في المغرب، وهل يزود الشباب بالمهارات الضرورية؟
غلوريا لا كافا: نظام التعليم متاح من وجهة النظر الرسمية. فقد زادت نسبة الحضور في المدارس بدرجة كبيرة بينما تقلصت معدلات الأمية. ومع هذا، تظهر الدراسة أن عوائد الاستثمار في التعليم منخفضة تماما. وهناك مستويان من التعليم في المغرب: التعليم الخاص الذي يتم باللغة الفرنسية وتختص به النخبة، ونظام التعليم العام باللغة العربية وهو المتاح للجميع. يتطلب سوق العمل مهارات باللغة الفرنسية مما يستبعد بوضوح خريجي التعليم العام الذي لا تدرس فيه اللغة الفرنسية. عقبة اللغة هذه هي إحدى الأشكال الأولى للإقصاء. كما يعاني نظام التعليم العام من التكدس، في الوقت الذي لا تلبي المناهج احتياجات سوق العمل. وهذا النظام مكلف لأنه، كجزء من العقد الاجتماعي، يستخدم كخطة للتوظيف في القطاع العام للإبقاء على عدد كبير من المعلمين في وظائفهم. ويشارك البنك منذ فترة طويلة في إصلاح التعليم بالمغرب. وليس هذا بالشيء اليسير إصلاحه. ما نقوله في هذا التقرير هو أنه نظرا لأن إصلاح نظام التعليم العام سيستغرق وقتا طويلا، فمن الأهمية بمكان إيجاد وسائل أخرى لكي يتم في الوقت نفسه تيسير نظام الانتقال من المدرسة إلى العمل. كما ينظر التقرير في السبل الكفيلة بتوفير الفرص خارج نظام المدرسة بحيث يكون لها أثر سريع على اكتساب المهارات والتعيين في الوظائف. فهناك أشياء يمكن أن تتم دون الحاجة إلى الحصول على درجة علمية أخرى، مثل التدريب، والتشجيع والاستثمار في مشاريع العمل الحر الصغيرة والتوظيف الذاتي.
ما هي المصادر الأخرى المتاحة للمساعدة في القضايا الأساسية مثل العثور على وظيفة، والحفاظ على النشاط الجسماني والمشاركة في المجتمع؟
غلوريا لا كافا: راجعنا الخدمات والبرامج التي تساند الشباب، بما في ذلك المحرومين، ووجدنا أن هناك عددا قليلا منها. وتكمن المشكلة في أن برامج التدريب المهني العامة محدودة الأثر لأنها تميل إلى الاستناد إلى جانب العرض، ويصدق هذا على كافة المهارات الفنية. وقلما تتمكن هذه البرامج والخدمات من توفير أي خبرة ملموسة في الشركات. فهي تقدم بعض المهارات الفنية. ومع هذا، فهناك برامج ويمكن تحسينها. هناك سلسلة من قنوات التدريب المهني التي توفرها الهيئات المتخصصة المتعاملة مع الشباب المحرومين. فهم يعانون نقصا شديدا في التمويل ويحتاجون إلى روابط أفضل مع القطاع الخاص وهو ما ليس متوفرا في المغرب. وعليه، ينبغي أن تكون الشراكات بين القطاعين العام والخاص أكثر منهجية. وهناك أيضا الكثير من الازدواجية، وهذه الخدمات مركزية للغاية. فما يزال المغرب شديد المركزية، ولذا تميل البرامج إلى فقدان تأثيرها في مختلف المناطق. وعلى المستوى الأفقي، ليس هناك علاقة مكانية بين مختلف البرامج، مما يضمن إكمال بعضها بعضاً وإمكانية وصولها إلى عدد أكبر من الشباب. والنتيجة هي أن عدد الشباب الذين تصل إليهم هذه البرامج محدود للغاية بالمقارنة بمستوى الحاجة، كما أن أثرها متدني للغاية. وقد أجرينا الكثير من التحليلات الميدانية وتحدثنا إلى المستفيدين. ربما تحتاج عملية تقييم الأثر بعض التحديث، إلا أن التقرير لا يطرح خارطة طريق واضحة لتحسين التدخل وإشراك القطاع الخاص الذي يتمتع بوضع قوي في المغرب.
هل هناك حاجة لسياسات محددة لمعالجة مخاوف وظروف الشباب؟
غلوريا لا كافا: سيتجه المغرب بموجب الدستور الجديد نحو اللامركزية، ولذا ستكون هناك فرص عديدة لاستخدام الأموال محليا وتكوين بعض الشراكات المبتكرة بين القطاعين العام والخاص وبين المنظمات غير الحكومية. من ناحية "ماذا"، فنحن نجلب الكثير من تجارب البلدان المتعاملة معنا والتي استخدمت وسائل مثيرة للاهتمام للتعامل مع قضايا توظيف الشباب. على سبيل المثال، يناقش القرار المشاريع الشبابية الصغيرة والريادية وبرامج التوظيف الذاتي في بيرو، إلى جانب السياسات الموجهة إلى العاملين في القطاع غير الرسمي، لزيادة الدخل وتطوير المهارات الجديدة. كما تدور مناقشات حول ملاءمة الوظائف باستخدام التكنولوجيا المتنقلة لمساعدة الشباب على التواصل على نحو أفضل. ومع هذا، ففي نهاية المطاف تكمن القضية الحقيقية في إشراك القطاع الخاص والارتقاء بالمهارات. سيتطلب ذلك تركيزا محددا على بناء مهارات اللغة الفرنسية باعتبارها المدخل لتحسين سبل الحصول على فرص التوظيف. كما ستتطلب تطوير المهارات الإدارية والمهنية- أي كل المهارات المطلوبة لتشغيل مواقع العمل، أو ما يسمى "المهارات المتنقلة". هذه المهارات هي مطلب حيوي لمجموعة من الوظائف، من ميكانيكي السيارات إلى قطاع الخدمات. هناك عدة سبل لبناء هذه المهارات. واستكمالا للتوجهات الحالية، يقترح التقرير مزيجا من برامج التدريب للمنظمات غير الحكومية، والتعلم من النظراء، وبرامج التدريب بالقطاع الخاص.
ما الذي يخلص إليه هذا التقرير، وما هي الخطوات التالية؟
غلوريا لا كافا: قبل مجيء "الربيع العربي"، كان هناك الكثير من الحديث في المغرب، وفي العديد من البلدان المجاورة، عن الكيفية التي يشكل بها الشباب موردا مهما إذ أنهم يمثلون المستقبل. وقد حان الوقت للدفع في اتجاه تفعيل رؤية طموحة لوضع هذا الجيل في منطقة القلب من عملية التنمية في المغرب. وسيمثل انخراط الشباب كشركاء أساسيين في إيجاد حلول معدة خصيصا، والتأكيد على مشاركتهم في اتخاذ القرارات وتقديم الخدمات عنصرا أساسيا. ويضم فريق البنك مزيجا من الأعضاء الشباب والبالغين الأكبر سنا، لكننا أشركنا الكثير من الشباب في هذا التقرير واستخدمنا قدرا هائلا من البحوث التي تقوم على المشاركة. ينبغي أن يترجم ذلك على مستوى السياسات. وتتمثل إحدى التوصيات الأساسية لهذا التقرير في المساعدة في دعم الحركات الشبابية ومنحها المزيد من القول في القنوات الرسمية لصنع القرار. فلديهم الكثير من الأفكار. وقد طرحنا قائمة من الخيارات وأظهرنا أن هذه القضية يمكن أن تعالج، لكنك تحتاج إلى التركيز وإلى الموارد وإلى إشراك الشباب. وتحتاج إلى دمج كل هؤلاء الشباب الذين يشعرون بالإقصاء. وقد بدأت الهيئات بالفعل في القيام بذلك. وإنه لأمر مثير حقا أن ترى هذا التحول. وأعتقد أن المغرب لديه القدرة على أن يكون خلاقا للغاية.