عصف الإعصار ساندي مؤخرا بالساحل الشرقي للولايات المتحدة، مما أسفر عن مصرع حوالي 100 شخص وإحداث أضرار واسعة النطاق. وكان هذا تذكرة صارخة بمخاطر الكوارث التي تشكل جزءاً من الحياة اليومية في جميع أنحاء العالم. وربما كانت التجربة الأكثر مأساوية هي تجربة إندونيسيا. ففي عام 2004، فقدت إندونيسيا ما يزيد على 200 ألف نسمة عندما اجتاحت أمواج تسونامي منطقة آتشيه – حيث يتذكر معظم الناس لحظة سماعهم ومشاهدتهم لأخبار تسونامي شرق آسيا. وبعد بضعة أشهر، دمر زلزال منطقة نياس. ولم يكد تمضى سنة ونيف حتى لقى أكثر من 6 آلاف شخص مصرعهم في جافا بسبب الزلازل وأمواج المد تسونامي. وفي عام 2010، ثار بركان جبل ميرابي، ودمر المنازل والموائل التي لم تكد تتعافى من الكارثة الأخيرة. وبسبب موقع إندونيسيا الجغرافي وتواجدها في جزء نشط جيولوجيا من العالم، فسوف تكون دائماً عرضه للكوارث الطبيعية، وسيكون شعبها دائماً في خطر.
صندوق آتشيه ونياس وصندوق إعادة إعمار جافا يحددان معايير الاستجابة للكوارث في إندونيسيا
ولكن هناك جانبا إيجابيا: فهذه الكوارث الطبيعية القاتلة أعادت تشكيل نهج إندونيسيا للاستجابة للكوارث والتأهب لها، وجعلت المجتمعات المحلية أكثر قدرة على التصدي لها والتعافي من آثارها. فبعد أشهر من كارثة تسونامي، أنشأت حكومة إندونيسيا صندوق آتشيه ونياس، وهو صندوق استئماني يساهم فيه العديد من المانحين، بغرض تنسيق الدعم المقدم من المانحين لإعادة الإعمار وإعادة التأهيل في آتشيه ونياس. وضخ المانحون 655 مليون دولار من أموال المنح، وقام البنك الدولي بدور القيّم الذي يتولى إدارة هذه الأموال.
وحدد صندوق آتشيه ونياس معايير الاستجابة للكوارث في إندونيسيا. وطبقت حافظة مشاريعه نهجاً مرحلياً بغرض تلبية الاحتياجات المتغيرة للناجين من الكوارث في مختلف مراحل عملية التعافي: فبدأ أولاً بإعادة بناء المنازل والمجتمعات المحلية، ثم التركيز على البنية التحتية، وأخيراً وضع الأسس للنمو الاقتصادي. وقد قادت الحكومة هذا البرنامج، وقدمت المجتمعات المحلية مساهمة رئيسية في هذه العملية. وشكلت الاستدامة البيئية والمساواة بين الجنسين وبناء القدرات والحد من مخاطر الكوارث عناصر مشتركة مهمة من برنامج الصندوق طيلة دورة عمله.
ووضع الصندوق أيضا نماذج قابلة للتكرار بشان الاستجابة للكوارث والتي تم اختبارها على وجه السرعة في جافا عام 2006. وقد أنشئ صندوق إعادة إعمار جافا على غرار صندوق آتشيه ونياس. وكما هو الحال في آتشيه، كان صندوق إعادة إعمار جافا عبارة عن شراكة تقودها الحكومة بالتعاون مع العديد من المانحين. كما طبق أيضاً نهجاً مرحلياً بمساهمة قوية من المجتمعات المحلية. وكان أيضا مثالاً ناجحاً. وتمت اعادة بناء المنازل والمجتمعات المحلية. وتمت استعادة سبل كسب العيش من خلال توفير التدريب على المهارات وتوفير فرص الحصول على التمويل. وأعاد صندوق إعادة إعمار جافا الأصول المفقودة إلى شركات قادرة على البقاء ويمكنها إعادة تأسيس نفسها.
وعندما ثار بركان جبل ميرابي في عام 2010، كان صندوق إعادة إعمار جافا قد رسخ وضعه لتولي مهمة التعافي والانتعاش. وتم توسيع البرنامج ليشمل ضحايا البركان. وكان تطبيق إطار صندوق إعادة إعمار جافا بمثابة تأكيد أن الانتعاش سار على نحو يتسم بالسرعة والكفاءة.
الحكومة تعتمد عناصر صندوق آتشيه ونياس وصندوق إعادة إعمار جافا
لم تشهد إندونيسيا كارثة كبرى منذ ذلك الحين. ولكن الأمر لا يعدو أن يكون مسألة وقت حتى تجد البلاد نفسها في حاجة إلى الرجوع إلى خبرة صندوق آتشيه ونياس وصندوق إعادة إعمار جافا للتصدي لكارثة أخرى. وسوف تكون الحكومة الإندونيسية حينئذ مستعدة وجاهزة؛ فقد اعتمدت بالفعل العناصر الرئيسية لنموذج صندوق آتشيه ونياس وصندوق إعادة إعمار جافا وإطارهما الاستراتيجي في سياساتها، على سبيل المثال باستخدام نهج تقوده المجتمعات المحلية لجهود التخفيف من مخاطر الكوارث.
وللتصدي للكوارث في المستقبل بنفس السرعة والكفاءة، أنشأت الحكومة برنامج صندوق إندونيسيا متعدد المانحين للتعافي من آثار الكوارث. وهو يعتمد على تجربته مع صندوق آتشيه ونياس وصندوق إعادة إعمار جافا، ويعمل من خلال نافذتين يديرهما البنك الدولي والأمم المتحدة. وقد أظهر شركاؤه اهتمامهم ورغبتهم في المساعدة؛ وبالفعل، تبرعت نيوزيلندا بأموال لمساعدته على بدء عمله.
وتبشر تجربة إندونيسيا بكل الخير لأي بلد معرض للكوارث الطبيعية. وسوف تعقد إندونيسيا في 12 نوفمبر/تشرين الثاني مؤتمراً دولياً كبيراً لتبادل المعرفة والخبرات المستفادة من صندوق آتشيه ونياس وصندوق إعادة إعمار جافا. وسوف تضمن الدروس، المستفادة من خلال التعافي المكلف والمؤلم من الكوارث المروعة، أن خبرات وتجارب القدرة على التصدي والاستعداد سوف تستمر وتثبت جدواها في المستقبل.