يقول تقرير الرصد العالمي 2013 الصادر بعنوان: "ديناميكيات العلاقة بين الريف والحضر والأهداف الإنمائية للألفية"، إن الانتقال إلى المدن يسير جنبا إلى جنب مع التقدم البشري، لكن ينبغي الاستفادة من التوسع الحضري بطرق تدعم ذوي الدخل المنخفض، وإلا فسوف تنتشر الأحياء العشوائية الفقيرة ولن يتسنى تحقيق الأهداف الإنمائية الرئيسية.
وتسلط البيانات الجديدة الضوء على وجود تباينات صارخة ما بين الريف والحضر.
ويقول التقرير المشترك للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي الصادر اليوم إن معدلات الفقر المطلق، على سبيل المثال، قد انخفضت بالمراكز الحضرية إلى 11.6 في المائة مقابل 29.4 في المائة بالمناطق الريفية حيث كان يعيش 76 في المائة من فقراء البلدان النامية في عام 2010. ويبلغ المعيار المحدد لخط الفقر المدقع 1.25 دولار أمريكي للفرد في اليوم، وهو معيار كان بمثابة حجر الأساس عند وضع أول الأهداف الإنمائية للألفية، وهو خفض معدل الفقر المدقع إلى نصف ما كان عليه في عام 1990، وهو الهدف الذي تحقق في عام 2010.
وتتسع كذلك التباينات وتشتد بين المناطق الحضرية والريفية بالنسبة للأهداف الإنمائية الأخرى للألفية. ففي جنوب آسيا، على سبيل المثال، لا تصل مرافق الصرف الصحي إلا إلى 28 في المائة فقط من سكان المناطق الريفية، مقارنةً بنحو 60 في المائة بالمناطق أو المستوطنات الحضرية. وفي مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجنوب آسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء، ترتفع معدلات وفيات الرضع في المناطق الريفية بما يتراوح بين 10 و 16 نقطة مئوية عنها في المناطق الحضرية. ويبلغ التباين أشده في شرق آسيا، حيث يصل الفارق إلى 21 نقطة مئوية.
وعن ذلك، قال خوس فيربيك كبير الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي وكبير مؤلفي تقرير الرصد العالمي إن "التوسع الحضري يساعد الناس في الإفلات من براثن الفقر ودفع عجلة التقدم نحو بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية، ولكن ما لم تتم إدارة الأمر بشكل جيد فإنه قد يؤدي أيضاً إلى تضخم نمو العشوائيات الفقيرة، والتلوث، والجريمة،" ومن هذا المنطلق، يدعو التقرير إلى وضع استراتيجية متكاملة لإدارة منظومة تخطيط وربط وتمويل التوسع الحضري بشكل أفضل.
ففي ظل استئثار المدن بإنتاج أكثر من 80 في المائة من السلع والخدمات في العالم، تلعب البلدان التي ترتفع بها مستويات التوسع الحضري، كالصين على سبيل المثال، والعديد غيرها من بلدان شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، دوراً رئيسياً في تقليص الفقر المدقع على مستوى العالم ككل. وعلى النقيض من ذلك، فإن المنطقتين الأقل تحضراً، وهما جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء، ترتفع بهما كثيرا معدلات الفقر المدقع، وما زالتا متخلفتين عن الركب فيما يتعلق بتحقيق معظم الأهداف الإنمائية للألفية.
ووجد التقرير أن ثمة ارتباطا بين الناس، والفقر، وتقديم الخدمات، على طول النطاق من الريف إلى الحضر، في ضوء وجود أنواع عديدة من المستوطنات المختلفة من البلدات الصغيرة إلى الكبيرة. فكلما صغرت مساحة البلدة، ازداد معدل الوقوع في براثن الفقر ونقصت القدرة على الحصول على الخدمات ذات الصلة بتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.
ورغم ما تحقق من المكاسب الكبيرة في الحد من الفقر المدقع، فسوف يظل العالم به 970 مليون شخص ممن يعيشون في فقر مدقع بحلول عام 2015، وهو الأمر الذي يؤكد على ضرورة مكافحة الفقر وتحسين الأوضاع المعيشية للفقراء أينما كانوا.
وعلى الرغم من أنه لم يتبق سوى أقل من ألف يوم على المهلة المحددة لبلوغ الأهداف الإنمائية للألفية، فإن التقدم المحرز لا يزال ضعيفا وبطيئا نحو تخفيض معدلات الوفيات النفاسية والأطفال، وتحقيق هدف توفير التعليم الابتدائي للجميع، وتوفير القدرة على الوصول إلى مرافق الصرف الصحي الأساسية، وهي أهداف من المرجح ألا تتحقق عند بلوغ نهاية المهلة الممنوحة لتحقيق تلك الأهداف في عام 2015، ما لم يحدث تعجيل سريع بالجهود التي تُبذل في هذا الصدد.
أبرز الملامح الإقليمية:
تبرز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متفوقة على المناطق الأخرى على صعيد ما حققته من تقدم نحو بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية. فقد أفلحت المنطقة في تقليص نسبة الفقر المدقع من 6 في المائة عام 1992 إلى 2.4 في المائة (نحو 8 ملايين شخص) عام 2010. ومع ذلك، وعلى الرغم من نجاح المنطقة في بلوغ 5 من الأهداف الإنمائية التسعة، فإنها لم تزل تتخلف كثيراً عن الركب فيما يتعلق بالأهداف الخاصة بسوء التغذية، وإتمام التعليم الابتدائي، والمساواة بين الجنسين في التعليم الابتدائي، والقدرة على الحصول على مياه شرب مأمونة. وعلى المستوى القطري، يتفاوت التقدم المحرز من بلد إلى آخر، حيث أفلح 19 بلداً، من بينها دول هشة ومتأثرة بالصراعات، في بلوغ هدف الحد من الفقر، أو على الأقل أحرزت تقدما ملموساً على هذا الطريق. غير أن هناك بلدين فقط هما اللذين أحرزا تقدما ملموساً فيما يتعلق بتخفيض معدل وفيات الرضع، ولم تحقق سوى 4 بلدان الهدف الخاص بمياه الشرب المأمونة.
أفلحت منطقة آسيا والمحيط الهادئ في بلوغ كافة الأهداف الإنمائية للألفية، من قبل انتهاء الموعد بكثير. كما أن سجل المنطقة فيما يتعلق بهدف الحد من الفقر يُعد هو الآخر فريداً من نوعه. ففي عام 1990، كانت المنطقة تضم قرابة مليار شخص (أي 50 في المائة من المجموع العالمي) ممن يعيشون على أقل من 1.25 دولار أمريكي للفرد في اليوم، كما كانت بها أعلى نسبة للفقر (56 في المائة). ولكن بحلول عام 2010، وبفضل ما أحرزته الصين من نجاح، تراجعت نسبة الفقر بالمنطقة إلى 12 في المائة، ومن المتوقع لها أن تتقلص إلى 6 في المائة فقط بحلول عام 2015. كما تم إحراز تقدم هائل في تضييق هوة التباينات بين الريف والحضر، حيث انخفض معدل الفقر بالمناطق الحضرية من 24 في المائة عام 1990 إلى 4 في المائة في عام 2008، وتراجع معدل الفقر بالمناطق الريفية من 67 في المائة عام 1990 إلى 20 في المائة عام 2008. غير أن المنطقة لم تزل متأخرة عن بقية مناطق العالم فيما يتعلق بمعدل وفيات الرضع، حيث تصل نسبة التباين ما بين المناطق الريفية والحضرية إلى 21 نقطة مئوية.
وفي منطقة أوروبا وآسيا الوسطى، ترتفع بشدة نسبة التوسع الحضري، وأفلحت المنطقة في تخفيض معدل الفقر المدقع الذي لم يكن يزيد بالفعل عن 2 في المائة من السكان في عام 1990 إلى 0.7 في المائة (أي نحو 3 ملايين شخص) في عام 2010، وهو أدنى معدل على الإطلاق بين مناطق العالم النامية. وكذلك أفلحت المنطقة في بلوغ، أو إحراز تقدم كبير نحو بلوغ 5 من الأهداف التسعة للألفية المستهدف تحقيقها بحلول عام 2015. غير أن المنطقة لم تزل متأخرة بهامش كبير فيما يتعلق بالأهداف الإنمائية ذات الصلة بسوء التغذية، وإتمام التعليم الابتدائي والثانوي، والمساواة بين الجنسين في التعليم الابتدائي وفي القدرة على الوصول إلى مرافق الصرف الصحي الأساسية.
تعد منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي هي الأخرى من المناطق عالية التوسع الحضري، ونجحت في تخفيض نسبة من يعيشون في فقر مدقع من 12 في المائة عام 1990 إلى 6 في المائة (نحو 32 مليون شخص) في عام 2010. ويُعد أداء المنطقة فيما يتعلق ببلوغ الأهداف الإنمائية التسعة المنشودة للألفية مثيراً للإعجاب. غير أنه على المستوى القطري، يتوقع للعديد من بلدان المنطقة أن تخفق في بلوغ العديد من تلك الأهداف بحلول الموعد المستهدف في عام 2015. ويبلغ ما تحقق من تقدم أدنى مستوى في مجال الصحة والصرف الصحي، كما لم يفلح أي من بلدان المنطقة في تحقيق الهدف المتعلق بتخفيض معدلات الوفيات النفاسية، ولم تحقق سوى بيرو وحدها الهدف الخاص بخفض معدل وفيات الرضع. وكذلك تُعد المنطقة متخلفة عن الركب فيما يتعلق بالأهداف الخاصة بتوفير مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي.
تسير منطقة جنوب آسيا على الطريق نحو بلوغ ثلاثة من بين الأهداف الإنمائية للألفية بحلول عام 2015 - وهي الحد من الفقر إلى النصف، وتخفيض معدل الوفيات النفاسية، وتوفير القدرة على الحصول على مياه الشرب المأمونة. إلا أن المنطقة لم تزل متخلفة عن الركب، وبفارق كبير، فيما يتعلق ببقية الأهداف. وبوجه خاص، فإن المنطقة لم تحرز سوى نحو 50 في المائة من التقدم المنشود نحو بلوغ الهدف الخاص بالصرف الصحي. وعلى الرغم من سير المنطقة على الطريق المرسوم نحو بلوغ الهدف المتعلق بالفقر، فإن ما تحرزه من تقدم لم يزل ضعيفاً. ونتيجة لذلك، فسوف تكون جنوب آسيا موطناً لنحو 400 مليوناً من فقراء العالم النامي، البالغ مجموعهم 970 مليون شخص، في عام 2015. كما أن المنطقة تُعد أيضاً من أقل مناطق العالم على صعيد التوسع الحضري.
أما منطقة أفريقيا جنوب الصحراء فلن تفلح، وبفارق كبير، في بلوغ أي من الأهداف الإنمائية التسعة للألفية، حيث تتخلف عن ركب التقدم نحو بلوغ معظم الأهداف المتعلقة بالحد من الفقر، وخفض معدلات الوفيات النفاسية والرضع، وتوفير مرافق الصرف الصحي. ومثلها في ذلك مثل جنوب آسيا، فإن منطقة أفريقيا جنوب الصحراء تُعد من أقل مناطق العالم تحضراً، ويتركز بها الفقر في المناطق الريفية حيث يعيش 75 في المائة من الفقراء.