أوراسيا واحدة من أكثر المناطق الغنية بالموارد الطبيعية في العالم، مع ما تتمتع به من 31 في المائة من احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي، و 17 في المائة من احتياطيات النفط، و 23 في المائة من خام الحديد، و 14 في المائة من الذهب، و 7 في المائة من النحاس. وفي ضوء هذه الثروة الهائلة، استطاعت المنطقة أن تحقق استفادة كبيرة من تصدير الموارد الطبيعية، ولاسيما خلال فترات ارتفاع أسعار السلع الأولية.
وتمتلك روسيا (e) أكبر حصة من احتياطيات النفط والغاز والموارد المعدنية، والأراضي الزراعية في المنطقة، وتعد أكبر مصدر للمواد الهيدروكربونية من النفط والغاز. كما تعد أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان وأوكرانيا وأوزبكستان كذلك من البلدان الغنية بالموارد الطبيعية والمصدرة للمواد الهيدروكربونية، في حين أن أرمينيا وبيلاروس وجورجيا وجمهورية قيرغيز ومولدوفا وطاجيكستان (e) أقل وفرة من حيث الموارد الطبيعية.
لقد حققت بلدان أوراسيا تقدماً ملحوظاً منذ انهيار الاتحاد السوفيتي قبل ربع قرن. وكان التحول من النظام الشيوعي إلى اقتصاد السوق خلال فترة التسعينيات فترة صعبة للغاية، مع نضوب الكثير من رأس المال المؤسسي عملياً للجمهوريات السابقة في الاتحاد السوفيتي. بالإضافة إلى ذلك، لم تكن أعظم أصولها - وهي الموارد الطبيعية – بعد قد حققت عائدات تصدير كبيرة نظرا لأن وفرة الإمدادات منها في الأسواق العالمية دفعت الأسعار للهبوط في البداية. ولكن سرعان ما بدأ ذلك في التغير.
ففي بداية الألفية الجديدة، زادت أسعار السلع الأولية في الأسواق العالمية زيادة كبيرة، وأهم هذه السلع هي الوقود والمواد الغذائية والمعادن والمواد الخام الزراعية. وفي عام 1989، كانت أسعار النفط أقل من 30 دولاراً للبرميل، وهبطت أكثر في عام 1999 إلى 15 دولاراً للبرميل، ولكن بحلول منتصف عام 2008، بلغت الأسعار 130 دولاراً للبرميل، وانخفضت بشكل مؤقت خلال الأزمة المالية، ومن ثم ارتفعت مرة أخرى إلى ما يزيد عن 100 دولار للبرميل.
وعلى مدى العقد الأول من القرن الحالي، حقق الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأولية، وخاصة النفط، دخلاً كبيراً لأوراسيا، وبالتالي حقق الكثير من التحسن في مستويات المعيشة لمعظم المواطنين الأوروبيين الآسيويين، وخاصة سكان البلدان الست الغنية بالموارد الطبيعية البالغ عددهم 250 مليون نسمة. وزاد نصيب الفرد من الدخل، وعادت الخدمات الاجتماعية إلى سابق عهدها وتم دفع المعاشات، وارتفعت مستويات التحصيل التعليمي، وارتفع متوسط العمر المتوقع للسكان، وانخفضت معدلات الفقر بشكل ملحوظ.
لقد كانت الموارد الطبيعية مفيدة جداً لأوراسيا بشكل لا يمكن إنكاره، ولكن يجب على المنطقة الآن أن تضمن ألا تتحول "نعمتها" إلى "نقمة"، كما حدث في بعض الأحيان في أفريقيا وأمريكا اللاتينية. ورغم التقدم الاقتصادي في الآونة الأخيرة، لازالت أوراسيا تواجه تحديات تنموية، وهناك قلق متزايد بشأن مستقبلها على المدى الطويل. فالعديد من القادة في المنطقة قلقون من أن يكون الإفراط في الاعتماد على الموارد الطبيعية قد جعلها معرضة لتقلبات السوق في المستقبل وخطر عدم الاستقرار. وينطبق ذلك بشكل خاص على أذربيجان وكازاخستان وروسيا وتركمانستان وأوكرانيا وأوزبكستان، وهم أكبر مصدري النفط والغاز في المنطقة.
ونتيجة لذلك، تتزايد دعوة واضعي السياسات للاهتمام بتنويع النشاط الاقتصادي على اعتبار أنه الحل لتقليل اعتماد أوراسيا على الموارد الطبيعية - وحماية آفاق التنمية على المدى الطويل في المنطقة. ومع ذلك، فقد ركز الخطاب السياسي كثيراً على تنويع الصادرات والإنتاج، بدلاً من التركيز على تنويع المواهب والملكات الطبيعية من خلال الاستثمار في التعليم والبنية التحتية والمؤسسات.
ولتجنب أن تصبح مواردها الطبيعية نقمة عليها، فإن الاقتصادات الأوروبية الآسيوية في أوراسيا بحاجة إلى أن تصبح أكثر إنتاجية وأكثر انفتاحا أمام المشاركة وأكثر استقراراً. ومن غير المرجح أن يتحقق ذلك من خلال التنويع القسري للإنتاج والتجارة. فمستويات التعليم الأعلى، وتحسين البنية التحتية، والمؤسسات الفعالة التي تضمن وصول جميع المواطنين إلى الأسواق التنافسية، تمثل متطلبات أساسية لتحقيق اقتصادات أكثر إنتاجية.
ومن ثم، ينبغي للحكومات في المنطقة أن تكون أقل قلقاً فيما يتعلق بمكونات صادراتها وأكثر قلقاً بشأن محافظ أصولها الوطنية. فمحافظ الأصول المتوازنة تمثل قاسماً مشتركاً فيما بين البلدان الغنية بالموارد التي نجحت في تحقيق التنمية.
وفي هذا الصدد، يمكن للبلدان الأوروبية الآسيوية في منطقة أوراسيا أن تتعلم قدراً كبيراً من بلدان مثل استراليا وكندا وشيلي والنرويج التي لديها خبرة واسعة في مجال إدارة مواردها الطبيعية الوفيرة. فهذه البلدان تدين بالكثير في نجاح التنمية الاقتصادية لديها للاستثمار في مجموعة متنوعة من الأصول، بما في ذلك الأصول "غير المادية" مثل المؤسسات، والتعليم، ومؤسسات الأعمال.
ولا تزال معظم الاقتصادات الغنية بالموارد الطبيعية، سواء المتقدمة أو الصاعدة، تعتمد على ثرواتها من الموارد الطبيعية باعتبارها قطاعاً اقتصادياً مهماً في حد ذاته، ويرجع ذلك في المقام الأول للإيرادات التي تحققها من الصادرات والعائدات الحكومية. وينبغي أن تتضمن أية استراتيجية طويلة الأجل للتنويع الاستفادة من هذا الدخل للاستثمار في تحسين التعليم والبنية التحتية، وكذلك في تحسين تنظيم عمل مؤسسات الأعمال الخاصة. وإذا تم تطبيق هذا الاسلوب والنهج بشكل جيد، فإنه يمكنه تحسين الأداء الاقتصادي - بما يحقق استقرار الاقتصاد، وزيادة فرص العمل، وزيادة الإنتاجية.
كما أن الاندماج في الأسواق العالمية يمثل أيضاً عاملاً أساسياً للنجاح بالنسبة للبلدان المتقدمة. لقد اندمجت كل من منطقة شرق آسيا ومنطقة أوروبا الوسطى على حد سواء بشكل جيد في الأسواق العالمية من خلال الاستفادة من المزايا النسبية لكل منها: وهي تصدير الإنتاج كثيف الاستخدام للأيدي العاملة بالنسبة للمنطقة الأولى، وتصدير الإنتاج القائم على كثافة رأس المال بالنسبة للمنطقة الثانية. لقد اندمجت أوراسيا إلى حد ما في الأسواق العالمية من خلال تصدير مواردها الطبيعية، ولكن المنطقة يمكنها أن تحقق أكثر من ذلك بكثير من خلال زيادة التجارة مع شرق آسيا وتعزيز تدفقات تجارتها مع أوروبا الغربية.
والبلدان الأوروبية الآسيوية في أوراسيا أمامها فرصة لضمان أن يكون التنويع نتيجة - وليس سبباً - للتنمية في المنطقة. فمن خلال تنويع محافظ أصولها، عاجلاً وليس آجلاً، فإنها يمكن أن تحقق توازناً أكبر بين الموارد الطبيعية ورأس المال المتراكم والمؤسسات الاقتصادية، وتساعد على ضمان أن تظل الموارد الطبيعية - وهي ميزتها التنافسية - أصلاً ورصيداً مهما للأجيال القادمة.