يعيش ريشارد في تارنوبرزج، وهي بلدة صغيرة في شرق بولندا كانت مشهورة بمناجم الكبريت وبصناعاتها الهندسية والكيماوية والغذائية والنسيج. وفي 2009 تم إغلاق المنجم وإغراقه بالمياه لإنشاء بحيرة صناعية بأمل جذب السياح. لكن السياح لا يأتون إلا في الشهرين الدافئين في بولندا. وسريعا أصبحت تارنوبرزج في متاعب.
ولدى ريشارد وظيفة، لكن ما يكسبه شهريا، وهو 1500 زلوتي بولندي (500 دولار)، ينفقه تقريبا كله على التدفئة والطعام والاحتياجات الأساسية، فضلا عن بدل الرعاية لطفلته الصغيرة.
عن ذلك الوضع، يقول ريشارد "أحاول ادخار كل مليم والقيام بأعمال إضافية كي أستطيع أن أفي باحتياجاتنا... وإذا حصلت على أي قدر من المال بمعجزة فإني أدخره لابنتي. وهي بالتأكيد ستحتاجه حين تذهب للمدرسة".
وتواجه أوروبا وآسيا الوسطى كمنطقة مشكلة فريدة بسبب طول فصول الشتاء وقسوتها. ويعني ذلك أنه على الأسرة أن تدفع الكثير للبقاء في دفء وتناول ما يكفي من طعام للبقاء على قيد الحياة في ظل هذه الأوضاع القاسية مقارنة بالمناطق الأخرى من العالم الأكثر دفئا. وتضاف هذه التكاليف إلى الأساس اليومي، وبالتالي فإن 2.5 دولار يوميا للفرد لا تكفي غالبا. وبالتالي، فإن كثيرا من هذه الأسر تعيش في حالة فقر.
وأجرى البنك الدولي مقابلات مع عديد من الأسر في المنطقة لتوثيق ما يواجهه الفقراء من مشاكل. وفي حين أن جميعهم ذكر أن ارتفاع فاتورة التدفئة هو أكبر مشكلة، فقد ذكروا أيضا أن حياتهم كانت ستصبح أسهل إذا عثروا على وظيفة لها دخل مستقر حتى ولو ضعيف.
ويواجه الشباب البولنديون أيضا ارتفاع البطالة وحين يجدون وظيفة فإنها تكون بموجب عقد مؤقت براتب ضعيف للغاية أو يعملون جزءا من الوقت. فحوالي 27 في المائة ممن يعملون لهم عقود مؤقتة بسبب تدني الرواتب وعدم الاستقرار الوظيفي، مما يجعلهم يواجهون خطرا أعلى للوقوع في براثن الفقر. وهذه النسب أعلى كثيرا بين النساء والشباب.
ويجاهد ريشارد مثله مثل كثير من الشباب البولنديين للبقاء على وظيفة لا ترقى إلى وظيفة جيدة ولا تدفع راتبا جيدا. ومع ذلك فهو يعتبر نفسه محظوظا لكونه يعمل. فالكثير ممن لا يعملون ينتقلون إلى بلدان أخرى بحثا عن العمل وعن حياة أفضل.
ويقيم حوالي مليوني بولندي خارج البلاد لأكثر من ثلاثة أشهر كل عام ويعيش ثلثا هذا العدد خارج البلاد أكثر من عام وفقا لمكتب الاحصاءات البولندي. ومعظم المهاجرين أصغر من 35 عاما وكثير منهم جاءوا من المناطق الشرقية الفقيرة في البلاد.
وغرم أن الاقتصاد البولندي نما بنسبة 81 في المائة بالأسعار الحقيقية بين عامي 1990 و2010 فإن الفجوات بين أشد المناطق فقرا وأشدهم ثراء مازالت في اتساع. ومازال الفقر مسألة حقيقية وخاصة للأسر التي لديها عدد كبير من الأطفال وللشباب وكبار السن والأسر الريفية ذات الدخل المنخفض.
وأسفرت الأزمة المالية لسنة 2008 عن ركود اقتصادي في بولندا كما حدث في كثير من البلدان الأوروبية. وتضاعف معدل البطالة في السنوات الخمس الماضية إلى 14 في المائة. وحوالي 26 في المائة من الأسر البولندية تقول إن دخلها المنتظم غير كاف للوفاء باحتياجاتها، في حين أن نحو 63 في المائة من الأسر ليس لديها أي مدخرات وفقا لبحث أجرته جمعية الإحصاءات البولندية.
ويقول ريشارد "الأنباء السارة هي أن تارنوبرزج ليست مكانا كبيرا ويمكن أن تسير حول البلدة في نصف ساعة". ويضيف " والآن فإني أسير في كل مكان، لكن حلمي هو شراء سيارة. وأحاول ادخار القليل كل شهر كي يكون لدي ما نعيش عليه، نعيش بكرامة. الحقيقة هي أن حياتي، بصرف النظر عما أقاسيه، تدور حول البقاء".