منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي أكثر مناطق العالم شحة بالمياه، ويرجح أن الطلب على الماء سيتفاقم فيها في المستقبل. في عام 1950، كان نصيب الفرد من الموارد المائية المتجددة أربعة أضعاف ما يتحصل عليه الفرد اليوم. وتشير التوقعات إلى أن الموارد المائية الطبيعية في المنطقة ستواصل الانخفاض بحلول عام 2050 حتى تصبح أقل 11 ضعفاً من المتوسط العالمي.
أزمة الجفاف تتكرر دورياً في المنطقة وتخلّف شحة حادة في المياه وخسائر اقتصادية وتأثيرات اجتماعية سلبية. فبين عامي 2008 و2011 تسبب الجفاف في جيبوتي بانكماش اقتصادي سنوي بلغ حوالي 3.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ويشكل الجفاف ثالث أكبر المخاطر الطبيعية المحدقة بالمنطقة بعد الزلازل، ورغم شحة المياه فإن الفياضانات تشكل بدورها خطراً على المنطقة.
فلقد تسببت سيول عام 2008 في اليمن بأضرار بلغت قيمتها 1.6 مليار دولار، أي ما يعادل ستة في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد. وبلغت خسائر فيضانات جدة، في المملكة العربية السعودية، عام 2009 نحو 1.4 مليار دولار. أما فيضانات جيبوتي عام 2004 فأسفرت عن وفاة 230 شخصا وخسائر قيمتها 11.1 مليار دولار وأثرت على 100 ألف شخص.
وبعد تسع سنين، أي في عام 2013، خلّفت فيضانات جديدة في جيبوتي، كانت أقل حدة هذه المرة، 13 قتيلاً وعطلت موارد الرزق، لكن لفترة أقصر من سابقتها.
ما الذي اختلف؟
كان الاختلاف في وطأة الفيضانات في جيبوتي الاهتمام الذي أولته الحكومة لتعلم كيفية إدارة مخاطر شحة المياه والفيضانات، والاستثمار في بنية تحتية وقائية. فالأمطار الغزيرة الاستثنائية لا تعني بالضرورة وقوع فيضانات مدمرة. ولا الجفاف يؤدي بالقطع إلى انقطاع التغذية.
وقد زادت نسبة إجمالي الناتج المحلي المعرضة لمخاطر الفيضانات في المنطقة ثلاثة أضعاف من بين أعوام 1970-1979 إلى 2000-2009. وخلص تقرير التقييم العالمي بشأن الحد من مخاطر الكوارث 2011 إلى أنه رغم تراجع عدد الوفيات الناجمة عن الفيضانات في العالم منذ عام 2000، فإن العدد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبعض المناطق الأخرى مازال في ارتفاع.
التأقلم مع الجفاف والفيضانات
رغم أن بلدان المنطقة تواجه تحديات خطيرة من حيث توفر المياه، فقد حدث تحسن في إدارة مخاطرها ومخاطر أخرى.
وتعد قدرة جيبوتي على الصمود في مواجهة الفيضانات من قصص النجاح. فمنذ عام 2006، أعادت جيبوتي تأهيل السد الذي يحمي المواطنين في بعض القرى الأكثر عرضة للفيضانات وتم وضع خطط الاستعداد والطوارئ وأنشأت محطات جديدة لرصد وضع المياه في مختلف المناطق بالبلاد. وأجرت أيضاً عمليات تقييم لمخاطر الزلازل والفيضانات وأوجه الضعف في مواجهة مخلفاتها، وأنشأت نظام الإنذار المبكر للحد من أثر الفيضانات.
ويصعب التأقلم مع كوارث طبيعية تحدث ببطء مثل الجفاف. وقد أجرت جيبوتي أول عملية تقييم من نوعها في العالم لاحتياجات ما بعد كارثة الجفاف التي وقعت بين عامي 2008 و2011. وهناك أيضاً مبادرات في أنحاء المنطقة لتطوير الزراعة المقاومة للجفاف.
أسلوب جديد لمواجهة الكوارث الطبيعية
قررت بلدان في المنطقة تغيير أسلوبها في مواجهة الكوارث الطبيعية، وفهم مزايا الاستعداد للمخاطر المناخية والجيولوجية، عوضاً عن انتظار وقوع مثل هذه الكوارث والعمل لإصلاح الأوضاع بعدها.
وبذلت جهوداً أيضاً لتصميم وتطبيق سياسات وخطط وتشريعات جديدة في إدارة مخاطر الكوارث. وتعد الجزائر وجيبوتي ومصر ولبنان والمغرب واليمن من البلدان القلائل التي صممت سياسات وأنشأت وحدات لإدارة مخاطر الكوارث داخل الحكومة لتدعيم عملية التنسيق. وتم إجراء عمليات تقييم لمخاطر الكوارث، وإنشاء أنظمة للإنذار المبكر، وبناء غرف عمليات لإدارة المخاطر، وإقامة مراكز معرفية.
ورغم هذا التقدم المشجع، مازال هناك الكثير لفعله على المستوى الإقليمي والوطني والمحلي. ويموّل البنك الدولي منذ ثلاثة عقود مبادرات عدة لإعادة الإعمار بعد الكوارث الطبيعية وللحد من المخاطر في المنطقة. ويشارك الحكومات وغيره من المؤسسات الدولية لإرساء الأساس لإدارة مخاطر الكوارث في المنطقة. ويحلل تقرير الكوارث الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: عرض إقليمي عام ما تواجهه المنطقة من مخاطر وما اعتمدته البلدان من إجراءات وأدوات لتعزيز درجة استعدادها.
ويبحث هذا التقرير، الذي أعده البنك الدولي بالتعاون مع حكومات المنطقة والأمم المتحدة ومؤسسات إقليمية، تجربة إدارة مخاطر الكوارث حول العالم مع التركيز أيضاً على ما تواجهه المنطقة من مخاطر محددة. ويقترح التقرير مساراً لتحسين قدرة بلدان المنطقة على الصمود في مواجهة تحديات المياه سواء من ناحية شحتها أو وفرتها المفرطة المفاجئة وكذلك مجموعة من المخاطر الطبيعية الأخرى.