تحتاج مصر إلى وظائف أفضل كما تحتاج إلى عدد أكبر من الوظائف. إلا أن الشركات الصغيرة التي تشتد حاجة مصر إليها لتوظيف الشباب في سن العمل لا تنمو بالسرعة الكافية لتوفير فرص عمل لكل من يحتاج إليها. ورغم أن إجمالي أعداد العمالة ظل ثابتاً في السنوات الأخيرة، كان التوجه نحو نمو الوظائف في القطاع غير الرسمي الذي غالباً ما يتسم بانعدام الأمن الوظيفي.
ويرى تقرير البنك الدولي عن سوق العمل في مصر 2014 الصادر تحت عنوان " الأولوية في مصر: توفير وظائف أكثر وأفضل" – باللغة الإنجليزية- أن هذا ناتج عن ركود القطاع الخاص الرسمي على مدى السنوات الخمسة عشر الماضية، إلى جانب تراجع التوظيف في القطاع العام، وهو ما يعني أنه قد تم سد الفجوة في التوظيف بتوفير وظائف في القطاع غير الرسمي الذي لا يقدم عقودا مكتوبة أو تأمينات اجتماعية.
وقد وقع عبء نقص الوظائف في المقام الأول على الشباب في مصر. فأكثر من 75 في المائة من العاطلين هم من الشباب في الفئة العمرية 15-29 عاماً. ويوجد الآن عدد من المتعلمين الشباب في مصر يزيد مرتين إلى ثلاث مرات عمّا كان عليه الوضع في الجيل السابق، إلا أن الشباب يجدون أنفسهم مضطرين للبحث عن عمل في وظائف ذات نوعية أقل مما يرغبون، في حين أن الشابات انسحبن تماماً من سوق العمل.
ولا ينشأ العدد الكافي من الشركات الصغيرة سريعة النمو التي تولّد فرص العمل في معظم البلدان. أما الشركات الكبيرة فلم تشهد نموا لكنها خلقت المزيد من فرص العمل. وقد نشأت هذه الشركات الكبيرة نتيجة لخصخصة الشركات المملوكة للدولة. ونتيجة لأسباب منها السياسات الاقتصادية، فإن الشركات الصغيرة تواجه عدداً لا يحصى من التحديات ما يمنعها من الانضمام بشكل كامل للقطاع الرسمي والتنافس مع الشركات القديمة الضخمة التي تتمتع بامتيازات.
ففي قطاع الصناعة، على سبيل المثال، يتوجه دعم الدولة للطاقة إلى عدد قليل من الشركات القديمة الضخمة. ويشير التقرير الجديد للبنك الدولي إلى أنه إذا توقفت الحكومة عن منح الشركات ذات العلاقات القوية هذه المعاملة التفضيلية، وطبقت نفس اللوائح بشكل موحد على الجميع، فإن الشركات الأحدث والأصغر ستتمكن من منافسة الشركات الأكثر رسوخا، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى قطاع خاص نشيط.
وإذا قدمت الحكومة أيضاً للقطاع الخاص دلائل موثوق فيها للمصداقية والشفافية والمساءلة، فقد تتمكن من استعادة ثقة القطاع وتشجيع الاستثمار وخلق فرص العمل.
ويقترح تقرير البنك الدولي نهجاً ذا ثلاث مستويات لهذه المعضلة التي تواجه القطاع غير الرسمي. حيث يقترح أن تتحوّل الشركات غير الرسمية إلى جهات توظيف رسمية على أن يتم منحها حوافر لتسجيل عقود عمل رسمية للعاملين. كما يقترح توفير الحماية الوظيفية لمن يعملون في وظائف غير رسمية وذلك من خلال النقابات أو المنظمات غير الحكومية أو الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
وهناك مسألة أخرى تؤثر على قطاع الوظائف في مصر، وهو أن المناطق الحضرية الرئيسية التي يسهل الوصول إليها وهي القاهرة والإسكندرية وبورسعيد تستحوذ على نصيب الأسد من الوظائف.
فأكثر من نصف الوظائف في القطاع الخاص الرسمي في مصر قائمة في هذه المناطق التي لا يعيش فيها سوى ربع المصريين. ويمكن للمواطنين الذين يقيمون بالقرب منها الانتقال بين منازلهم وأماكن عملهم، ولكن من يعيشون في أماكن أبعد لا تتوفر أمامهم تقريبا فرصة للوصول إلى القطاع الخاص الرسمي. وقد تفاقمت هذه المشكلة بسبب محدودية الهجرة الداخلية في مصر.
ويقول التقرير إن تحسين شبكات النقل إلى المدن المصرية، وما حولها كذلك، يمكن أن يساعد على حل العديد من المشاكل في آن واحد، وهو ما يتيح للمواطنين الذين يعيشون خارج المناطق الحضرية الكبرى فرصة أفضل للوصول إلى القطاع الخاص الرسمي.
وتشجع الخيارات الأكثر فيما يتعلق بالنقل العام على مشاركة النساء في القوة العاملة من خلال توفير وسائل نقل آمنة منتظمة للانتقال إلى وظائفهن، وعلى المدى القصير، يمكن لمشاريع تطوير البنية التحتية على نطاق واسع توفير فرص عمل للمصريين الأقل تعليماً.
ومع الاستثمار في التعليم في مصر، ارتفع معدل الخريجات من المدارس الثانوية والجامعات ليصبح مماثلا لمعدل الشباب الخريجين، إلا أن أكثر من 40 في المائة منهن مازلن عاطلات عن العمل. ولا تعمل النساء على الأرجح في القطاع الخاص الرسمي بسبب وجود فارق كبير في المرتبات، حيث يقل ما تتقاضاه النساء بين 35 و40 في المائة عما يتقاضاه الرجال، مقارنة بفارق قدره 2 في المائة فقط في القطاع العام.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن وظائف القطاع العام توفر للنساء امتيازات سخية، وساعات عمل أقل ومرونة أكبر، وعطلات أكثر.
وبالرغم من كل هذا، فإن النساء على استعداد للعمل في القطاع الخاص الرسمي، اذا استطعن الوصول إلى مكان العمل. وتشكل محدودية الانتقال مشكلة رئيسية أمامهن. ويمكن أن يلعب تحسين وسائل النقل والبنية التحتية دورا مهما في تحسين فرص المرأة في سوق العمل.
ولتوضيح ذلك، يخلص التقرير إلى أن المرأة المصرية التي عاشت بالقرب من المراكز الحضرية كانت لديها فرصة أكبر ست مرات في العثور على عمل في القطاع الخاص الرسمي ممن لم يعشن بالقرب منها.
إن المشاكل التي تواجهها سوق العمل في مصر ضخمة لكنها ليست تعجيزية. ويمكن للحكومة من خلال إصلاح السياسات الاقتصادية والخدمات العامة في مصر أن تساعد على توفير وظائف ذات نوعية أفضل لجيل جديد من المواطنين المتعلمين.