وما يشهده اليمن اليوم ليس سوى غيض من فيض بالنسبة لأجزاء أخرى من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع اجتماع تغير المناخ والنمو السكاني السريع ليزيدا من وطأة الضغوط على الموارد الأساسية لحياة البشر، كالمياه. وبالفعل، فإن نصيب الفرد من موارد المياه المتجددة في اليمن الآن يبلغ 86 مترا مكعبا في العام- وهذا ليس أقل معدل في المنطقة، لكن اليمن باعتباره أحد أفقر بلدان المنطقة فإنه من بين أقلها قدرة على التكيف.
في صنعاء وتعز، يحصل السكان على المياه من المواسير مرة واحدة في الأسبوع على الأكثر. وإلا فإنهم يضطرون لشرائها بأسعار تعد باهظة بالنسبة للعامل العادي. وبالنسبة للآخرين، فإن جلب المياه يمثل تحديا يوميا. قالت الحاجة زهرة، من قبيلة حراز، غربي صنعاء، "في منطقتنا التي لا تحصل على خدمة المياه المنقولة عن طريق الأنابيب، نمضي ما يصل الى خمس ساعات في عملية جلب المياه كل يوم. محاصيلنا تجف، بينما ننتظر المطر بفارغ الصبر". في بعض البلدات الواقعة بالمرتفعات اليمنية، لا يتجاوز نصيب الفرد من مياه البلدية المتاحة أكثر من 30 لترا في اليوم.
ويستفيد تقرير جديد للبنك الدولي بعنوان "أخفضوا الحرارة، مواجهة الواقع المناخي الجديد" من بيانات المناخ لوضع سيناريوهات شتى في حالة استمرار المعدلات الحالية من ارتفاع الحرارة في العالم. يقول جيم يونغ كيم، رئيس مجموعة البنك الدولي إن التقرير يؤكد ما ظل العلماء يرددونه على الدوام- أن الانبعاثات السابقة قد وضعت كوكب الأرض على طريق لا رجعة فيه من ارتفاع حرارة الأرض. كما أن المناطق الواقعة شمال خط عرض 25 شمالا ستصبح أكثر جفافا. وتضم هذه المناطق أغلب مناطق المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر وكل مناطق لبنان والأراضي الفلسطينية وسورية والعراق وإيران – في الحقيقة أغلب أجزاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومن المرجح أن تتراجع معدلات الأمن الغذائي مما يزيد احتياجات المنطقة للحبوب المستوردة. وقد ينكمش موسم زراعة القمح في تونس بنحو أسبوعين إذا ارتفعت الحرارة بمقدار درجتين، وبنحو شهر إذا ارتفعت أربع درجات مئوية. وبنهاية هذا القرن، سيكون الحزام الزراعي قد انحسر بمقدار 75 كيلومترا شمالا في الكثير من مناطق المغرب والمشرق العربيين.
زيادة السكان تعني ماء أقل
يبدو أن عدد سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي يبلغ 355 مليون نسمة سيتضاعف بحلول عام 2050. عدد سكان اليمن يبلغ 24 مليون نسمة، وهو ليس بالعدد الكبير بعد إلا أنه ينمو سريعا. وقد أدى هذا النمو السكاني، إلى جانب التوسع في زراعة القات (الذي تتسم أوراقه بتأثيرها المخدر الطفيف) إلى زيادة كبيرة في استخدام المياه- قدر عام 2010 بنحو 3.9 مليار متر مكعب مقابل إمدادات متجددة من المياه لا تتجاوز 2.5 مليار متر مكعب.
ويتم تعويض العجز البالغ 1.4 مليار متر مكعب من المياه بما تضخه الآبار الأنبوبية الحديثة أو الفتحات الجوفية العميقة، مما يؤدي إلى استنزاف مخزونات المياه الجوفية. وفي المناطق الريفية، حينما تجف الآبار، تتفاقم التوترات الاجتماعية إلى صراعات محلية. وتؤدي عمليات النزوح الجماعية الناجمة عن شحة المياه إلى الهجرة وإلى إذكاء مخاطر اندلاع صراعات أوسع نطاقا. وتزداد المخاطر الناجمة عن السيول المفاجئة في المدن كثيفة السكان، خاصة بالنسبة لفقراء الحضر.
وقد أدت زراعة نبات القات إلى تعقيد مشاكل المياه في اليمن. ويغطي القات 38 في المائة من مناطق اليمن المروية، ويتم في بعض المناطق اقتلاع المحاصيل الغذائية واستبدالها بالقات. ومنذ عام 1970، زادت كميات المياه المستخدمة في الري بمقدار 15 مرة، بينما تقلصت الزراعة البعلية (التي تعتمد على المطر) بنحو 30 في المائة. وبسبب نقص المياه، فإن أكثر من نصف الاستثمارات التي تقام في المناطق الريفية باليمن لا تصمد أكثر من خمس سنوات.
وقد سعت الحكومة اليمنية جاهدة لوضع إطار حديث لإدارة المياه. إلا أن مئات الآلاف من الأسر المحلية في اليمن تستخدم المياه بصورة مستقلة ولم تحظ النُهُج التنظيمية لإدارة المياه من القمة إلى القاعدة بقبول المجتمعي. أما إدارتها من القاعدة إلى القمة فقد حققت نجاحاً كبيراً في معتشكيل جمعيات شعبية تطالب بخدمات أفضل وبحماية مصادر المياه من التلوث.
زيادة أحوال الطقس الشديدة
قد يتعرض اليمن بسبب موقعه الجغرافي (جنوب خط عرض 25 شمال خط الاستواء)، للمزيد من الأمطار نتيجة ارتفاع حرارة الأرض. إلا أن زيادة هطول المطر قد يسبب أحوالا مناخية أكثر حدة، مع انطلاق عواصف شبيهة بالرياح الموسمية من خليج عدن. وفي عام 2008، تسببت السيول في جنوب شرق اليمن، اللسان الممتد من خليج عدن، في دمار وخسائر قدرت بنحو 1.6 مليار دولار- وهو ما يعادل ستة في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد. وفي عالم ترتفع فيه الحرارة بأكثر من درجتين مئويتين، فإن موجات الحر يمكن أن تضرب المناطق الساحلية المنخفضة باليمن وجيبوتي ومصر. وتتسرب مياه البحر إلى مكامن المياه الجوفية العذبة بالمناطق الساحلية، مما يرفع درجة ملوحة المياه والتربة.
ويعتقد العلماء أن اتخاذ الخطوات الصحيحة الآن سيحدث فارقا رغم ذلك. وقال كيم، "الجيد هنا هو أننا نستطيع أن نتخذ الإجراءات التي تقلص من معدلات تغير المناخ وتشجع النمو الاقتصادي، ومن ثم وقف انزلاقنا إلى هذا المنحدر الخطير". مضيفا أن على زعماء العالم أن يقدموا الآن حلولا في متناول اليد مثل فرض أسعار على الانبعاثات الكربونية، مما ينقل المزيد من الاستثمارات إلى مجال النقل العام النظيف، والطاقة الأنظف ومواقع العمل التي تتسم بكفاءة استخدام الطاقة.