ولكن كيف وصل المصريون إلى هذا الحد؟ طبقا للمشروع الدولي للعدالة، فان أصحاب النفوذ في مصر نجحوا على مدى سنوات في بناء شبكات من أصحاب المصالح في القطاع الحكومي والقضاء والجيش والشرطة وبعض من القطاع الخاص الذي استفاد من العقود العامة. وقد استفاد هؤلاء ومعارفهم من غياب المنافسة. وفي ظل هذا المناخ المؤسسي الذي اعتمدوا عليه، كان الوصول إلى المعلومات ضئيلا وذلك في حال توفرها، وكانت السرية هي السائدة حتى فيما يتعلق بالقرارات البيروقراطية الصغيرة.
وطبقا لبيانات المشروع الدولي للعدالة، فان المشكلة في مصر ليست في نقص التشريعات اللازمة لمكافحة الفساد ولكن فشل الدولة في انفاذها. فنادرا ما يعاقب موظفو القطاع الحكومي. وتشير البيانات التي تم جمعها في عام 2012 إلى أن موظفي الحكومة قد يفلتون من العقاب في 19% من الحالات إذا ضبطوا في قضية تلقي رشوة بينما لا يتم الانتهاء من التحقيقات في 41% من القضايا.
وتشير نتائج الأبحاث التي أجرتها مؤسسات مصرية والبنك الدولي عام 2009 إلى أن الغالبية العظمى من المصريين يرون أن دفع رشوة أو إكرامية يضمن حصولهم على الخدمة العامة أو يحل مشكلة قد يواجهونها مع الحكومة خاصة في المناطق الحضرية.
وكما يقول السيد أدوارد الدحداح كبير خبراء القطاع العام في البنك الدولي بمقره في القاهرة، فان البنك الدولي يرى أن الحوكمة ومكافحة الفساد من ضمن أولوياته لمكافحة الفقر. ويضيف قائلا أن هناك العديد من المبادرات للحوكمة ومكافحة الفساد عبر مجموعة البنك الدولي. وتركز تلك المبادرات على التكامل المؤسسي داخليا وتقليص الفساد عبر المشروعات التي يمولها البنك الدولي ومساعدة الدول على تحسين الحوكمة والسيطرة على الفساد.
ومن ناحية أخرى، فان ضخامة حجم القطاع الحكومي يمثل مشكلة مستعصية إذ يعمل به حوالي 7.2 مليون شخص. كما أن كثرة القوانين الحكومية قد خلقت فرصة كبيرة لما يسمي "بالسلطة التقديرية". ويشير المشروع العالمي للعدالة إلى أن المواطنين ورجال الأعمال المصريين يجدون صعوبة في الحصول على الخدمات العامة دون دفع رشوة.
وللأسف، فان ذلك صحيح على مستوى الخدمات الاجتماعية التي يحتاجها الفقراء مثل البطاقات التموينية فضلا عن خدمات انفاذ القانون الضرورية لتحقيق العدالة مثل المحاكم والشرطة.
ومؤخرا، أعلنت مصر عن استراتيجية وضعتها اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد. وتتشكل اللجنة من ممثلين من مختلف الهيئات الحكومية ويرأسها رئيس الوزراء.