فما الدروس المستفادة للبحرين من التجربة التركية؟
1. التسلسل الزمني للإصلاحات الصحية يمكن أن تحسن من الأثر السياسي للعملية. منذ البداية، كان صانعو السياسات الأتراك يدركون التحديات السياسية لتغيير قطاع الصحة. ولذلك ركزوا في البداية على تطبيق إصلاحات بسيطة فعالة من حيث مردود التكلفة وشديدة الوضوح وذلك كي يكسبوا تأييد المواطنين. فمن أوائل الإصلاحات، على سبيل المثال، كان حظر إلزام المرضى بالبقاء في المنشآت الصحية حتى يسددوا تكاليف العلاج (2002). وكان هذا إجراء مهم لتمهيد الطريق لإصلاحات أوسع نطاقا. وتباعا تم تطبيق إصلاحات مؤسسية على مراحلمخطط لها بعناية. وساعد الأسلوب التدريجي على منح صانعي السياسات المرونة المطلوبة لتقييم الإصلاحات وإجراء أي تعديلات لازمة.
2. وتيرة الإصلاح يمكن أن تؤدي إلى نجاح العملية أو فشلها. سرعة إنجاز الإصلاحات جانب مهم آخر في التجربة التركية. فقد حدد صانعو السياسات إطارا زمنيا طموحا وراقبوا التقدم المتحقق على أرض الواقع مراقبة حثيثة. ولا يعني هذا التعجل في تطبيق الإصلاحات. مما قوّض الخدمات الصحية في القطاع العام أن الأطباء كانوا يقضون وقتا طويلا في العمل في القطاع الخاص أيضا. واستخدمت تركيا أسلوبا تدريجيا لمعالجة هذا الوضع فقد زادت رواتب الأطباء لكنها ربطتها بأدائهم في المستشفيات العامة (2003). ولم يتم حظر العمل في القطاع الخاص إلا عام 2010 حين قبل عدد كبير من الأطباء طوعا التوقف عن ذلك.
3. بيئة الاقتصاد الكلي والمالية العامة عنصر مهم. شهد الاقتصاد التركي عقدا من النمو الاقتصادي السريع بين عامي 2003 و2013، وصاحب ذلك منح الإنفاق الصحي أولوية مما رفع من مخصصاته المالية. وتخصص تركيا حاليا 6.3 في المائة من دخلها على الصحة مقابل 5.3 في المائة عام 2003. وقد ساعد هذا على تمويل التوسع في برنامج البطاقة الخضراء وهو برنامج للتأمين الصحي لغير المشتركين من الفقراء.
4. دمج برامج المستحقات يساعد على الحد من أوجه النقص في تمويل الرعاية الصحية. قامت تركيا بدمج خمسة برامج للتأمين الصحي ذات منافع متباينة وأسعار اشتراك مختلفة في مؤسسة الضمان الاجتماعي. وقد تم ذلك على مراحل: فقد تم تجميع برنامج التأمين لموظفي القطاع الرسمي وبرنامج تأمين العاملين لحسابهم الشخصي وبرنامج الموظفين الحكوميين المتقاعدين عام 2006، ثم تم نقل برنامج الموظفين الحكوميين العاملين إلى المؤسسة عام 2010 وأخيرا أصبح برنامج البطاقة الخضراء جزءا من نظام مؤسسة الضمان الاجتماعي عام 2012، لتتوحد بذلك جميع برامج التأمين. وتم تنسيق جميع المنافع والأقساط (الاشتراكات) وربطها بالدخل.
5. ينبغي ربط إصلاح تمويل الرعاية الصحية بتغيير الخدمات الصحية. لإنهاء التجزء والتكرار في تقديم الخدمات بالقطاع العام، تم إدراج شبكة مستشفيات برنامج الموظفين بالقطاع الرسمي إلى شبكة وزارة الصحة عام 2005، ثم بدأت تجربة برنامج صحة الأسرة عام 2005 وتعميمها في مختلف أنحاء البلاد عام 2010.
6. إصلاح الرعاية الصحية الأولية يؤتي ثماره. يقدم أكثر من 20 ألف طبيب أسرة حاليا خدمات الرعاية الأولية والوقائية مجانا. ويتلقى أطباء الأسرة رواتب أعلى إذا قدموا خدمات الرعاية للحوامل ولأطفالهن وإذا عملوا في المناطق النائية أو الأقل تقدما. ورغم عدم كفاية الرعاية الصحية العامة للجميع حتى الآن فإن إصلاح الرعاية الصحية الأولية حظي بالإشادة من المواطنين.
وأتاحت الجولتان اللتان نظمهما البنك الدولي للوفد البحريني لتركيا وإستونيا دروسا مهمة عن أفضل السبل لتطبيق السياسات الصحية الجديدة وهي تشرع في إصلاح نظام التأمين الصحي ونظام السداد لمقدمي الخدمات واستقلالية مقدمي الخدمات. "ما كان له الوقع الأكبر علينا - وكذلك الوفد البحريني - أكثر من أي شيء آخر في النظامين الإستوني والتركي هو التركيز على المريض. إن هذا التركيز القوي على الصحة باعتبارها حقا كان هو حجر الزاوية في الإصلاح."