في رده على استطلاع للرأي على فيسبوك عن جودة الخدمات العامة في الأحياء، قال مهند الدوري، وهو أحد مواطني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "أصعب شيء يمكن الحصول عليه هو جودة الرعاية." لطالما تمتع مواطنو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتعميم التعليم المجاني والرعاية الصحية المجانية للجميع تقريبا. ورغم أن هذا يمثل إنجازا، فإن شعور مهند بخيبة الأمل إزاء ضعف الخدمات هو أمر يشاطره فيه كثيرون. فالطلاب الذين يتخرجون من المدارس المحلية يكتشفون أنهم دون مستوى التأهل الكافي لاقتصاد القرن الحادي والعشرين، وكثيرا ما يجد من هم في حاجة إلى الرعاية الصحية العيادات خالية من الأطباء أو من الأدوية. وقد أصبح ضعف الخدمات مصدر استياء واسع النطاق. إذن ما الخطأ الذي حدث؟
بداية، تعدم المؤسسات المسؤولة عن تقديم الخدمات في المنطقة آليات المساءلة. بمعنى آخر، ليس هناك أنظمة لقياس مدى تلبية هذه المؤسسات لاحتياجات المواطنين. وهذا يعني أن الموظف العمومي يفتقد واحدا من أهم الحوافز على الأداء الجيد. كما أن هذا يجعل النظام عرضة للتلاعب، مع توزيع الموارد على أساس العلاقات السياسية وليس على أساس الحاجة إليها.
وقد سبب انعدام المساءلة مشكلة أخرى أكثر شيوعا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من المناطق الأخرى، وهي أن العلاقات السياسية، وليس الكفاءة في الأداء، هي المؤهل الأهم للوظائف والترقي الوظيفي. وفي عام 2014، وجد مسح بعنوان "الإدارة العامة والتنمية المحلية"، شمل قطاعات كبيرة من البلديات في الأردن، أن ما بين 60 و90 % من إجمالي من استطلعت آراؤهم يجمعون على أن الواسطة هي الوسيلة الأساسية للحصول على وظيفة حكومية. ومن ثم فقد غصت الأجهزة الحكومية بأناس ليس لديهم الحافز أو الدافع لتقديم الخدمات الجيدة.
وليست الخدمات الرديئة هي مجرد مصدر للامتعاض، بل إنها تدفع إلى فقد الثقة في الحكومات، وتحد من انخراط المواطن رسميا مع المؤسسات العامة. وفي المتوسط، "يرفض" 52 % من المواطنين في الشرق الأوسط، أو "يرفضون بقوة"، مقولة أن حكوماتهم تفعل كل ما بوسعها لخدمتهم.
وعلاوة على ذلك، فهناك قنوات محدودة لتقديم الشكاوى. ووفقا لاستطلاع أجراه معهد جالوب عام 2013، فإن 10 % فقط من الأردنيين الذين شملهم الاستطلاع أدلوا برأيهم في أحد موظفي الحكومة خلال الشهر الماضي. الخيار الحقيقي الوحيد أمام الكثيرين هو العزوف واللجوء إلى بدائل عادة ما تكون غير رسمية من أجل تلبية الاحتياجات. على سبيل المثال، كشف نصف المغاربة الذين استطلعت آراؤهم لصالح تقرير مقياس الفساد العالمي لعام 2003 أنهم دفعوا رشوة للحصول على الرعاية الصحية. في تونس، أشار ربع من استطلعت آراؤهم أنهم دفعوا مبالغ تحت الطاولة للحصول على احتياجات في التعليم.
ومع عزوف المواطن، يقل الطلب على الخدمات العامة الجيدة كما يقل الضغط على الدولة للمطالبة بالمساءلة. ويفضي ذلك إلى المزيد من التردي في الخدمات. كما يشكل دائرة مفرغة من ضعف الأداء. ويجلب ضعف الأداء خسائر اقتصادية عندما يطالب المواطن بدفع نفقات "إضافية" من جيبه الخاص للحصول على الرعاية الأساسية الجيدة، كما يشكل عبئا ثقيلا على كاهل الفقير. ومع غياب البدائل أمام المواطن، فإن الخيار الوحيد أمام الفقراء هو التغاضي عن الرعاية المطلوبة.
كما أكد الاستياء الواسع من رداءة الخدمات على نداء الكرامة الذي ترددت أصداؤه خلال الربيع العربي من 2010 إلى 2011.ومع مصارعة الكثير من أنحاء المنطقة مع التحولات الجارية والصراعات والهشاشة، فإن إعادة بناء الثقة بين المواطن والحكومة سيكون ركيزة أساسية للاستقرار على المدى الطويل. وستكون استعادة ثقة المواطن في حكومته لتقديم الخدمات بكفاءة خطوة أولى مهمة، ويقتضي ذلك كسر الدائرة المفرغة لضعف الأداء.