ظلت فاطمة إبراهيم على مدى العامين الماضيين تقطع المسافة المضنية من منزلها في حي العرب بولاية كسلا إلى إحدى المدارس الواقعة في واحدة من أقصى مناطق السودان في رحلة تستغرق ساعة كاملة.
ورغم إقرارها بصعوبة الانتقال يوميا ذهاباً وإياباً، تقول إبراهيم إنها تعتبر ذلك ثمنا ضئيلا تدفعه في مقابل تمكنها من تعليم عدد من أشد أطفال البلاد احتياجاً.
وقالت "أسافر مسافة طويلة من منزلي وإليه يومياً، الماء نادر هنا، لكنها مدرسة جيدة والأطفال ممتازون."
يواجه الأطفال في جميع أنحاء السودان صعوبات جمة عندما يتعلق الأمر بالحصول على التعليم الرسمي. ونتيجة لذلك، بات أكثر من 40 في المائة من الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين خمسة و13 عاما بدون تعليم، من بينهم أكثر من 1.5 مليون فتاة. ومن بين من يذهبون إلى المدرسة، هناك أكثر من نصف مليون معرضين لخطر التسرب. ويعد أطفال البدو والمشردين ومن يعيشون في مناطق تمزقها الحروب هم الأكثر تعرضاً لخطر الإقصاء، بينما الفتيات في كثير من الأحيان أكثر تعرضاً لمخاطر عدم إكمال تعليمهن الرسمي.
ويظهر مسح صحة الأسرة في السودان الذي أجري عام 2010 أن 53.4 في المائة من الأطفال الذي ينتمون إلى أشد الأسر فقراً غير مسجلين في المدارس، بالمقارنة بنحو 3.6 في المائة من أطفال الأسر الأكثر ثراءً. وفي بعض المناطق، تتضاعف هذه التقديرات بسبب رداءة البنية الأساسية التعليمية، مثل عدم كفاية الفصول أو انعدامها، وندرة المواد التعليمية كالكتب الدراسية، ونقص المعلمين المدربين بشكل جيد، ونقص المواد اللازمة للتدريس، فضلا عن الرسوم المدرسية التي تحول دون إرسال الفقراء أطفالهم إلى المدارس.
ومن خلال مشروع تقوية التعليم الأساسي الذي يدعمه البنك الدولي، تجري الحكومة تغييرات على نظام التعليم لتحسين بيئة التعلم في العديد من المناطق النائية. وبمنحة قدرها 76.5 مليون دولار مقدمة من برنامج الشراكة العالمية من أجل التعليم، تمكن المشروع حتى الآن من تمويل إنشاء 632 فصلاً مدرسياً جديداً إلى جانب مراحيض وخزانات للمياه. وسيقدم المشروع 13 مليون كتاب مدرسي وإرشادات للمدرسين في مختلف أنحاء البلاد مما سيعمل على ضمان تمكّن كل من المدرسين والتلاميذ من الحصول على مواد تعليمية أفضل.
وعلاوة على تحسين نظم معلومات إدارة المعلم، مول المشروع أيضا أول تقييم قومي للتعليم في السودان، فضلا عن مساندته لوضع استراتيجية التعليم المرتقبة للبلاد في الفترة من 2017 إلى 2021.
بالنسبة لسعاد عبد الرازق، أول امرأة تتولى منصب الوزير الاتحادي للتعليم العام في البلاد، فإن بناء نظام مستدام يعد أمراً جوهرياً.
قالت عبد الرازق "أحد الإنجازات الرئيسية للمشروع أنه وفر نموذجاً لتدعيم نظام التعليم في السودان من خلال مختلف مكوناته، ناهيك عن توفير الخدمات التعليمية."
وللتأكد من الاستدامة من خلال التغيرات السلوكية طويلة الأمد، يؤكد المشروع بقوة على تمكين المجتمعات من الاضطلاع بدور نشط في العملية التعليمية. وبدءاً من تحديد احتياجاتهم من خلال مجالس الآباء والمعلمين، إلى الاضطلاع بالمسؤولية عن تعبئة الموارد وإنشاء المدارس، يساعد المشروع على تيسير الحوار داخل المجتمعات المحلية.
كما يتضمن المشروع مكوناً للمنح المدرسية، وهي أول مبادرة من نوعها في السودان. وتساعد المنح المرتبطة بمجالس الآباء والمعلمين المحلية في تخفيف أعباء الاحتياجات المرتبطة بالدراسة في أكثر المجتمعات احتياجاً، كالرسوم الإدارية، ونزل المدرسين الذين يستضيفهم السكان المحليون في الكثير من الأحيان، من بين أشياء أخرى، لتجعل التعليم في متناول يد المزيد من الأسر.
يساعد البنك الدولي، من خلال شراكته مع برنامج الشراكة العالمية من أجل التعليم، في تمكين شباب السودان من خلال ضمان حصولهم على المهارات الضرورية كي يسهموا في عملية التحول الاقتصادي لبلادهم.