بانغي، 6 يوليو/تموز 2016 - أول شيء تقع عليه عينك عندما تهبط في مطار مبوكو الدولي في بانغي هو الملاجئ المؤقتة التي تعلوها أقمشة التاربولين البلاستيكي وتمتد أميالا وأميالا، وهي مصطفة بشكل يثير المخاطر على طول المهبط. ويوجز هذا الوضع أحد ضباط المطافئ بالمطار بقولة "ثمة كارثة على وشك الوقوع إذا انحرفت إحدى الطائرات عن طريقها على مدرج المطار ونشب بها حريق". مرحبا بكم في مخيم مبوكو، الذي يقطنه 30 ألف مشرد داخليا يعيشون في الفناء الخلفي لمطار متهالك.
في عام 2014، في ذروة الأزمة السياسية والطائفية التي عصفت بجمهورية أفريقيا الوسطى وشردت ربع سكانها، استضاف هذا المخيم ما يصل إلى 100 ألف شخص. وقد اكتسبت عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى، اسما رمزيا حزينا هو "بانغي مدينة القنابل "بعد أن كان يُطلق عليها في السابق باسم "بانغي مدينة السحر والجمال". وبالرغم من أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة قد وضعت نهاية للمرحلة الانتقالية والاضطرابات التي استمرت نحو ثلاث سنوات، فإن جنود الأمم المتحدة ذوى الخوذات الزرقاء لا يزالون منتشرين في كل مكان وأعمال العنف تندلع بشكل متكرر.
لكن وللمرة الأولى في تاريخها، أصبح لدى البلاد رئيس وبرلمان منتخبان ديمقراطيا. وتعليقا على ذلك، يقول جان-كريستوف كاريت المدير القطري للبنك الدولي "في الوقت الذي تخرج فيه جمهورية أفريقيا الوسطى من واحدة من أقسى الأزمات وأكثرها تكلفة في تاريخها، فإن النظام المنتخب حديثا يواجه تحديات هائلة. وبالإضافة إلى إعادة بناء الأمة، فإن التحدي الرئيسي [أمام الحكومة] هو ضمان استعادة الأمن في جميع ربوع البلاد، وتعزيز المصالحة الوطنية، ورعاية المشردين داخليا".
وفي أحد أطراف مخيم مبوكو، وتحت جناح طائرة محطمة، يجلس روجر أرنولد تاباسيه، الذي يبلغ من العمر 73 عاما، وهو مفتش شرطة سابق وعاش أياما أفضل من تلك الايام ولكنه ما يزال يحتفظ بسلوكه المفعم بالاحترام. يقول تاباسيه "أجبرني أبنائي على الانتقال إلى هنا حفاظا على سلامتي. لقد تعرض بيتي في وسط بانغي للنهب والسطو بشكل كامل - والشيء الوحيد الذي بقي هو إطار معدني لأحد الأسّرة – وحيث إنني مريض واستخدم قسطرة، فقد اعتقدوا أن المخيم هو الخيار الأفضل. واليوم، فإنني أعيش هنا مع أبنائي الخمسة، وأحفادي، وزوجتي، التي تعمل ممرضة لحسن حظي". ولكن تاباسيه متفائل بشأن مستقبل بلاده، شأنه شأن كثير من الناس الذين التقينا بهم في المخيم، حيث يقول "إنني آمل حقا في أن نتمكن من المضي قدما في حياتنا".
ثمن باهظ تدفعه البلاد
تشرع جمهورية أفريقيا الوسطى، وهي واحدة من أفقر البلدان في العالم، واشتهرت في يوم من الأيام بالماس وحاكمها الإمبراطور الذي نصب نفسه بنفسه، في السير في طريق طويل نحو التعافي بمساعدة من البنك الدولي وشركاء التنمية الآخرين. وبلغ الإنفاق على تحقيق الاستقرار في البلاد 1.35 مليار دولار سنويا خلال الأزمة، أي ما يعادل تقريبا إجمالي الناتج المحلي بأكمله لجمهورية أفريقيا الوسطى، ويشمل ذلك ما يقرب من 800 مليون دولار لدعم (بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة) و 300 مليون دولار لقوات حفظ السلام الفرنسية. وخلال هذه الأوقات العصيبة، تلقت البلاد أيضا 250 مليون دولار سنويا في صورة معونات إنسانية، وهو قدر غير مسبوق من التمويل في بلد يعتمد بشدة على المساعدات الخارجية وعرف في بعض الأحيان باسم "جمهورية المنظمات غير الحكومية".
وفي نهاية عام 2015، أشارت التقارير إلى أن هناك 450 ألف مشرد داخليا، وحوالي 500 ألف من اللاجئين في البلدان المجاورة. وهناك نحو 2.5 مليون نسمة، أي أكثر من نصف تعداد سكان البلاد، في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، ويعيش أكثر من 60 في المائة من السكان في فقر مدقع بشكل منتظم. وساند البنك الدولي الاستجابة للأزمات بحزمة تبلغ قيمتها 100 مليون دولار في صورة عمليات طارئة، وهو يعمل حاليا جنبا إلى جنب مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على عقد مؤتمر لإعادة الإعمار من أجل جمهورية أفريقيا الوسطي. وسيحدد هذا المؤتمر أولويات البلاد واحتياجاتها، من أجل مساندة التعافي وعملية السلام على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وتشمل التدابير الأكثر فعالية التي طبقتها الجهات المانحة خلال الأزمة برنامج "للنقد مقابل العمل" الذي وفر فرص عمل مؤقتة للأشخاص الأكثر فقرا - بما في ذلك المقاتلون السابقون – داخل بانغي وحولها. أما خارج بانغي، فقد سهل البنك الدولي، من خلال مشروع "النهوض"، جهود بناء السلام وتحقيق الاستقرار من خلال منح فرص عمل قصيرة الأجل لنحو 8500 من الرجال والنساء في 17 منطقة في وقت لا يزال الأمن فيه غائبا.
من جانبها، قالت جانيت تيا رئيسة بلدية بيمبو، وهي مدينة تبعد 15 ميلا من بانغي وعاصمة مقاطعة أومبلا مبوكو "يصعب على المرء في وضع صعب كهذا أن يصف ما يشعر به من راحة وتقدير عندما يحصل على المساعدة. لقد قدم المشروع الكثير للسكان من حيث نوعية الحياة وتوفير فرص العمل، وهو ما كان بمثابة شريان الحياة لأناس كانوا يغرقون ويئنون تحت رحمة فقر وضعف أجهزة بلدهم بعد أزمة كبيرة مرت به".
تمثل عملية تسهيل إعادة إدماج المقاتلين السابقين وعودة المشردين داخليا إلى أماكنهم الأصلية أهم أولويات جان كريستوف كاريت هذه الأيام. ويعكف البنك الدولي حاليا على إعداد برنامج رئيسي لمساندة جهود التعافي وإعادة الإعمار. وفي إطار عملية تحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية، سيتم توجيه اهتمام خاص بالشباب الذين همشهم المجتمع أو الذين جندتهم الجماعات المسلحة.
وفي مخيم بيل، حيث يعيش 1500 من المتمردين السابقين في ظروف بائسة في قلب بانغي – تحت مرأى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، فإن التوقعات تصل إلى عنان السماء. ويصف هذا المشهد أحد المقاتلين السابقين قائلا: "لقد جئنا بادئ الأمر للاستيلاء على السلطة. ثم وضعنا أسلحتنا جانبا ووافقنا على أن نعيش في هذا المخيم. والآن، فإننا في انتظار لجنة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج - حتى نتمكن من العيش والحياة، لأننا ننتظر منذ ثلاث سنوات. إذا أمكنني، فإنني أود الانتهاء من دراستي، وأن أصبح مواطنا حرا يعيش بكرامة، والأهم من كل ذلك، أن نضع ذلك وراءنا ليكون جزءا من الماضي".