كثيرا ما تقع التكنولوجيات الجديدة في مأزق.
فقيمتها الحقيقية لا تتجلي إلا بمجرد أن يبدأ الناس في استخدامها، لكن قلما تكون لديهم الرغبة في استعمالها حتى يطمئنوا إلى وجود سجل استخدام موثق لها. التحرر من هذا المأزق وإرساء أسس النجاح يحتاج إلى شخص يتحلى برؤية نافذة- شخص يدرك الإمكانيات الكامنة في التكنولوجيا الجديدة ولديه الرغبة في المخاطرة بإطلاق العنان لها.
كان هذا هو الحال مع الطاقة الشمسية المركزة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى أن أطلق المغرب برنامجه الجريء للاستثمار في هذه التكنولوجيا. ومع دخول المرحلة الأولى من مشروع نور الذي يولد 500 ميغا واط من الكهرباء في وقت سابق من هذا العام إلى حيز التنفيذ من خلال محطة نور1 التي تبلغ طاقتها 160 ميغاواط ، ضرب المغرب للمنطقة مثلا لقيمة الطاقة الشمسية المركزة.
التعلم من نور
في وقت سابق من هذا العام، اجتمع مسؤولون حكوميون وخبراء في الطاقة والتمويل في الدار البيضاء بالمغرب لدراسة نموذج نور. وكانت الغاية هي تبادل المعرفة وبناء شبكات للتواصل لتحفيز تطوير الطاقة الشمسية المركزة في منطقة مؤهلة بشكل نموذجي لهذه التكنولوجيا بفضل وفرة شمسها. شارك في استضافة المؤتمر كل من الوكالة المغربية للطاقة الشمسية- المسئولة عن قيادة عملية انتقال البلاد إلى الطاقة المتجددة- وصندوقا الاستثمار في الأنشطة المناخية ومجموعة البنك الدولي. التقى صندوقا الاستثمار ومجموعة البنك الدولي على هدف مشترك وهو دعم توفير غيغاواط واحد من قدرة المنطقة على توليد الطاقة الشمسية المركزة من خلال خطة الاستثمار في الطاقة الشمسية المركزة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي وضعها صندوق التكنولوجيا النظيفة بتمويل قدره 750 مليون دولار.
أحد الدروس الأولى، التي ألقاها مصطفى بكوري رئيس الوكالة المغربية للطاقة الشمسية في كلمته الافتتاحية للمؤتمر، هو أن المغرب لم يكن مقيدا بتكنولوجيا معينة، بل كان ملتزما بالأحرى بكسر اعتماده على واردات الوقود الأحفوري وبالتحرك في مواجهة تغير المناخ. ولتحقيق ذلك، وضع المغرب هدفا غايته تلبية 42% من احتياجاته من الكهرباء المولدة من خلال مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2020- وهو رقم ما لبث أن تم رفعه خلال محادثات المناخ العام الماضي في باريس بفرنسا ليصل إلى 52% بحلول عام 2030. وخلال التفكير في كيفية تلبية احتياجات البلاد الآنية والمستقبلية من الطاقة في إطار هذا المخطط الوطني وقع الاختيار على الطاقة الشمسية المركزة كحل.
واستجابة لبحوث السوق التي أجرتها الوكالة المغربية للطاقة الشمسية، أوضح هذا المرفق الوطني للكهرباء أن الاستهلاك يبلغ أقصاه عند حلول المساء بمجرد أن تبدأ الشمس في الغروب، أي أن هذا هو التوقيت الذي يصل الطلب فيه على الكهرباء ذروته. عندئذ يمكن الاعتماد على الطاقة الشمسية المركزة، بمخزونها الحراري، لتلبية الطلب. وبينما تنخفض التكلفة الرأسمالية لاستخدام خلايا الطاقة الكهروضوئية بدرجة كبيرة، فإنها تولد الطاقة فقط عندما تكون الشمس ساطعة. وإدراكا للقيمة الحقيقية للطاقة الشمسية المركزة، كان المغرب مستعدا للاستثمار فيها.
وثمة درس آخر تمثل في أهمية التمويل الميسر على الأمدين القصير والمتوسط لمواجهة تكاليف رأس المال الأكبر للطاقة الشمسية المركزة. قدم صندوقا الاستثمار في الأنشطة المناخية تمويلا ميسرا قدره 435 مليون دولار تم استخدامه لتعبئة أكثر من ثلاثة مليارات دولار قدمتها مجموعة البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية ومؤسسات تمويل أوروبية أخرى. بالنسبة للمؤسسات المالية الدولية، كان ذلك بمثابة فرصة لمساندة تطوير تكنولوجيا جديدة يمكن أن تلعب دورا مهما في التحول العالمي إلى الطاقة المتجددة – وهي منفعة عامة عالمية. ومن شأن الاستثمار في التكنولوجيا، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن يقدم مساهمة كبيرة لتقليص تكاليف الطاقة الشمسية المركزة على مستوى العالم. وسيعمل مناخ المغرب المشمس وحرارته على مد مظلة الدعم المالي إلى أبعد من الاستثمار في مناطق أخرى. وعلاوة على المساهمة في تحقيق الهدف العالمي المتمثل في التحول عن إنتاج الوقود الأحفوري من خلال تطوير تكنولوجيا الطاقة المتجددة، فإنه بالنسبة للمغرب يمثل سبيلا للاستفادة من موارده الطبيعية للوفاء بالهدف الوطني بالاستقلال بالطاقة من خلال مصدر نظيف وموثوق للكهرباء.