تقع مدينة صور على الساحل الجنوبي للبنان على البحر المتوسط، وهي مدينة ساحلية ساحرة تمتلك تاريخا ثريا وتضرب بجذورها لآلاف السنين في أعماق التاريخ. تتمتع صور، التي حاصرتها جيوش الإسكندر الأكبر، بإرث ثقافي مذهل، يتمحور حول مرفأ قديم ساهم في ازدهارها كميناء تجاري في الحقبة الفينيقية قبل مئات السنين. ولا يزال صائدو الأسماك المحليون يستخدمون هذا المرفأ، لكنه بات في حالة سيئة بعد سنوات من الصراع، ومثلت أرصفة الشحن المعطلة والتجهيزات المهجورة والرصيف المتداعي وسوق الأسماك القديمة خير شاهد على ماض طوته صفحات النسيان.
وعن هذا المشروع، قال إيدي إيجاس- فاسكويز، المدير الأول لقطاع الممارسات العالمية للتنمية الاجتماعية والحضرية والريفية والقدرة على التكيُّف في البنك الدولي "في البيئة الحالية، يعاني صائدو الأسماك الأمرّين لكسب قوت يومهم بصورة لائقة، ولا يتوفر لديهم الحيز الملائم للقيام بأعمالهم في الوقت المناسب. ومن خلال جمع أفراد المجتمع المحلي معا وعقد حوارات فيما بينهم من أجل فهم احتياجاتهم، عمد المشروع إلى إحياء المرفأ - وبث الحياة في الميناء والأحياء التاريخية المحيطة به، ووفر مكان تلاقي للمجتمع المحلي".
إن قائمة التحسينات التي نفذها المشروع المعروف باسم "مشروع الإرث الثقافي وتنمية المناطق الحضرية" في مدينة صور طويلة. فقد تم توسيع ممرات المشاة وتجهيزها بأعمدة إنارة جديدة لتساعد المشاة على أن يتنقلوا بأمان، وأُعيد تأهيل الشوارع التاريخية، وتم تأهيل ميدان جديد وساحة سوق رسمية كبيرة لتجار الخضروات والملابس واللحوم فأصبحت تشكل أماكن مجددة للتجمعات المجتمعية والأنشطة الاجتماعية. كما تم توسيع أرصفة الشحن وبناء رصيف جديد وإصلاح التجهيزات والمعدات، وبناء مخزن جديد لتخزين المعدات التي لا تستخدم بصورة دورية. وأُصلحت محطة الوقود فبات بإمكان صائدي الأسماك شراء الوقود بصورة جماعية، مما يمكنهم من تخفيض تكاليف مزاولة أعمالهم. وتم هدم مبنى سوق الأسماك القديم وحل محله هيكل محسن لإيواء مكتب تعاونية صائدي الأسماك، ومقهى، وسوق جديدة لبيع الأسماك بالمزاد العلني.
وستؤدي هذه السوق الجديدة، متى بدأت عملها بشكل كامل، إلى تحسين الظروف المعيشية لصائدي الأسماك بدرجة أكبر. وفي الوقت الحالي، يتقيد صائدو الأسماك بعقود شهرية ويحصلون على سعر ثابت بغض النظر عن قيمة صيدهم. وبالتحول إلى أسلوب المزاد العلني، سيكون بمقدورهم بيع أسماكهم مباشرة إلى الزبائن، والحصول على مردود وفق القيمة السوقية الحقيقية لأسماكهم.
تساعد الجهود المبذولة لإنعاش مرفأ صور على تحسين الظروف المعيشية لصائدي الأسماك المحليين. (بعدسة: البنك الدولي)
وعن ذلك، قالت آيات سليمان، مديرة قطاع الممارسات العالمية للتنمية الحضرية وإدارة مخاطر الكوارث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بالبنك الدولي، "لقد أدت هذه التحسينات إلى تغيير طريقة عمل صائدي الأسماك، مما زاد من نوعية محصولهم السمكي وأدى إلى تحسين مداخيلهم و مستوى معيشتهم. لكن الأهم من ذلك أن المشروع ربما قد أدى إلى إحداث تغيير جوهري في ديناميات العلاقة بين المدينة والمرفأ والمجتمع المحلي".
وبالربط بين الحيز العام والإرث الثقافي وأنشطة الأعمال الخاصة، أوجد المشروع مساحة للسكان المحليين للحياة والاستمتاع بالمناطق العامة التي يمكن السير فيها. وانتشرت المقاهي والمحال التجارية والفنادق بمحاذاة حافة المياه في المنطقة المطلة على المرفأ.
وقال غيدو ليشياردي، أخصائي التنمية الحضرية الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي الذي قاد المشروع، "لقد وفرت مبادرات الأعمال التجارية هذه وظائف وفرصا جديدة للمجتمع المحلي. ومع تجدد الثقة في المستقبل، بدأ أصحاب العقارات المجاورة في الاستثمار في ترميم منازلهم وإعادة تأهيلها".
وصور ليست المدينة الوحيدة في لبنان حيث أتاح إحياء الموجودات التاريخية منافع مجتمعية أكبر.