يعيش نحو ملياري شخص حاليا في بلدان يتأثر فيها حصاد التنمية بالهشاشة والصراع والعنف. وبحلول عام 2030، سيكون هناك 46 في المائة من فقراء العالم يعيشون في أوضاع هشة ومتأثرة بالصراعات. فالهشاشة والصراعات يمكن أن تتجاوز الحدود الوطنية، كما أن عواقب الصراع، كالتهجير القسري، تفاقم من عجز البلدان والمناطق في العثور على سبل للخروج من براثن الفقر.
وتتوقع المؤسسة الدولية للتنمية، صندوق البنك الدولي المعني بمساعدة البلدان الأشد فقرا، مضاعفة التمويل لعمليات البنك في البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات ليتجاوز 14 مليار دولار. ومن الأهمية بمكان فهم السبل الفعالة لمساعدة من يصارعون في هذه الأوضاع من أجل تحقيق الهدفين المزدوجين للبنك والمتمثلين في إنهاء الفقر المدقع وتشجيع الرخاء المشترك.
كما يعمل البنك الدولي مع الشركاء بشأن كيفية تحسين الإجراءات التدخلية الإنمائية في هذه الأطر. وفي محاولة للربط بين عالمي المجتمع الأكاديمي والسياسات، عقد البنك وكلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس مؤتمرا في 5 ديسمبر كانون الأول حول العلاقة الوثيقة بين الهشاشة وشرعية الدولة وتقديم الخدمة.
جمع مؤتمر "دور المواطنين في تقديم الخدمة وبناء شرعية الدولة في الأوضاع الهشة والمتأثرة بالصراعات" نحو 80 ممثلا من حكومات دول هشة ومتأثرة بالصراعات، ومؤسسات بحثية فضلا عن مجتمع التنمية الدولي لعرض البحوث وتبادل الخبرات والدروس المستفادة من مشاريع التنمية الجارية في المناطق الهشة والمتأثرة بالصراعات والعنف.
التنمية القائمة على اعتبارات المجتمع المحلي في الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات
من بين هذه الآليات الناجحة التنمية القائمة على اعتبارات المجتمع المحلي التي تمنح فئات المجتمع المحلي سلطة السيطرة على قرارات التخطيط وموارد الاستثمار الخاصة بالمشاريع الإنمائية. وتتسم آلية التنمية هذه والتي كثيرا ما يستخدمها البنك في حالات الصراع بالسرعة والمرونة والفعالية في إعادة إرساء الخدمات الأساسية- التي يمكن أن تتراوح من الصحة إلى المياه النظيفة والتعليم- وتساعد على إعادة تكوين رأس المال الاجتماعي وبناء الثقة داخل المجتمعات المحلية وبين هذه المجتمعات والحكومات.
وفي استعراض للنتائج التي خلصت إليها دراسة شملت جمهورية الكونغو الديمقراطية ونيبال وباكستان وسريلانكا وأوغندا، قدم الباحثون من كلية فليتشر ومجموعة بحوث موارد الرزق الآمنة التابعة لمعهد التنمية الخارجية رؤاهم عن العوامل المساعدة في تحسين شرعية الدولة. وعرض باحثو البنك الدولي ما توصلوا إليه عن تقديم الخدمة والعنف المعتاد في إندونيسيا وتأثير برامج التنمية القائمة على اعتبارات المجتمع المحلي في الأوضاع الهشة والمتأثرة بالصراعات. .
وكان من بين الرؤى الأساسية التي خلصت إليها نتائج الدراسات أن أهمية من يقدم الخدمة أقل من أهمية الكفاءة التي تقدم بها هذه الخدمة. وعلى الحكومات التي تسعى إلى تعزيز شرعيتها بين مواطنيها أن تعمل على تحسين جودة هذه الخدمات، حتى لو كانت تُقدم من خلال منظمات غير حكومية. فسوء الخدمات يمكن أن يعجل بتبديد الثقة التي تحصل عليها مؤسسات الدولة بشق النفس.
قالت راشيل سليتر، مدير البحوث لدى مجموعة بحوث موارد الرزق الآمنة التابعة لمعهد التنمية الخارجية "الثقة تأتي ببطء، كشخص يسير في رحلة مضنية عبر الصحراء. لكنها تزول سريعا، كحصان يعدو بعيدا. وبالمثل، فإن الشرعية تستغرق وقتا وجهدا لبنائها، لكنها هشة. فزوال الشرعية عن الدولة يمكن أن يحدث بسرعة شديدة بالفعل."
تجارب الدول
وتحولا من النظرية إلى التطبيق، عرض ممثلون عن حكومات أفغانستان وكينيا والفلبين وسريلانكا وأذربيجان والكاميرون تجاربهم مع مشاريع التنمية القائمة على اعتبارات المجتمع المحلي. وقد استفادت مناقشات المائدة المستديرة التالية من الزوايا التي تناولتها مجتمعات البحث والمانحون والحكومات في مناقشة التحديات التي تواجه بناء شرعية الدولة والعلاقة بينها وبين المواطن.
وتعليقا على المؤتمر، قال مشارك من حكومة بابوا غينيا الجديدة "نحن نطبق نموذج التنمية القائمة على اعتبارات المجتمع المحلي، وقد تعرفت على مختلف التحديات التي تواجهها الدول والدروس المستفادة."
وقال مشارك آخر من كينيا "مثل هذه المؤتمرات توسع المدارك ويمكن أن تساعدنا على وضع إطار عام، وفي الوقت نفسه على التعلم من أخطاء الماضي."
هذا المؤتمر هو مجرد مثال على دأب البنك الدولي على تعزيز خبراته الدولية وحضوره لحشد الناس من شتى المؤسسات والأقطار لتبادل المعرفة، والتعلم بعضهم من بعض، والتوفيق بين مختلف الرؤى لتواكب التحديات العالمية الجديدة والمتزايدة.
عقد المؤتمر بالاشتراك مع معهد الأمن البشري التابع لجامعة تافتس، ومؤسسة السلام العالمي بكلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية، ومركز فاينستاين الدولي بكلية فيلدمان للتغذية. وهناك شركاء آخرون من بينهم معهد جنيف للدراسات العليا ومجموعة بحوث موارد الرزق الآمنة التابعة لمعهد التنمية الخارجية. وحصل البحث على دعم مؤسسة كارنيغي في نيويورك، ووزارة التنمية الدولية البريطانية، والاتحاد الأوروبي.