فرنسوا دي سويرز، ومحمد عبد الجليل، وكارولين سيروتي، وليه كيوارا
ويعد اعتماد التكنولوجيات الجديدة التي تغير وجه العالم بوتيرة سريعة سبيلًا لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإطلاق العنان لإمكاناتقطاع عريض من شبابها يتمتع بخبرات في مجال التكنولوجيا. وللوصول إلى ذلك، سيتعين على المنطقة خلق "منافع عامة رقمية" رئيسية، تكون الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول في صدارتها. اأ
في العصر الرقمي الحديث، تمثل خدمات الإنترنت عريضة النطاق وأنظمة الدفع الإلكتروني جسورًا ودروبًا للاقتصاد المادي التقليدي. فهي تسمح بربط الشركات بالعملاء وإنشاء الأسواق. ولتمكين السوق الرقمية من القيام بوظائفها، فمن اللازم أن يتوفر للشركات وعملائها فرص تحويل الأموال إلكترونيًّا.
وإذا أراد العالم العربي العثور على نموذج ناجح، يمكنه دراسة ما قامت به كينيا من تطوير للخدمات المالية عبر الهاتف المحمول M-PESA. وعلى عِدَّةِ أَصْعِدَةٍ، يمتلك العالم العربي بالفعل العناصر التي أدت لنجاح M-PESA في كينيا. فالشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتمتعون بخبرات رقمية، وينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، وهم من أكثر مستخدمي الهواتف المحمولة في العالم.
فقد طالت أصداء النجاح الذي حالف اعتماد M-PESA في كينيا ساحة الشركات الناشئة في جميع أنحاء أفريقيا. وكانت بمثابة محفز وإشارة لرواد الأعمال الشباب في كينيا وأفريقيا بأكملها: الأفكار الثورية يمكن تنفيذها بنجاح في أفريقيا وتوليد فرص في مجال الأنشطة التجارية ومسار للتنمية في المجتمعات المحلية.
فهل يعني نجاح التجربة في أفريقيا نجاحها في الشرق الأوسط؟
ما هي M-PESA؟
أحدثت الشركة الكينية الرائدة للهواتف المحمولة "سفاري كوم" انقلابًا في طريقة إنفاق الكينيين لأموالهم وذلك بتشغيل منصة M-PESA.
وكان تحويل الأموال عن طريق الرسائل النصية هو أولى الخدمات المتاحة. فبإمكان المستخدمين إرسال واستقبال الأموال إلكترونيًّا عن طريق هاتف محمول عادي. ويجري تبادل الأموال، أي الإيداع والسحب بواسطة شبكة من وكلاء يحلون بالأساس محل ماكينات الصراف الآلي. ومن بين وكلاء M-PESA، المتاجر الصغيرة، ومحطات الغاز، ومكاتب البريد، وحتى أفرع المصارف التقليدية. واليوم، بلغ عدد وكلاء M-PESA 110 ألف وكيل، أي ما يفوق عدد ماكينات الصراف الآلي 40 مرة في كينيا.
وتجذب طريقة تسعير الخدمة المقدمة أكبر عدد ممكن من شبكة الوكلاء. فخدمة الإيداع النقدي مجانية، ولكن هناك عمولة تُقدر بحسب مبلغ المعاملة، وتدفع سواء عند إرسال الأموال الإلكترونية أو سحبها نقدًا. ويحصل الوكلاء على جزء من إجمالي قيمة المعاملة (الإيداع والسحب النقدي). يمكن لأي شخص استخدام منظومة M-PESA، إلا أن المستخدمين غير المسجلين في الخدمة يدفعون رسومًا أعلى بكثير من غيرهم المسجلين ولديهم حسابات. المراد من ذلك، تشجيع مزيد من الناس على فتح حساب في المنصة.
واصلت منظومة M-PESA توسيع نطاق خدماتها منذ عام 2007. في البداية، كانت خدماتها تقتصر على شراء البث لمكالمات الهواتف النقالة أو دفع فواتير الخدمات العامة والرسوم المدرسية. في عام 2012، أطلقت M-PESA خدمة تمكِّن المستخدمين من فتح حسابات التوفير ذات الفائدة والحصول على قروض قصيرة الأجل. وأطلقت سفاري كوم في عام 2017 منظومة تمكن صغار المزارعين من استخدام الهواتف المحمولة للتواصل مع الموردين (بشأن الأسمدة والبذور والأعلاف الحيوانية على سبيل المثال)، والمهندسين الزراعيين، وخدمات المعلومات، وحتى المنافذ لبيع محاصيلهم.
آثار خدمات M-PESA
مع بلوغ منظومة M-PESA عامها العاشر، بلغ عدد عملائها 30 مليون عميل في 10 بلدان. واليوم، 96 ٪ من الأسر المعيشية المقيمة خارج العاصمة الكينية نيروبي تمتلك على الأقل حسابًا واحدًا في هذه المنظومة.
وأشارت الدراسات إلى أن الأسر التي تستخدم M-PESA أكثر قدرة على مواجهة انخفاض الدخل المفاجئ، إذ يمكنها الحصول على التحويلات بسهولة أكبر وادخار مزيد من المال. علاوة على ذلك، نجحت M-PESA في التمكين المالي للمرأة وساعدتها على التحكم في دخلها. وتُرجم ذلك في تحولها من الزراعة إلى الأعمال التجارية بشكل أكبر.
لقد كان لاعتماد M-PESAتأثير هائل في ساحة الشركات الناشئة في نيروبي. فعلى مدار السنوات القليلة المنصرمة، شهدت نيروبي نموًّا فائقًا للشركات الناشئة العاملة في إطار النظم البيئية مع نماذج للأعمال القائمة على أساسM-PESA . ووفقًا لأحدث تقرير عن تمويل الشركات الناشئة في أفريقيا، بلغ إجمالي المبالغ التي جمعتها الشركات الناشئة الكينية 32.8 مليون دولار أمريكي في عام 2017، وهو ثالث أكبر مبلغ جمعه أي بلد في القارة. وثمة 38 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا المالية تعمل حاليًّا في كينيا.
ما السبب وراء نمو M-PESA؟
هناك العديد من العوامل وراء نمو M-PESA؛ منها سهولة فتح حساب (بدون رسوم وبموجب إثبات هوية رسمي فقط)، بساطة الاستخدام ويُسر التكلفة، وارتفاع معدل معرفة القراءة والكتابة بين السكان، والانتشار الهائل للهواتف المحمولة.
ومن العناصر الرئيسية الأخرى لنمو M-PESA الواجب الإشارة إليها، الموقف التنظيمي الذي اعتمده البنك المركزي الكيني. فقد قرر عدم معارضة دخول شركات الاتصالات القطاع المالي، طالما قدمت ضمانات كافية. اعتمد البنك المركزي وضع "فوقي" كمنظم وسمح بخوض التجربة بغية تعزيز الابتكار.
وسمح الوضع الرائد لمنصة Safaricom بتحقيق استثمار كبير على مستوى الوكلاء وشبكات المحمول. وبسبب ضغوط منافسيها، تلقت Safaricom في عام 2016 أمرًا من السلطات المعنية بالمنافسة في كينيا بفتح شبكتها من وكلاء M-Pesa أمام شركات الاتصالات الأخرى التي تقدم الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول. وبعد عام، توصلت شركات الاتصالات إلى اتفاق يسمح للمستخدمين بتبادل النقود، بغض النظر عما إذا كان كلا طرفي المعاملة يتعاملان مع شركة الاتصالات نفسها.
آفاق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
بإمكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تحذو حذو كينيا ببساطة وأن تحصد فوائد جمة. فاعتماد أنظمة الدفع بواسطة الهاتف المحمول، يوفر معاملات أرخص وأيسر وأكثر أمانًا. فيمكن من خلال تبسيط طرق دفع السلع والخدمات أمام العملاء، تيسير إمكانية وصول الشركات إلى عملاء جدد وتعزيز تنمية القطاع الخاص اقتصاديًّا بشكل شامل. وعلاوة على ذلك، وكما هي الحال مع الابتكارات في أحيان كثيرة، يمكن أن تبني على تكنولوجيات جديدة أخرى وتستخدمها وتنشئ زخمًا إيجابيًّا على مستوى التكنولوجيا المالية بشكل عام.
ويتعين على حكومات المنطقة إتاحة الفرص أمام الابتكار الرقمي مع وضع لوائح مواتية وتطبيقات تنظيمية للحماية ‘sandbox’ توفر الأمان للمعاملات، بينما تسمح بإجراء التجارب المحفزة على خلق ابتكارات غير مسبوقة واعتمادها.
واليوم، تمتد روابط الاتصال في المجال الاقتصادي عن طريق نطاق الألياف البصرية ومواءمته مع معدات تكنولوجيا المعلومات وأنظمة الدفع عبر الإنترنت وسياسات نقل المعلومات وحماية البيانات. فإذا بذلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جهدًا كافيًا في هذا الشأن، فسيمكنها عرض مسار جديد لمواطنيها لا سيما الشباب وتحقيق استراتيجية إنمائية جديدة تتماشى والعصر الحديث.