قال وليد، سائق سيارة الأجرة "التاكسي" القاهري البالغ من العمر 38 عاما: "ساعدتني سيارتي التاكسي الجديدة على العمل لساعات أطول وكسب المزيد من المال. وبفضل زيادة دخلي، أصبح بإمكاني توفير المال اللازم لشراء شقة، بدلا من العيش في سكن بالإيجار. كان هذا حلما يراودني طوال حياتي."
وليد واحد من بين 45 ألف سائق تاكسي في العاصمة المصرية القاهرة الذين سلموا سياراتهم لتخريدها وإعادة تدويرها، مقابل الحصول على سيارات جديدة معدلة في إطار "برنامج تخريد وإعادة تدوير المركبات". وهو البرنامج الذي نفذته الحكومة المصرية للحد من تلوث الهواء من خلال تقليص الانبعاثات الغازية الضارة التي تطلقها سيارات التاكسي القديمة في القاهرة والتي يزيد عمرها في بعض الأحيان على 40 عاما.
كانت القاهرة مصدرا لما نسبته 40% من انبعاثات الغازات الدفيئة التي تطلقها وسائل النقل في مصر. وتحبس الغازات الدفيئة، والتي تشمل ثاني أكسيد الكربون، الحرارة داخل الغلاف الجوي، مما يتسبب في ارتفاع درجات الحرارة المصحوب بملوثات الهواء الضارة التي تؤدي إلى إصابات الجهاز التنفسي، وأمراض القلب، والسرطان. وقد أُلقي باللائمة في هذه الكمية الكبيرة من الانبعاثات على 45 ألف سيارة تاكسي في أسطول العاصمة ما لبثت أن أزيلت من شوارع القاهرة.
وفي محاولة لحماية البيئة من تلوث الهواء الناجم عن أسطول السيارات القديمة، تم سن قانون جديد للمرور عام 2008 يقضي بعدم الترخيص أو تجديد الترخيص لسيارات النقل بالأجرة، والتي تشمل التاكسي والميكروباص التي يزيد عمرها على 20 عاما. ومع هذا، أدى عدم وجود آلية واضحة لتخريد السيارات والتخلص منها إلى التباطؤ في تنفيذ القانون.
ولتطبيق القانون بشكل عادل وفعال، وضعت الحكومة المصرية برنامجا قوميا لتخريد وإعادة تدوير المركبات الذي يُمكّن سائقي التاكسي المتضررين من القانون من تسليم سياراتهم طوعا لتخريدها وإعادة تدويرها بشكل منظم، مقابل الحصول على سيارات جديدة. وتم شراء هذه السيارات الجديدة من عدد من التجار المسجلين مسبقا بأسعار مخفضة وبتسهيلات تمويلية.
وقد طلبت الحكومة مساعدة البنك الدولي للبرنامج من خلال صندوق الشراكة للحد من انبعاثات الكربون الذي يعمل بالتنسيق مع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والتي تهدف إلى تخفيض التلوث العالمي من خلال تحديد سقف الغازات الدفيئة المسموح للبلدان المتقدمة بإطلاقها. وإذا احتاجت البلدان المتقدمة إلى زيادة الحصة المخصصة لها من الانبعاثات الغازية، فإنها تستطيع ذلك بشراء شهادات تخفيضات الانبعاثات المعتمدة من المشروعات المخفضة لانبعاثات الغازات الدفيئة في البلدان النامية المسجلة لدى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وإلى جانب مخصصات التمويل من موازنة الدولة، تلقى المشروع تمويلا إضافيا من الشبكة العالمية التي أنشأها صندوق الشراكة للحد من انبعاثات الكربون لتوسيع عملياته. وبصفته قيما على الصندوق، يقدم البنك الدولي تمويلا بناء على النتائج، وهي أداة تربط التمويل بالنتائج المقررة سلفا. وهذا يدعم برنامج تخريد وإعادة تدوير المركبات من خلال شراء شهادات تخفيضات الانبعاثات المعتمدة الناتجة عن استبدال سيارات التاكسي الأقدم. ووفقا لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، يشتري صندوق الشراكة للحد من انبعاثات الكربون شهادات تخفيضات الانبعاثات المعتمدة لحساب الحكومات المساهمة بالتمويل. وتساعد شهادات التخفيضات المعتمدة المحولة التي تتم مقايضتها في التعويض عن انبعاثات الغازات الدفيئة للبلدان المتقدمة المشاركة في صندوق الشراكة للحد من الانبعاثات الكربونية. تقوم وزارة المالية المصرية باستخدام الأموال المحصلة من بيع حصص الكربون في توسيع نطاق البرنامج وزيادة قدرته على تخريد المزيد من السيارات القديمة واستبدالها بأخرى جديدة.
والبنك الدولي هو أيضا القيّم على صندوق الكريون الدانمركي وصندوق الكربون الأسباني اللذين قدما تمويلا مسبقا للبرنامج. وتعد الحصيلة التي يتم جنيها من مبيعات أرصدة الكربون المسموح بها موردا للصندوق الذي يدير المشروع. وقام البنك الدولي، بصفته قيما على الصندوقين وبالتعاون مع وزارة المالية، بتصميم البرنامج وإدارة تنفيذه والإشراف عليه، وسيشتري الصندوق شهادات تخفيضات الانبعاثات المعتمدة الصادرة للفترة التي تنتهي بنهاية عام 2018.
وهذا البرنامج هو أول عملية في مجال النقل بمنطقة الشرق الأوسط تصدر شهادات تخفيضات الانبعاثات المعتمدة. وحتى الآن، تم تسليم 45 ألف سيارة تاكسي لتخريدها وإعادة تدويرها، ونتج عن هذا انخفاض في انبعاثات الغازات الدفيئة بنحو 310 آلاف طن من ثاني أكسيد الكربون في الفترة من 2013 إلى 2017. وبنهاية عام 2018، يتوقع أن تصل تخفيضات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى 350 ألف طن.
تستخدم السيارات الجديدة تكنولوجيا حديثة تحد من التلوث من خلال تقليص استهلاك الوقود، وتخفيض تكاليف التشغيل مما يؤدي إلى تحسين مستويات كسب العيش للسائقين. وتعمل أكثر من نصف المركبات الجديدة بالغاز الطبيعي المضغوط، وهو نوع من الوقود الصديق للبيئة الذي يولد أقل مستوى من انبعاثات الغازات الدفيئة. وقد تم إسناد عمليات إعادة التدوير إلى منشأة مستقلة للتأكد من سحب المركبات القديمة من الطرق بشكل دائم، والتخلص من أجزاء السيارات التي تم تخريدها، مثل الإطارات والزيوت والبطاريات وإعادة تدويرها بطريقة آمنة بيئيا.
بالإضافة إلى الحد من التلوث، أدت السيارات الجديدة إلى تحسين ظروف العمل لسائقي التاكسي. وقال وليد: "إن خصائص عجلة القيادة في سيارتي الجديدة تجعل القيادة أقل إجهادا، وأصبحت الآن أستطيع القيادة بارتياح لفترات طويلة." مضيفا " أن مكيف الهواء بالسيارة رائع حيث يساعدني على الحفاظ على ساعات العمل المعتادة في أشهر الصيف الحار، ويجعل ركوب السيارة أكثر متعة وراحة للركاب".
في يناير 2018، نظم فريق البرنامج جولة تفقدية لكبار المسؤولين عن قطاع النقل في بوركينا فاسو وكوت ديفوار وتوغو بغرب أفريقيا، وطلب الوفد القيام بجولة تفقدية للاستفادة من تجربة "برنامج تخريد وتدوير المركبات في مصر." وفي الوقت الحالي، تعكف البلدان الزائرة على تنفيذ برامج يمولها البنك الدولي لتحديث قطاعات النقل لديها، ومنها تطوير الأنظمة المدعومة ذاتيا لتجديد الأسطول. والتقى الوفد خلال الزيارة بالمعنيين الرئيسيين بالبرنامج بوزارات المالية والداخلية والبيئة، فضلا عن مشغلي النافذة الموحدة وموقع التخريد. كما قام الوفد بزيارة استغرقت نصف يوم لموقع تخريد المركبات للاطلاع على عملية التخريد مباشرة.
بعد نجاح المشروع في القاهرة، تدرس الحكومة المصرية حاليا تكرار النموذج نفسه في محافظات أخرى.