مع احتفال العالم باليوم العالمي للاجئين 2019، من المفيد النظر في كيف تغيَّر نهج التعامل مع اللاجئين والمجتمعات المحلية المضيفة لهم تغيُّرا جذريا خلال الأعوام الثمانية الماضية، وكيف كان البنك الدولي -وإدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- في قلب ذلك التغيُّر.
كانت أوجه النقص والقصور في النهج التقليدي القديم للحكومات في التعامل مع النزوح القسري -من حيث إيواء اللاجئين في مخيمات كبيرة لينتظروا فيها بعيدا عن الصراع في بلدانهم الأصلية- ظاهرةً جلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث يعيش 86% من اللاجئين في مدن وبلدات. ويلقي هذا الوضع أعباء إضافية هائلة على كل الخدمات الأساسية من إدارة المخلفات إلى الرعاية الصحية والتعليم، ويُؤدِّي أيضا إلى زيادة معدلات البطالة. ومع طول أمد الصراع السوري، تبيَّن أن مجرد وضع اللاجئين في مخيمات ينطوي على خطر وقوع خسارة كبيرة في رأس المال البشري. وقرع المجتمع الدولي ناقوس الخطر مُحذِّرا من احتمال "ضياع جيل" من الأطفال السوريين الذين سيجدون مع حرمانهم من التعليم واكتساب المهارات صعوبةً في الاندماج مرة أخرى في المجتمع حتى بعد انتهاء المعارك.
يقول فريد بلحاج نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "اتضح أن النهج القديم لم يكن يرقى إلى مستوى التحديات التي تواجهها المنطقة، وكان ينبغي لنا إعادة كتابة قواعد التعامل مع اللاجئين".
وبدأ هذا بإدراك أن أزمة اللاجئين التي كان يواجهها الأردن ولبنان تتطلب استجابة إنمائية عاجلة تكون مُكمِّلةً للعمليات الإنسانية. وكانت الحاجة إلى هذه المساندة الإنمائية ملحةً من أجل بناء مرونة الأردن ولبنان وقدراتهما على الصمود للحيلولة دون وقوعهما ضحيةً لعدم الاستقرار بسبب أمواج الصدمة الناتجة عن الصراع في سوريا." في عام 2013، أُطلِق مشروع لتقديم منح للبلديات في الأردن التي تؤوي أعدادا كبيرة من اللاجئين السوريين. وساندت هذه المنح التوسع في تقديم الخدمات العامة والبرامج التي تهدف إلى تحسين ظروف معيشة السوريين والأردنيين، ومن ثم تقليل التوترات المحلية، وتعزيز التلاحم الاجتماعي. ومنذ ذلك الحين، حذا عدد من المشروعات للأردن ولبنان حذو هذا المشروع بالتركيز على التوسع في تقديم خدمات الرعاية الصحية والتعليم للاجئين والمجتمعات المضيفة لهم، وتدعيم إدارة المخلفات وتوفير إمدادات مياه الشرب، وتوسيع مظلة شبكات الأمان الاجتماعي، وخلق فرص اقتصادية للجميع.
وكانت هناك عقبة أخرى هي أن الأردن ولبنان من البلدان متوسطة الدخل، ولذا ليس بمقدورهما الحصول على موارد تمويل مُيسَّر. وتطلَّب توسيع نطاق مرافق البنية التحتية والخدمات استثمارات كبيرة، وكان الأردن ولبنان ينحدران سريعا في دوامة الديون. وحتى يتفهَّم المجتمع الدولي النطاق الكامل للمشكلة، تمَّ في وقت قياسي إعداد تقييم للآثار الاجتماعية والاقتصادية على لبنان بسبب الصراع الدائر في سوريا المجاورة. وكشف التقرير الذي نُشر في أواخر 2013 أنه بسبب تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين سقط 170 ألف لبناني في براثن الفقر، وتضاعف معدل البطالة، بينما زاد الإنفاق الحكومي بمقدار 1.1 مليار دولار مع تراجع الإيرادات بمقدار 1.5 مليار دولار.
وقدَّم تقرير لبنان شواهد وأدلة من أجل إجراء نقاش عالمي بشأن سبل مساندة البلدان متوسطة الدخل المضيفة لأعداد كبيرة من اللاجئين. وكان هناك إقرار بأن لبنان والأردن يقدمان منفعة عالمية عامة، ويجب الحيلولة دون تحملهما مزيدا من الديون بسبب ما أبدياه من سخاء وكرم، واستلزمت تلك الاستجابة التحلي بروح الابتكار وإعادة كتابة القواعد على نطاق عالمي. وكان من أهم التغييرات التحوُّل في المنظور المتبع من أجل التركيز على الناس المحتاجين لا على أين يقيمون. وأدَّى مفهوم "تتبُّع الناس" وتقديم مساعدات مُوجَّهة إلى أي مجتمع مضيف يُقدِّم ملاذا للاجئين بصرف النظر عن مستوى دخله إلى اتخاذ عدد من الإجراءات والأعمال المبتكرة التي لم يسبقها مثيل. وفي عام 2016، قدَّم البنك الدولي إلى كل من لبنان والأردن 100 مليون دولار من المؤسسة الدولية للتنمية، وهو أول برنامج من نوعه للتمويل المُيسَّر من المؤسسة لبلدان متوسطة الدخل. وقدَّم مشروع المؤسسة الخاص بلبنان التمويل لتوسيع النظام المدرسي لضمان حصول جميع الأطفال اللبنانيين والسوريين على خدمات التعليم. وفي الأردن، موَّل المشروع تطوير بيئة الأعمال بغرض زيادة الفرص الاقتصادية المتاحة للاجئين السوريين والمواطنين الأردنيين.
وفي عام 2016، دخل البنك الدولي أيضا في شراكة مع الأمم المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية لإنشاء صندوق سيقدم للأردن ولبنان تمويلا ميسَّرا. ويستخدم هذا البرنامج المنح المقدَّمة من البلدان المانحة استخداماً مبتكراً، حيث يتم استغلال كل دولار من المنح لتعبئة نحو أربعة دولارات من أجل تقديم تمويل حيوي أطول أجلا ومنخفض التكلفة. وبنهاية ذلك العام، اتسع نطاق هذا البرنامج ليصبح البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل المُيسَّر. ولا يزال هذا البرنامج يركِّز على الأردن ولبنان، لكن البرنامج الموسَّع يضمن تقديم استجابة دولية منسَّقة لأزمات اللاجئين في البلدان متوسطة الدخل. وفي أكثر قليلا من عامين، قدَّم البرنامج أكثر من 2.5 مليار دولار من التمويل الميسَّر للأردن ولبنان.
لقد أصبحت الإجراءات المبتكرة التي استخدمت لمعالجة أزمة اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الآن جزءا من مجموعة أدوات البنك الدولي والمجتمع الدولي. وأُطلِق تقييم مماثل للآثار الاجتماعية والاقتصادية للأزمة السورية في منطقة كردستان العراق. وفي هذا العام، ساند البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل الميسر تقديم قرض ميسر إلى كولومبيا لمساعدتها على تحمل أعباء استضافة لاجئين من فنزويلا. ويسترشد البنك الدولي الآن فيما يقدمه من مساندة بالتركيز على الآثار الإنمائية للنزوح القسري والحاجة إلى بناء المرونة والقدرة على الصمود للبلدان المضيفة بصرف النظر عن مستوى دخلها. ويقترن هذا بإدراك أنه يجب أن تتاح للاجئين الفرصة لبناء رأسمالهم البشري، والحفاظ على كرامتهم بتمكينهم من العمل والإسهام في خدمة المجتمعات المضيفة لهم.
وأسفر هذا النهج الجديد عن تحقيق مكاسب إنمائية حتى في خضم المشاق والشدائد. وقد أدَّى مشروع لبناء قدرة جيبوتي على الصمود مع استضافتها لاجئين يمنيين إلى توفير إمدادات الكهرباء في بعض المجتمعات الريفية للمرة الأولى. وتقوم مدينة دير أبي سعيد في شمال الأردن -وهي من المدن المستفيدة من المنح المُقدَّمة للبلديات- بتوفير فرص العمل والتوظيف للنساء السوريات في مجالات كانت في وقت من الأوقات مقصورة على الرجال. وتساعد اللاجئات السوريات الآن في إصلاح طرق المدن. وقال إبراهيم الاعيدة رئيس بلدية المدينة: "هذا النوع من العمل كان من قبل مقصورا على الرجال، لكننا فتحناه للنساء." وأضاف قوله إن هذا أول مشروع يتحدَّى القوالب النمطية للجنسين.