تتمتع اللبنانيات بمستوى عالٍ من روح العمل الحر وريادة الأعمال، ولكنهن لم يصلن بعد إلى كامل إمكاناتهن في المشاركة في القوى العاملة وبدء مشروعاتهن الخاصة. إذ تقتصر مشاركة النساء في القوى العاملة في لبنان إلى حد كبير على العمل بأجر، وحتى في هذا المجال، فإنهن يتأخرن كثيرا عن الرجال، إذ يبلغ معدل مشاركتهن في القوى العاملة 26%.
وبمساعدة من مشروع إقليمي للبنك الدولي تُموِّله مبادرة تمويل رائدات الأعمال، قررت الحكومة اللبنانية تغيير هذا الواقع. ويهدف برنامج "التجارة الإلكترونية ومنشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي تقودها النساء في لبنان" -الذي أُطلق في يوليو/تموز 2019 -إلى مساعدة رائدات الأعمال على توسيع إمكانية وصولهن إلى الأسواق المحلية والدولية من خلال منصات التجارة الإلكترونية.
وعقدت الحكومة اللبنانية العزم على جعل التمكين الاقتصادي للنساء إحدى أولويات خطتها للتنمية الاقتصادية، وتعهدت بزيادة معدل مشاركة النساء في القوى العاملة بنسبة 5 نقاط مئوية خلال السنوات الخمس القادمة. ويتسق برنامج تمويل رائدات الأعمال مع هذه الأجندة من خلال تركيزه على تمكين منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي تقودها وتمتلكها النساء.
وقد تعاون المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جيها مع دولة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لإطلاق برنامج "التجارة الإلكترونية ومنشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي تقودها النساء في لبنان" في 30 يوليو/تموز 2019.
قال جيها في كلمته أمام مؤتمر التجارة الإلكترونية: "التكنولوجيا تُحدث ثورة في الطريقة التي يزاول بها الناس أنشطة الأعمال والتجارة، حيث أتاحت التجارة الإلكترونية وسيلة جديدة أكثر كفاءة لربط المنتجين بالعملاء في عموم البلد وفي العالم بأسره، وقد أظهرت نتائج واعدة في مساعدة منشآت الأعمال الصغيرة في الوصول إلى الأسواق الإقليمية والدولية". وبدوره وعد دولة رئيس الوزراء بتخفيف الإجراءات الروتينية التي تقيد بيئة الأعمال بشكل عام، ولا سيما فيما يخص سيدات الأعمال ومن يعملن في التجارة الإلكترونية.
تواجه رائدات الأعمال في لبنان طائفة متنوعة من القيود كالأعراف الاجتماعية وواجبات الرعاية الأسرية والمسائل المتعلقة بالنقل والمواصلات والحصول على التمويل. وتؤدي هذه القيود إلى تفاقم الصعوبات التي تواجهها النساء في الوصول المادي إلى الأسواق لبيع سلعهن أو المشاركة في المعارض التجارية الدولية لتسويق منتجاتهن. وفي ظل هذه الظروف تبدو التجارة الإلكترونية وسيلة رئيسية للتغلب على الحواجز التي تقابلها النساء في الوصول إلى الأسواق.
وبدأت المناقشات التي أثارها مشروع تمويل رائدات الأعمال في لبنان تلفت الانتباه إلى سبل تذليل هذه العقبات من خلال التجارة الإلكترونية.
تشدد عائشة حَبْلي، مديرة البرامج في أنتوورك، وهي مساحة للعمل المشترك تقدم طيفاً واسعاً من المرافق لرواد الأعمال، على أهمية الوصول إلى النساء في المناطق الريفية، التي تقل فيها البرامج التي تساندهن، إن وُجدت أصلاً. وقالت في حديثها في حلقة عمل أقيمت في إطار هذا المشروع: "تعتبر لامركزية الجهود والوصول إلى النساء خارج بيروت أمراً بالغ الأهمية".
أمّا رنا سلهب، عضو المكتب التنفيذيّ في الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللّبنانيّة، التي تقدم المشورة للوزارات اللبنانية فيما يتعلق بمسائل المساواة بين الجنسين، فقد سلطت الضوء على أهمية إعداد برامج تستهدف رائدات الأعمال، لبيان الفرص المتاحة لهن، وتشجيعهن على زيادة مشاركتهن في صفوف القوى العاملة والاقتصاد ككل.
وحدد المشاركون في حفل إطلاق المشروع كثيراً من العقبات التي يواجهها رواد الأعمال عند محاولة الوصول إلى أسواق جديدة، ومن هذه العقبات ارتفاع رسوم الشحن، وتكلفة حلول المدفوعات الدولية، وبطء إجراءات التخليص الجمركي، ومحدودية الامتثال لمتطلبات التصدير، ولوائح حماية المستهلك، ونقص المعلومات والقدرات للاستفادة من المنصات المتاحة.
وشددت مصمّمة المجوهرات ندى غزال على ضرورة تبسيط الإجراءات الجمركية وتحسين السياسات واللوائح المعنية بالمرتجعات، قائلة: "نُضطر في لبنان إلى سداد رسوم جمركية على القطع المرتجعة، وهذا ليس مكلفاً فحسب، بل يتطلب أيضاً عدداً من الإجراءات".
وشكت ألين كاماكيان، مُؤسِّسة مطعمي "مايريك" و "باتشيك" الأرمنيين وأحد المستثمرين الممولين (angel investor) للشركات الناشئة التي تقودها النساء، من أن العائق الرئيسي أمام الوصول إلى أسواق التصدير هو عدم الامتثال للمعايير والقواعد، حيث قالت: "لا يمكنني تصدير أي منتج ألبان إلى أوروبا لأن منتجات الألبان اللبنانية لا تفي بالمعايير الأوروبية، وهي بالتالي غير مؤهلة لدخول العديد من البلدان"، داعيةً إلى اعتماد لوائح لتسهيل الحصول على شهادات اعتماد الأيزو.
يأتي مشروع تمويل رائدات الأعمال في لبنان في إطار مشروع إقليمي في سبعة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجموعة البنك الدولي، وهي: الجزائر وجيبوتي ومصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس. ويهدف المشروع إلى تيسير نفاذ منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي تقودها النساء إلى الأسواق من خلال منصات التجارة الإلكترونية، وتحسين بيئة الأعمال والبنية التحتية المتعلقة بالتجارة الإلكترونية لرائدات الأعمال. ويُكمّل المشروع "صندوق المساواة بين الجنسين في المشرق"، الذي افتُتح في بيروت في يناير/كانون الثاني 2019 ويستهدف تمكين النساء في العراق والأردن ولبنان.
يهدف مشروع تمويل رائدات الأعمال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تدريب واعتماد ما يصل إلى 75 مستشاراً للتجارة الإلكترونية وضمان تسليط الضوء على 750 منشأة أعمال صغيرة ومتوسطة تقودها النساء على الإنترنت. وفي لبنان، سيقوم هذا المشروع الجديد بتدريب واعتماد ما يصل إلى 20 مستشاراً للتجارة الإلكترونية، وسيسلط الضوء على 125 منشأة أعمال صغيرة ومتوسطة تقودها نساء على منصات التجارة الإلكترونية. وسيتم ربط رائدات الأعمال بمنصات التجارة الإلكترونية المحلية والدولية وتقديم الدعم الاستشاري العملي لهن. ويجري تنفيذ هذا المشروع بالشراكة مع هيئة تنمية الاستثمارات في لبنان (إيدال).
البنك الدولي هو أحد الشركاء المسؤولين عن إدارة تنفيذ مبادرة تمويل رائدات الأعمال، وهي شراكة تعاونية فيما بين 14 حكومة وثمانية بنوك إنمائية متعددة الأطراف، حيث تتيح التمويل للتصدي لجميع الحواجز التي تواجه رائدات الأعمال بما في ذلك النفاذ إلى الأسواق والشبكات والحصول على التمويل.