ما المسافة التي أنت على استعداد لقطعها سيرا على الأقدام للفرار من الجوع؟ بالنسبة للفنزويليين، لا يوجد لديهم ما هو أهم من الفرار من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في بلدهم.
تحفل منطقة أمريكا اللاتينية بتاريخ طويل من الهجرات، لكنها اليوم تشهد نزوحا لم يسبق له مثيل. تشير بيانات صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أنه بين عام 2016 ونوفمبر/تشرين الثاني 2019، غادر أكثر من 4.6 مليون فنزويلي من الرجال والنساء والأطفال بلدهم بحثا عن مستقبل أفضل.
إن هجرة الفنزويليين هي أكبر نزوح بشري في تاريخ المنطقة الحديث. وهم يفرون من أزمة إنسانية واقتصادية أدت إلى تزايد التدهور في مستوى السلامة العامة ومستويات المعيشة.
ووفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يغادر ما بين 4 آلاف إلى 5 آلاف فنزويلي البلاد كل يوم. ويسافر معظمهم سيرا على الأقدام دون أن يعلموا إلى أين سينتهي بهم المطاف، لكنهم يذهبون على أية حال على أمل أن يجدوا مستقبلا أفضل لأسرهم. ولا شك أن هذا النزوح يغير وجه أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي إلى الأبد.
تعد كولومبيا وبيرو وإكوادور الوجهات الرئيسية لهؤلاء المهاجرين.
لقد شهدت منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي موجات هجرة كبيرة في السابق، وخاصة في النصف الأول من القرن العشرين، حيث وفد الإيطاليون والأسبان إلى الأرجنتين، واليابانيون إلى البرازيل، والصينيون إلى بيرو. ومنذ ستينيات القرن العشرين، ازدادت موجة الهجرة داخل المنطقة، وإلى الولايات المتحدة، وخاصة من أمريكا الوسطى.
لكن أزمة هجرة الفنزويليين تختلف اختلافا كليا، لأنها من حيث حجمها تشكل ضغوطا هائلة على البلدان المستقبلة لهم، وخاصة في قطاعات التعليم والتشغيل والصحة.
الخرافات والحقائق
كان من الضروري أن يقوم 11 بلدا في المنطقة بتشديد شروط دخولها أمام المهاجرين واللاجئين الفنزويليين. لكن ذلك لم يضع حدا لهذه التدفقات، إذ لم يؤثر سوى على الوضع القانوني للمهاجرين واللاجئين.
وبيرو هي إحدى هذه البلدان. لقد قطع إجمالا 870 ألف مهاجر فنزويلي نحو 4500 كيلومتر للوصول إليها، ومن المتوقع أن يصل المزيد منهم. ووفقا لتقرير جديد للبنك الدولي (صدر بالإسبانية)، فإن النجاح في التعامل مع هذه التدفقات يبدأ بدمجهم المهاجرين والاستفادة من قدراتهم وإمكاناتهم لحفز فرص نمو جديدة.
لكن هذا الأمر لن يكون سهلا. فثمة خرافات بخصوص المواطنين الفنزويليين في بيرو تولد الكراهية للأجانب وتعوق دمجهم، ونذكر منها مثلا: "إذا أغلقنا الحدود، لن يأتي المزيد منهم"؛ "جميع الفنزويليين في بلدنا مجرمون"؛ "لا يمكن لبلدنا أن يستوعب هذا العدد الهائل منهم"؛ "الفنزويليون يأخذون وظائفنا".
وفقا لدراسة البنك الدولي: "فإن المشاعر السلبية السائدة نحو الفنزويليين أكثر انتشارا في بيرو مقارنة بالبلدان المستقبلة الأخرى، وهي مشاعر مرشحة للازدياد".
كما وجدت الدراسة، التي تصدر في إطار سلسلة من الدراسات عن هجرة الفنزويليين في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، أن غالبية الفنزويليين في بيرو هم من الشباب - 42% في عمر 18 و 29 عاما - ويأتي معظمهم من مناطق حضرية، ومعظمهم متزوجون أيضا ومعهم عائلاتهم، بما في ذلك 117 ألف طفل. وهم أيضا ذوو مؤهلات عالية: فنسبة 57% من الفنزويليين في سن العمل في بيرو حاصلون على تعليم عال، ونصفهم على مؤهلات جامعية.
إذا كيف يمكن الاستفادة من هذه القدرات؟ إذا أُدمج هؤلاء المهاجرين في سوق العمل الرسمية في بيرو، تذهب التقديرات إلى أن إنتاجية الأيدي العاملة يمكن أن ترتفع بنسبة 3.2%. وحتى عندما يعمل المهاجرون الفنزويليون في القطاع غير الرسمي - نصفهم في قطاع الخدمات -ويتلقون أجورا أقل من العمالة المحلية، يمكنهم أيضا توليد إيرادات ضريبية تقدر بحوالي 2.25 مليار سول بيروفي (حوالي 670 مليون دولار) سنويا بفضل الزيادة في الطلب الكلي وتحصيل الضرائب. ويعادل هذا المبلغ أكثر من 12% من موازنة الحكومة لقطاع الصحة في عام 2019.
ويشكل ذلك أموالا نقدية يمكن للمهاجرين استخدامها في شراء السلع والخدمات في بيرو، مما يسهم في نمو الاقتصاد.
ما الوظائف التي يقوم بها الفنزويليون في بيرو؟
"صباح الخير يا عزيزتي. كيف كان نومك؟" هذا هو ما يقوله والد بولا سوتو لها كل صباح من خلال تطبيق واتس آب - حيث تفصله عنها ثلاثة بلدان. قبل عام ونصف العام، فرت هذه الطبيبة الجراحة من بلدها الأصلي -فنـزويلا ونجحت مع الكثير من العزم والإصرار في دخول سوق العمل البيروفية.
وتوظف العيادة الصحية التي تعمل بها أناسا من جنسيات مختلفة. وهي تعمل مع أطباء من كوبا وممرضات من بيرو وأخصائيين صحيين من كولومبيا. وفي حين تحافظ باولا على تواصلها مع عائلتها عبر الإنترنت فقط، فإن مؤهلاتها العلمية وخبرتها المهنية تتيح لها خدمة المرضى الذين تراهم اليوم.
(الصوت بالإسبانية، اضغط على CC كي تظهر ترجمة الحوار بالإنجليزية)