ومع ذلك، وكما يشير تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية في يناير/كانون الثاني 2021، فمن المتوقع أن يكون هذا التعافي ضعيفاً، ولن يؤدي إلى ناتج عالمي بمستويات أدنى كثيراً من مستويات ما قبل الجائحة فحسب، بل ربما خرج هذا التعافي المتواضع عن مساره مدفوعاً بعدد من المخاطر، مثل تعطل طرح لقاح كورونا، أو الاضطرابات الناجمة عن أتلال الديون المتراكمة التي يعانيها العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية.
ومن أجل تعزيز هذه الإيرادات الهشة، وتوجيهها نحو سلامة الاقتصاد والصحة العامة، فمن الضروري احتواء الجائحة، والمضي قدماً في توزيع اللقاحات بسرعة وعلى نطاق واسع، مهما كانت العقبات اللوجستية التي يواجهها العديد من البلدان النامية. وفي حين يتعين استمرار مساندة مؤسسات الأعمال والأسر المعيشية، فسيكون ذلك مقيداً بضيق حيز المناورة المتاح من خلال السياسات المالية والنقدية. .
العودة إلى النمو
تثير الأرقام الحالية حالة من القلق في ظل التحديات الهائلة.
ولكي يحدث تعاف خلال هذا العام، فمن المفترض أن تفضي تدابير المكافحة إلى الحد من معدلات الإصابة الجديدة، وأن تكتسب عملية التحصين باللقاحات زخماً بحيث يتسع نطاقها لتغطي جميع أنحاء العالم بحلول نهاية العام المقبل.
ومن المتوقع أن يتوسع الناتج في مجموع اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية بنسبة 5% هذا العام، ولكنه سيتأتى في أعقاب ضربة اقتصادية أتت على ما لا يقل عن 10 أعوام من الزيادة في دخول الأفراد، في أكثر من ربع بلدان هذه المجموعة. وسيرجع الفضل الأكبر في زيادة إجمالي الناتج المحلي إلى الصين. وفيما عدا الصين، من المتوقع أن تسجل اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية نمواً بمعدل أكثر تواضعاً بنسبة 3.4% في عام 2021، مع استمرار معاناة العديد من البلدان في مواجهة حالات تفشي الفيروس.
و وعلى الرغم من تجدد النمو، فسيكون أدنى كثيراً من وتيرة ما قبل الجائحة. وفضلاً عن ذلك، من المتوقع أن يكون نصيب الفرد من الدخل أقل في أكثر تلك البلدان، وهو ما يعد مؤشراً على مدى الانتكاسة التي ضربت جهود الحد من الفقر من جراء الجائحة. كما أن العوائق اللوجستية أمام توزيع اللقاحات، التي قد تؤخر عملية التحصين لمدة تصل إلى عام، مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، من المرجح أن تشكل عائقاً كبيراً أمام النشاط.
الغموض والمخاطر
على الرغم من تكهنات النمو، إذا سارت الأمور على ما يرام، فلا تزال التوقعات يكتنفها قدر كبير من الغموض، وهناك عدد من النواتج البديلة المحتملة. فمن بين سيناريوهات التطورات السلبية، حدوث ارتفاع كبير في عدد حالات الإصابة في وقت مبكر من هذا العام، يستلزم فرض المزيد من القيود على النشاط، ويؤدي إلى تأخر عملية التحصين، وبالتالي إلى ضعف التعافي واستغراقه وقتاً أطول، في ظل نمو عالمي متواضع لا يتجاوز 1.6%. وإذا جرى تشديد الأوضاع المالية إلى حد كبير، ولم تتمكن السلطات من احتواء الضغوط المالية وحالات التخلف عن السداد واسعة النطاق، فمن الممكن أن تقع أزمات مالية، تفضي إلى عام آخر من الهبوط في الدخول على مستوى العالم.
ومن المخاوف الرئيسية التي تكتنف آفاق المستقبل، كيفية تسبب الجائحة في تفاقم المخاطر المرتبطة بالديون، التي كانت نواقيس الخطر تدق حولها، حتى من قبل صدمة كورونا. ومن الممكن استخدام الديون لتمويل الاستثمارات المعززة للنمو. وبالإضافة إلى ذلك، فرضت الجائحة اللجوء إلى الاقتراض على نطاق واسع لتمويل العديد من تدابير المساندة الجوهرية. ولكن الفترات السابقة من التراكم السريع للديون شابها الكثير من الحسابات المؤلمة، كما أن حجم الديون الأخيرة وسرعة تراكمها يثيران المخاوف بشأن استمرارية القدرة على تحمل الديون. وسيكون لزاماً على واضعي السياسات العمل على تحقيق توازن بين إطلاق العنان لتدابير المساندة من المالية العامة وضمان استدامتها، من خلال مراعاة تجنب الإنهاء المبكر لتدابير المساندة الضرورية. وربما كان تخفيف أعباء الديون ضرورياً في بعض الحالات لتمكين البلدان المتضررة بشدة من مساندة فئاتها السكانية الأولى بالرعاية أثناء الأزمة.
و وحتى بعد أن يبدأ مسار التعافي، فمن المتوقع أن يشهد الاقتصاد العالمي فترة طويلة من انخفاض الناتج ما دون الاتجاه العام، فضلاً عن الخسائر الكبيرة في الدخل. وكان النمو العالمي المحتمل ــ أي المعدل الذي يمكن عنده الحفاظ على النمو في ظل التشغيل الكامل للعمالة والاستخدام الكامل للقدرات ــ يعاني من التباطؤ قبيل ظهور الجائحة، التي ما لبثت أن عجلت من تباطؤ كل من الاقتصاد العالمي واقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية على حد سواء.