المؤلفون: نائلة أحمد ونور عون ونوشيك كالوستيان وفرح أصفهاني ورونالد إدواردو جوميز سواريز وشيرين فاركي
تواجه البلدان المضيفة للاجئين في منطقة المشرق تحدياً هائلاً.
لا تزال منطقة المشرق تعاني من سلسلة من أزمات النزوح القسري الناتجة عن الصراعات وأعمال العنف والاضطرابات السياسية في العراق وسوريا ولبنان، والتي تفاقمت مؤخراً بفعل جائحة كورونا والصدمات الاقتصادية. فخلال السنوات العشر الماضية، نزح حوالي 12 مليون سوري، لجأ أكثر من نصفهم إلى البلدان المجاورة، وفي أواخر عام 2019 تركت موجات جديدة من الأكراد السوريين شمال شرق سوريا متجهة إلى العراق. علاوة على ذلك، نزح ما يُقدر بنحو ستة ملايين عراقي داخل بلادهم، وقد عاد حوالي 4.8 مليون منهم مؤخراً إلى ديارهم، في ما لا يزال هناك 1.2 مليون شخص مشردين داخلياً. وفي ما يستمر تشرّد الفلسطينيين الذي بدأ منذ فترة طويلة وتستمر هشاشة الأوضاع في سوريا والعراق، ليس هناك من أسباب تدعو إلى توقع أي تقليص في نطاق أو أثر النزوح القسري في المشرق في الأجل القريب.
وفي حين تسببت جائحة فيروس كورونا في تحديات متعدّدة الأوجه للجميع في المنطقة، فإن الفئات الأشد احتياجاً من السكان في لبنان (من اللبنانيين وغير اللبنانيين) في وضع شديد السوء لا سيما مع تعرّض البلاد لأزمات مركبّة - أزمة اقتصادية ومالية على وجه التحديد، ثم جائحة كورونا، وأخيراً انفجار مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس آب 2020 - الأمر الذي أدى إلى تفاقم أوجه الضعف على نحوٍ ملموس ضمن فئات معينة من السكان. ويستضيف لبنان، الذي يضم أكبر عدد من اللاجئين في العالم قياساً إلى عدد سكانه، 855172 لاجئاً سورياً مسجلاً بالإضافة إلى 600 ألف آخرين غير مسجلين، مما يرفع المجموع إلى ما يقدر بنحو 1.5 مليون، أي ما يعادل أكثر من 20% من إجمالي عدد السكان. كما يعيش في لبنان حوالي 225 ألف لاجئ فلسطيني و30 ألف لاجئ فلسطيني جاءوا من سوريا، و15800 لاجئ من أصول إثيوبية وعراقية وسودانية، وغيرها، بالإضافة إلى 400 ألف من العمال المغتربين.
يواجه اللاجئون صعوبات في الحصول على التلقيح ويترددون في تلقي اللقاح
بعد إطلاق حملة التلقيح ضد فيروس كورونا في شهر فبراير شباط 2021، تبنى لبنان نهجاً شاملاً، وأكد رسمياً أن خطته الوطنية تشمل جميع المقيمين في البلاد مع التركيز على الفئات ذات الأولوية (الإصابة بالأمراض، والسن، والعاملين الأساسيين، وما إلى ذلك)، بغض النظر عن جنسيتهم أو وضع إقامتهم. لكن على الرغم من اتباع نهج شامل ومن توفر اللقاحات من خلال مصادر عامة وخاصة، ظهرت عدة عقبات، خاصة بالنسبة للاجئين والعمال المغتربين الذين يعيشون في لبنان. ومن بين المنتديات التي أنشأها البنك الدولي لاستكشاف ومعالجة مثل هذه المسائل لجنة مشتركة للمتابعة، تتألف من البنك الدولي ووكالات الأمم المتحدة (منظمة الصحة العالمية، واليونيسف، والأونروا، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة). وتهدف هذه اللجنة إلى تضافر الجهود للدعوة إلى حملة تلقيح عادلة وشفافة وشاملة للجميع. كما موّل البنك الدولي عملية رصد حملة التلقيح من قبل جهة مستقلة هي الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر. وقد نجحت آلية المتابعة المستقلة هذه في الكشف عن انتهاكات شابت الخطة الوطنية للتلقيح والإبلاغ عنها. كما أنشأ البنك الدولي قنوات اتصال فعّالة لتبادل نتائج الرصد والمتابعة مع السلطات اللبنانية (وزارة الصحة العامة، واللجنة الوطنية للقاح كورونا، واللجنة التنفيذية المعنية باللقاحات) من أجل اتخاذ إجراءات فورية عند الحاجة. وفي الوقت الذي تتكاتف فيه الحكومة اللبنانية والقطاع الخاص والبنك الدولي ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية من أجل دعم حملة تلقيح شاملة لجميع المقيمين في لبنان، تجدر الإشارة إلى عدد من العناصر الموروثة التي تشكل معوقات مثل عدم الثقة بالحكومة، وارتفاع مستويات الفقر، ونقص المستندات. وهناك مخاوف من أن يؤدي اشتراط الحيازة على وثائق رسمية للتسجيل على المنصة عبر الإنترنت إلى امتناع اللاجئين عن التسجيل خوفاً من أن يتعرضوا للتضييق أو الاحتجاز.
فضلاً عن ذلك، ونظراً لأن التنقل غالباً ما يشكل عائقاّ أمام اللاجئين، يتعين فتح مراكز للتلقيح في المناطق التي تتركز فيها أعداد كبيرة من اللاجئين. فعلى سبيل المثال، يوجد أكبر تجمع للاجئين في منطقة البقاع وبعلبك-الهرمل (39%) تليها عكار (27%). وفي حين كان من الضروري إنشاء منصة وطنية عبر الإنترنت للتسجيل المسبق لإطلاق حملة التلقيح بشكل يتسم بالإنصاف والشفافية، فإن انخفاض مستويات الإلمام بالقراءة والكتابة والإلمام بالتكنولوجيا الرقمية قد يحد من قدرة اللاجئين على التسجيل عبر الإنترنت. هناك أساليب بديلة للتسجيل (من خلال البلديات أو مركز الاتصال الوطني)، ولكنها تحتاج إلى دعم إضافي لتعزيز قدرتها. إن المستويات المرتفعة من التردد في تلقي اللقاح بين مجموعات اللاجئين موثّقة جيداً، وترتبط في الأساس بالمخاوف المتعلقة بسلامة اللقاح والآثار الجانبية المحتملة له، وهو نفس موقف المجتمعات المحلية اللبنانية التي تعيش في المناطق ذاتها.
ووفقا لدراسة مسحية جرت مؤخراً، ذكر حوالي 37% من المشاركين من غير اللبنانيين أنهم لا يعتقدون أن لقاح كورونا آمن، بينما قال نحو 31% من غير اللبنانيين إنهم لا يملكون معلومات كافية عن اللقاح وكيفية عمله. وقال 23% فقط من المشاركين من غير اللبنانيين إنهم يرغبون في الحصول على اللقاح عندما يكون متاحاً. وحتى يوم 17 يونيو حزيران 2021، لم يكن سوى 38957 فلسطينياً و45195 سوريا قد سجلوا أسماءهم على المنصة الوطنية. ويتضح انخفاض مستويات الثقة باللقاح بين اللاجئين إذ أن 3% فقط من إجمالي اللاجئين السوريين سجلوا لتلقي اللقاح.
دعم حصول اللاجئين على لقاح فيروس كورونا
أطلقت وكالات الأمم المتحدة مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين واليونيسف اللتين تدعمان السوريين وغيرهم من اللاجئين، والأونروا التي تتمثل مهمتها في تقديم المساندة للاجئين الفلسطينيين، والمنظمة الدولية للهجرة التي تدعم العمال المهاجرين، وكذلك المنظمات غير الحكومية المعنية والفاعلة، أطلقت عدة مبادرات تهدف لزيادة الوعي، والتصدي للتردد في أخذ اللقاح والمساعدة في عملية التسجيل. ورغم هذه الجهود، لا تزال الاحتياجات التي لم يتم الوفاء بها ضخمة. وفي مواجهة الأزمات الشديدة والمتعددة في البلد، بما في ذلك أزمة اللاجئين السوريين، ثمة حاجة ملحة إلى إيجاد سبل ووسائل جديدة لتأمين التمويل اللازم لدعم الأنشطة التي تستهدف جميع الفئات الضعيفة واعتماد نهج موحّد في التعامل مع اللاجئين1.
لقد وافق البنك الدولي على إعادة تخصيص 34 مليون دولار من مشروع تعزيز النظام الصحي في لبنان القائم، والممول جزئياً من البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل المُيسَّر، وذلك لدعم توفير اللقاحات لجميع المقيمين في لبنان. ويُقدِّم البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل المُيسَّر الذي تم إطلاقه في عام 2016 التمويل إلى البلدان متوسطة الدخل التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين، وذلك بشروط ميسرة يقتصر تقديمها في العادة على أشد بلدان العالم فقراً. وهو الأداة الرئيسية للبنك الدولي لدعم الاستجابة لأزمات النزوح في بلدان مثل لبنان. وبالإضافة إلى ذلك، يقوم البنك الدولي حالياً بحشد الموارد من الصندوق الائتماني متعدد المانحين للاستعداد والاستجابة للطوارئ الصحية من أجل توفير اللقاحات للاجئين. وتهدف هذه المبادرة إلى تنفيذ سلسلة من التدخلات الرامية إلى فهم ومعالجة الفجوات في الجهوزية لتوزيع لقاحات كورونا وتنفيذ حملة التلقيح، والتصدي للجائحة بين الفئات السكانية الضعيفة في لبنان، ولا سيما اللاجئين والمجتمعات المضيفة.
وبالإضافة إلى شراء وتمويل تكلفة اللقاحات وتلقيح اللاجئين، تكشف تجربة لبنان أنه من الضروري اعتماد النُهج التالية لكي تدعم الخطط الوطنية تلقيح اللاجئين في أي بلد.
- التأكد من أن المجموعات ذات الأولوية الواردة في الخطة الوطنية لبلد ما لتلقيح اللاجئين محددة بوضوح، وتحظى بالمساعدة في إطار تنفيذ هذه الخطة. ويمكن أيضاً الاستعانة بالاحتياطيات الإنسانية لمبادرة كوفاكس كملاذ أخير لضمان توفير لقاحات كورونا للفئات السكانية الضعيفة والمعرضة لمخاطر شديدة، حيث توجد فجوات لا يمكن تفاديها في التغطية في خطط التلقيح الوطنية والخطط الجزئية، على الرغم من جهود التوعية.
- بناء الثقة باللقاح بين مجموعات اللاجئين. من الأمور الحاسمة في فهم ومعالجة مختلف العوامل التي تؤثر في التردد في أخذ اللقاح إشراك أسر اللاجئين من خلال آليات اتصال موجه قائم على الشواهد باستخدام وسائل الإعلام الجماهيرية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والاتصالات المباشرة بين الأشخاص من خلال عناصر الحشد الميداني، والشخصيات المؤثرة على المجتمعات المحلية، والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة. ومن المهم في هذا الصدد إنشاء آلية منهجية لتلقي الملاحظات والتعليقات عبر قنوات يسهل الوصول إليها للحصول على ملاحظات وآراء آنية من اللاجئين. ويمكن لهذه الآلية أن تكون أداة رصد حاسمة لتحديد مجالات الاهتمام الرئيسية.
- معالجة العوائق التي تواجه اللاجئين في التسجيل من أجل الحصول على اللقاح. ويشمل ذلك مساعدة اللاجئين في الوصول إلى منصات التسجيل مع التركيز بوجه خاص على من لا يملكون هواتف محمولة أو لا يجيدون استخدامها أو لا يجيدون تقديم الطلبات عبر الإنترنت، فضلاً عن تخفيف الشروط الخاصة بضرورة تقديم وثائق الهوية خلال عملية التسجيل. كما ينبغي النظر في امكانية اعتماد آليات مبتكرة مثل عمليات التسجيل الجماعية التي تنظمها الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية، وحملات التوعية الجماعية حول أهمية التلقيح التي تستهدف الوصول إلى الفئات المختلفة، والعمل من خلال السفارات في حالة العمال المغتربين. وخير مثال على ذلك "ماراثون التلقيح" الأول الذي نظمته وزارة الصحة العامة في لبنان في 29 مايو/أيار 2021، حيث حصل أكثر من 10 آلاف شخص على لقاح كورونا، وكان حوالي 40% منهم من غير اللبنانيين.
- تطبيق إجراءات خاصة في المناطق التي تعاني من نقص في الخدمات. ينبغي على الحكومات أن تتعاون مع الوكالات الشريكة والمجتمع المدني لتحسين فرص الحصول على اللقاح في المناطق التي تضم نسبة كبيرة من اللاجئين. ويتطلب ذلك فتح مراكز إضافية للتلقيح أو استخدام وحدات التلقيح المتنقلة والنظر في إمكانية اعتماد سبل لتحقيق اللامركزية في الجهود من خلال التعاون مع البلديات في المناطق التي تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين.
- أخذ المخاوف الأمنية التي يواجهها اللاجئون بعين الاعتبار. يجب ضمان حماية بيانات اللاجئين وعدم استخدامها في أغراض أخرى من جانب سلطات الأمن الرسمية أو أجهزتها. ويحتاج اللاجئون أيضاً إلى الشعور بالأمان والثقة للوصول إلى مواقع التلقيح.
وبالإضافة إلى ما سبق، يجب أن تأخذ المبادرات الرامية إلى دعم تلقيح اللاجئين بعين الاعتبار الديناميكيات المعقدة للأوضاع المحلية. فعلى سبيل المثال، يرزح أكثر من 55% من سكان لبنان حالياً تحت خط الفقر بسبب الأزمة الاقتصادية. ومن الأهمية بمكان مراعاة مشاعر المجتمعات المحلية المضيفة وضمان عدم منح فئات معينة أي امتيازات في الحصول على اللقاح أو منحها الأولوية على حساب فئات أخرى. إن الهدف النهائي للبلدان يتمثل في ضمان حصول الجميع على اللقاحات على نحو عادل ومنصف، على أساس أنه لن يكون أحد بأمان حتى يصبح الجميع بأمان.