ما حجم مشكلة تلوث الهواء على مستوى العالم؟
إن تلوث الهواء هو السبب البيئي الرئيسي لحدوث الأمراض وحالات الوفاة المبكرة على مستوى العالم. وتُعد الجسيمات الدقيقة أو المواد الطيارة (الرذاذ) التي تسبب تلوث الهواء، المعروفة أيضاً باسم الجسيمات الدقيقة، أو الجسيمات الدقيقة بقُطر 2.5 ميكرون، السبب في 6.4 ملايين حالة وفاة سنوياً، بسبب أمراض مثل انسداد شرايين القلب، والسكتة الدماغية، وسرطان الرئة، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، والالتهاب الرئوي، والنوع الثاني من مرض السكري، واضطرابات حديثي الولادة. ويحدث نحو 95% من حالات الوفاة هذه في البلدان النامية، حيث يتعرض مليارات الأشخاص لتركيزات الجسيمات الدقيقة بقُطر 2.5 ميكرون، سواءً خارج المنازل أو داخلها، التي تزيد عدة مرات عما ورد في المبادئ التوجيهية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية. وتشير التقديرات التي تضمنها تقرير أعده البنك الدولي إلى أن تكلفة الأضرار الصحية الناجمة عن تلوث الهواء تبلغ 8.1 تريليونات دولار في السنة، أي ما يعادل 6.1% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
ويُعد الفقراء وكبار السن والأطفال الصغار الذين ينتمون إلى أسر فقيرة هم الأكثر تضرراً من الآثار الصحية المرتبطة بتلوث الهواء، وهم أيضاً الأقل قدرة على التعامل معها. وتؤدي الأزمات الصحية العالمية، مثل جائحة فيروس كورونا، إلى إضعاف قدرة المجتمعات على الصمود والتحمل. ومما يزيد الأمر سوءاً أنه يوجد ارتباط بين التعرض لتلوث الهواء وزيادة حالات دخول المستشفيات بسبب الإصابة بفيروس كورونا والوفيات المرتبطة به. بالإضافة إلى تأثير تلوث الهواء على الصحة، فإنه يرتبط أيضاً بفقدان التنوع البيولوجي والنظام الإيكولوجي، وله آثار سلبية على رأس المال البشري. من ناحية أخرى، لا يؤدي الحد من تلوث الهواء إلى تحسين الصحة فحسب، بل يقوي أوضاع الاقتصادات المختلفة. وخلصت دراسة أجراها البنك الدولي مؤخراً إلى أن انخفاضاً في تركيز الجسيمات الدقيقة بقُطر 2.5 ميكرون بنسبة 20% يرتبط بزيادة بنسبة 16% في النمو في معدلات التشغيل وزيادة بنسبة 33% في معدل نمو إنتاجية العمالة.
وتشير التقديرات التي تضمنها تقرير أعده البنك الدولي إلى أن تكلفة الأضرار الصحية الناجمة عن تلوث الهواء تبلغ 8.1 تريليونات دولار في السنة، أي ما يعادل 6.1% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
إلى أي مدى يرتبط تلوث الهواء بتغير المناخ؟
يُعد تلوث الهواء وتغير المناخ وجهين لعملة واحدة، ولكن يجري التعامل معهما كل على حدة. ومن ثم، يجب التصدي لهما معاً مع التركيز على حماية صحة الناس - لا سيما في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل - بغية تدعيم رأس المال البشري والحد من معدلات الفقر.
غالباً ما تنتج ملوثات الهواء وغازات الدفيئة أو الاحتباس الحراري من المصادر نفسها، مثل محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم، والمَركبات التي تعمل بالديزل. ولا تدوم بعض ملوثات الهواء لفترة طويلة في البيئة، لا سيما الكربون الأسود - وهو جزء من الجسيمات الدقيقة بقُطر 2.5 ميكرون. وتشمل ملوثات المناخ الأخرى التي تبقي فترة قصيرة الميثان، والهيدروفلوروكربونات وأوزون مستوى سطح الأرض أو أوزون الطبقة السفلى من الغلاف الجوي ( طبقة التروبوسفير). وتُعد هذه الملوثات أقوى بكثير من ثاني أكسيد الكربون من حيث قدرتها على زيادة درجة الحرارة. والميثان مؤشر أولي على حالة أوزون الطبقة السفلى من الغلاف الجوي، وذكر تحالف المناخ والهواء النظيف ومعهد ستوكهولم للبيئة أنه يتسبب في وفاة نحو مليون شخص كل عام. وهو أقوى بمقدار 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون من حيث ارتفاع درجة حرارة الجو على كوكب الأرض على مدار فترة 20 عاماً. ويعني بقاء هذه الملوثات فترة قصيرة نسبياً، إلى جانب قدرتها القوية على زيادة درجة حرارة الجو، أن الإجراءات التدخلية للحد من انبعاثاتها يمكن أن تحقق منافع مناخية في وقت قصير إلى حد ما. وإذا ما تصدينا لملوثات المناخ التي تبقى فترة قصيرة، فإننا نحقق فوائد مزدوجة هي: تحقيق مستوى أفضل من جودة الهواء وتحسين الصحة في الأماكن التي نعيش فيها، والفائدة العالمية المتمثلة في الحد من تأثيرات تغير المناخ.
كما خلصت دراسة أجراها البنك الدولي إلى أن الجسيمات الدقيقة بقُطر 2.5 ميكرون، الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري، مثل احتراق الفحم أو انبعاثات المركبات التي تعمل بالديزل، تُعد من بين أكثر أنواع هذه الجسيمات الدقيقة سُميَّة. والجسيمات الدقيقة الناتجة عن هذه المصادر تلحق بالصحة ضرراً أكثر مما تحدثه الجسيمات الدقيقة التي تطلقها معظم مصادر تلوث الهواء الأخرى. ومن شأن التصدي لهذه المصادر - مثل احتراق الفحم وحركة المرور - أن يتيح التعامل مع تلوث الهواء الأكثر سُميَّة. ولأن هذه المصادر تُعد أيضاً من العناصر الأساسية التي تسهم في ارتفاع درجة حرارة الجو، فإن التصدي لقضية تلوث الهواء الناتج عنها يخفف أيضاً من آثار تغير المناخ.
يُعد تلوث الهواء وتغير المناخ وجهين لعملة واحدة، ولكن يجري التعامل معهما كل على حدة. ومن ثم، يجب التصدي لهما معاً مع التركيز على حماية صحة الناس - لا سيما في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل - بغية تدعيم رأس المال البشري والحد من معدلات الفقر.
ما بعض متطلبات التصدي الفعال لتلوث الهواء؟
قياسه ومتابعته. ليس لدى العديد من البلدان النامية بنية تحتية، حتى وإن كانت بدائية، لقياس تلوث الهواء.واستنتجت دراسة أجراها البنك الدولي أنه لا يوجد سوى جهاز واحد لرصد الجسيمات الدقيقة بقُطر 2.5 ميكرون على مستوى سطح الأرض لكل 65 مليون شخص في البلدان منخفضة الدخل، وجهاز واحد لكل 28 مليون شخص في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. وفي المقابل، يوجد جهاز واحد لكل 370 ألف شخص في البلدان مرتفعة الدخل. وهذه بالطبع مشكلة خطيرة، لأنه لا يمكن إدارة ما لا يمكن قياسه بشكل صحيح. فإن لم يكن هناك إدراك لمدى تفاقم المشكلة، فلن يُعرف ما إذا كانت أي طريقة تُتيع لحلها فعالة أم لا. ومن ثم، يجب على البلدان إنشاء شبكات رصد على مستوى سطح الأرض وتشغيلها وصيانتها على نحو صحيح حتى تقدم بيانات موثوقة عن جودة الهواء.
معرفة المصادر الرئيسية لتلوث الهواء ودورها في تدني جودته. على سبيل المثال، في المدينة "أ"، قد يكون النقل هو السبب الأكبر في تلوث الهواء، ولكن في المدينة "ب"، قد يكون السبب شيئاً آخر مختلفاً تماماً، مثل الانبعاثات من وقود الطهي غير النظيف التي تتسرب من المنازل إلى البيئة الخارجية. بالاستعانة بهذه المعلومات، يمكن توجيه الإجراءات التدخلية على نحو مناسب للحد من تلوث الهواء. ومن المؤكد أنه توجد خطوات بديهية مرضية يمكن أن تتخذها المدن والبلدان للتصدي لتلوث الهواء، مثل التحول إلى استخدام الحافلات النظيفة أو الطاقة المتجددة. ولكن إذا ما أُريد حل مشكلة تلوث الهواء بشكل شامل، فيجب فهم طبيعة المصادر المتاحة.
نشر بيانات جودة الهواء للجمهور. يحق للناس معرفة مستوى جودة الهواء الذي يتنفسونه. ويؤدي نشر هذه المعلومات إلى الضغط على أولئك الذين يمكنهم إجراء التغييرات المطلوبة. ويجب جعل الاطلاع على بيانات جودة الهواء ميسوراً في تنسيقات مفهومة على نطاق واسع حتى يتمكن الناس من تقليل تعرضهم لتلوث الهواء وحماية الفئات الأولى بالرعاية، مثل الأطفال الصغار وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من ظروف صحية يمكن أن تتفاقم بسبب تدني جودة الهواء.
ما بعض الإجراءات التدخلية التي يمكن للبلدان تنفيذها للحد من تلوث الهواء؟
قد يتطلب الحد من تلوث الهواء استثمارات مادية، أو قد يتطلب إصلاحات على صعيد السياسات أو كليهما. وبطبيعة الحال، ليس كل إجراء تدخلي مناسباً لكل سياق. ويجب أن يقع الاختيار على الإجراءات التدخلية التي تفوق منافعها (لا سيما تحسين الصحة) التكاليف. يتمثل جزء من عملنا في البنك الدولي في إدراج اعتبارات تغير المناخ في التحليل بحيث يمكن أخذ المنافع المناخية التي تتحقق من تحسين جودة الهواء في الحسبان في عملية اتخاذ القرار. وفيما يلي بعض الأمثلة على الإجراءات التدخلية الرامية إلى تحسين جودة الهواء في عدة قطاعات:
- الطاقة: تغيير مزيج الطاقة المستخدم ليشمل مصادر طاقة متجددة وأكثر نظافة، والتخلص التدريجي من دعم الطاقة الذي يشجع على استخدام أنواع وقود تسبب التلوث.
- الصناعة: استخدام أنواع وقود من مصادر متجددة، واعتماد تدابير إنتاج أكثر نظافة، وتركيب أجهزة تنقية الغازات وأجهزة الترسيب الالكتروستاتية في المنشآت الصناعية لتنقية الانبعاثات من الجسيمات الدقيقة قبل إطلاقها في الهواء.
- النقل: التحول من استخدام المركبات التي تعمل بالديزل إلى المركبات الكهربائية، وتركيب محولات محفزة في المركبات لتقليل سُميَّة الانبعاثات، وإنشاء برامج لفحص المركبات وصيانتها.
- الزراعة: عدم تشجيع استخدام الأسمدة الأزوتية، وتحسين كفاءة استخدام الأزوت في التربة الزراعية، وتحسين إدارة الأسمدة والسماد العضوي. وتطلق الأسمدة الأزوتية الأمونيا، وهي مقدمة لتكوين الجسيمات الدقيقة الثانوية بقُطر 2.5 ميكرون. ويمكن أيضاً أن تتعرض الأسمدة الأزوتية للأكسدة وأن تنطلق في الهواء في شكل أكسيد النيتروز، وهو أحد غازات الدفيئة التي تبقي في الهواء فترة طويلة.
- الطهي والتدفئة: تشجيع حلول الطهي والتدفئة النظيفة، بما في ذلك المواقد والغلايات التي لا تسبب التلوث.
يتمثل جزء من عملنا في البنك الدولي في إدراج اعتبارات تغير المناخ في التحليل بحيث يمكن أخذ المنافع المناخية التي تتحقق من تحسين جودة الهواء في الحسبان في عملية اتخاذ القرار.
ماذا يفعل البنك الدولي للمساعدة؟
استثمر البنك الدولي نحو 52 مليار دولار في مواجهة التلوث على مدار العقدين الماضيين. وعلى الرغم من ذلك، فإننا بحاجة إلى توسيع نطاق هذا العمل. وتتضمن بعض المشاريع الناجحة التي تتصدى لتلوث الهواء ما يلي:
في الصين، قمنا بدعم برنامج في مقاطعة هيبي، وهي أكبر المناطق تسبباً في تلوث الهواء في البلاد. وتمثلت النتيجة الإجمالية في خفض تركيز الجسيمات الدقيقة بقُطر 2.5 ميكرون في الغلاف الجوي بنسبة 40% تقريباً بين عام 2013 ونهاية عام 2017. وقد ربط البرنامج صرف القروض بتحقيق نتائج ملموسة. وأصدرت مقاطعة هيبي أكثر معايير انبعاثات الغازات الصناعية صرامة في البلاد، واستخدمت حافلات كهربائية بدلاً من الحافلات التي تعمل بالديزل ومواقد الغاز بدلاً من مواقد الفحم، وحسنت كفاءة استخدام الأسمدة في الزراعة. ودعم البرنامج أيضاً الاستخدام الفعال لنظام رصد مستمر للانبعاثات لتتبع امتثال جميع المؤسسات الصناعية الكبرى في المقاطعة وفرض هذا الامتثال. وحقق المشروع تخفيضات بلغت نحو 5 ملايين طن من انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً عن طريق إجراءات تدخلية مثل تركيب مواقد جديدة في البلديات، وإضافة أسطول حافلات يعمل بالطاقة الجديدة. وكانت تخفيضات الانبعاثات التي تحققت بفضل تركيب 1,221,500 موقد جديد تعادل وحدها وقف استخدام أكثر من 860 ألف سيارة ركاب في كل عام.
في بيرو، يدعم البنك الدولي مشروعاً لتطوير أنظمة المعلومات البيئية الذي يشمل توسيع نطاق شبكة رصد جودة الهواء في البلاد لتضم ست مدن جديدة. ويتولى المشروع أيضاً تطوير أنظمة جديدة لنشر معلومات للسكان عن الجودة البيئية.
في مصر، أجرينا تقييماً لآثار تلوث البيئة على الصحة، بما في ذلك آثار تلوث الهواء المحيط في القاهرة الكبرى. ووجدنا أن حالات وفاة مبكرة بلغت 19200 حالة، وأن عدد أيام اعتلال الصحة بلغ أكثر من 3 مليارات يوم في مصر في عام 2017، وذلك نتيجة تلوث الهواء المحيط بالجسيمات الدقيقة بقُطر 2.5 ميكرون في القاهرة الكبرى، ونقص إمدادات مياه الشرب، وخدمات الصرف الصحي، والنظافة العامة في عموم البلاد. وتمخض هذا العمل التحليلي عن مشروع للحد من انبعاثات المَركبات، وتحسين مستوى إدارة النفايات الصلبة، وتعزيز نظام اتخاذ القرار المتعلق بالهواء والمناخ في القاهرة الكبرى.
وفي فييتنام، نعمل مع سلطات مدينة هانوي التي تشهد نمواً سريعاً للتصدي لقضايا تغير المناخ وتلوث الهواء في الوقت نفسه. ونقدم الدعم لوزارة البيئة والموارد الطبيعية لتحسين شبكة رصد جودة الهواء، وتحقيق فهم مصادر الانبعاثات، بالإضافة إلى وضع خطة إدارة جودة الهواء في المدينة.
وفي جمهورية لاو الديمقراطية الشعبية، دعم برنامج البنك الدولي الحكومة في وضع معايير صارمة لجودة الهواء المحيط، بما في ذلك معيار لمتوسط التركيزات السنوية للجسيمات الدقيقة بقطر 2 ميكرون، بما يتماشى مع القيمة الإرشادية لجودة الهواء التي وضعتها منظمة الصحة العالمية في ذلك الوقت. كما دعم البرنامج اعتماد إجراءات منظَّمة لأخذ عينات من الجسيمات الدقيقة بقطر 2.5 ميكرون و10 ميكرون في الهواء، وغيرها من الملوثات الموجودة في المياه.
يتعين علينا التصدي للتحديين المتمثلين في تلوث الهواء وتغير المناخ معاً وليس كل منهما على حدة، مع التركيز على حماية صحة الناس اليوم، لا سيما في البلدان النامية.
هل يمكننا توقع تحسن جودة الهواء في المستقبل مع قيام البلدان بالحد من الانبعاثات الكربونية في اقتصاداتها؟
أولاً، يجب أن نستمر في الحد من الفقر وتلبية احتياجات الفقراء، سواءً من خلال خفض تكاليف الطاقة، أو ضمان الهواء النظيف، أو غير ذلك من الوسائل. ومع أخذ هذه الأهداف في الاعتبار، يتعين علينا التصدي للتحديين المتمثلين في تلوث الهواء وتغير المناخ معاً وليس كل منهما على حدة، مع التركيز على حماية صحة الناس اليوم، لا سيما في البلدان النامية. ويمكن في المدى القريب أن تتحقق المنافع الصحية من تقليل الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري. على الرغم من ذلك، فإن الحد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يمكن أن يحدث على مدى فترة زمنية أطول. وإذا تضمنت جهود الحد من الانبعاثات الكربونية اهتماماً بالملوثات غير ثاني أكسيد الكربون أيضاً، لا سيما الجسيمات الدقيقة بقطر 2.5 ميكرون، فيمكننا أن نتوقع ليس تحسن جودة الهواء فحسب، وإنما أيضاً تحقيق منافع صحية على المدى القصير.