قامت التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية، وهي دراسات تشخيصية أساسية رائدة لمجموعة البنك الدولي، بتحليل 24 بلداً حتى الآن. ويكشف تحليل المجموعة الأولى من هذه التقارير أن البلدان يمكنها بناء القدرة على الصمود وتحقيق الأهداف المناخية دون المساس بالتنمية، لكن هذا سيتطلب تغييرات كبيرة. وتُحدد هذه التقارير الإستراتيجيات العاجلة التي ستقوم بمعظم العمل المطلوب وفي أسرع وقت للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وحماية الناس، مع مساندة جهود التنمية الخضراء الشاملة للجميع والقادرة على الصمود. وفيما يلي 10 رؤى رئيسية:
1. يتعين على البلدان مرتفعة الدخل تسريعَ وتيرة العمل المناخي وزيادة مساندتها للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. ويتطلب الحد من الانبعاثات لمنع الآثار الشديدة على البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل خفضاً سريعاً للانبعاثات في البلدان مرتفعة الدخل التي لديها المزيد من الموارد للقيام بذلك وارتفاع في نصيب الفرد من الانبعاثات الضارة. وتُقر هذه التقارير أن هناك احتياجات كبيرة تتعلق بالقدرة على التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره في البلدان منخفضة الدخل، بما في ذلك الاحتياجات المطلوبة لتدعيم الأطر المؤسسية والاستثمارات، لاسيما في قطاع البنية التحتية. ويجب على البلدان الغنية زيادة الموارد المالية على عدد من الجبهات، ومن ذلك مساندة السياسات والإصلاحات الانتقالية العادلة وجيدة التصميم؛ وضمان الحصول على التمويل ميسور التكلفة، وتوفير موارد مالية بشروط ميسرة مثل المنح، لاسيما المنح الموجهة للبلدان ذات الدخل المنخفض.
2. يمثل تعزيز القدرة على الصمود والتكيف جزءًا ملحاً وأساسياً من جهود التنمية والحد من الفقر، لاسيما في البلدان منخفضة الدخل. ويرتبط الفقر ارتباطاً وثيقاً بقابلية التأثر بالتغير المناخي. وحتى يكون الناس والمجتمعات المحلية أفضل استعداداً لمواجهة الآثار المناخية، فمن الضروري الحد من الفقر وتعزيز التنمية. وتتضمن تقارير المناخ والتنمية العديدَ من الأمثلة التي يساعد فيها نظام اقتصادي جيد الأداء ومكتمل الوظائف على الحد من آثار تغيّر المناخ، مع اقترانه بسياسات تضمن تكافؤ فرص الحصول على الموارد والخدمات الأساسية. وبدون اتخاذ مزيد من الإجراءات بشأن التكيف والقدرة على الصمود، سيكون الفقراء هم أول من يتأثر وأكثر من يتضرر. وقد يرتفع معدل الفقر في بلدان منطقة الساحل من خط أساس قدره 27% إلى 34% بحلول عام 2050 في سيناريو الجفاف وارتفاع مستوى الانبعاثات، مع انزلاق 13.5 مليون شخص إضافي إلى دائرة الفقر.
3. يمكن للبلدان أن تحقق النمو مع الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فقط إذا شرعت في إحداث تغييرات كبرى. وتتوافق الانخفاضات الكبيرة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مع النمو الاقتصادي والأهداف الإنمائية للبلدان، ولكن ذلك يحدث فقط عند الوفاء بالمتطلبات الأساسية، بما في ذلك الإجراءات المناخية جيدة التصميم، والمشاركة القوية من جانب القطاع الخاص، والمساندة الدولية، والتدابير المناسبة للتعامل مع المفاضلات التي لا يمكن تجنبها، وحماية الفئات الفقيرة، وتسهيل عملية التحول العادل.
4. لزيادة القدرة على الصمود والحد من الانبعاثات، يحتاج الاستثمار السنوي في المتوسط إلى حوالي 1.4% من إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة 2022-2030 في جميع البلدان التي تم تحليلها وصدرت لها تقارير المناخ والتنمية حتى الآن، ويرتفع بمقدار 8% من إجمالي الناتج المحلي في البلدان منخفضة الدخل. ومن شأن هذا المستوى من الاستثمارات أن يعزز القدرة على الصمود وأن يبقي البلدان على المسار الصحيح لخفض الانبعاثات بحوالي 70% بحلول عام 2050، بالمقارنة مع مستوياتها الحالية. وستتطلب تلبية هذه الاحتياجات، ودون التأثير على جهود التنمية والحد من الفقر، استمراريةَ القدرة على الحصول على التمويل وتقديم مساندة دولية كافية، لاسيما للبلدان منخفضة الدخل والشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل التي ستحتاج إلى استثمارات أولية أكبر لسد الفجوات الكبيرة القائمة في البنية التحتية وحيثما تكون إمكانية الحصول على رأس المال محدودة بدرجة أكبر.
5. من شأن استثمارات الحد من الانبعاثات الكربونية وتحقيق القدرة على الصمود أن تولد منافع تعوض التكاليف بشكل جزئي أو كلي. ففي تركيا، تشير التقديرات إلى أن المنافع الرئيسية الناجمة عن انخفاض واردات الطاقة وانخفاض مستويات تلوث الهواء ستؤدي إلى تحقيق مكاسب صافية قدرها 146 مليار دولار خلال فترة السنوات 2022-2040 (أي ما يعادل 1% من إجمالي الناتج المحلي). أما في غانا، وفي سيناريو قدرة البلاد على تحقيق الصمود والحد من الانبعاثات الكربونية، يمكن أن تصل التحسينات في الصحة العامة، وتحقيق وفورات في واردات الوقود، وزيادة استخراج الأخشاب عن طريق توسيع الرقعة الزراعية إلى 35 مليار دولار من المكاسب الصافية بحلول عام 2050 (أي نحو 2% من إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة نفسها).
6. في قطاع الطاقة، تُشكل مصادر الطاقة المتجددة جزءًا حيوياً من الحلقة، وغالباً ما تكون هذه المصادر أرخص وسيلة لتلبية الطلب المتجدد عليها، غير أنه لابد من الجمع بينها وبين كفاءة استخدام الطاقة. وتُعتبر كفاءة استخدام الطاقة والنُهج الأخرى التي تقلل وتعمل على ضبط استهلاكها أمراً حيوياً، كما يمكن أن تجعل الحد من الانبعاثات الكربونية في قطاع الكهرباء ميسور التكلفة، وتحسين أمن الطاقة من خلال الحد من التعرض لتقلبات أسعار الوقود، والحد من الانبعاثات الضارة. وفي كازاخستان، يمكن لتحسين كفاءة استخدام الطاقة في القطاعات الرئيسية أن يحقق وفورات إجمالية في تكاليف تشغيل الأنظمة بما يزيد على 70 مليار دولار في فترة السنوات حتى 2060. وفي بنغلاديش، يمكن أن تؤدي حلول كفاءة استخدام الطاقة إلى خفض استهلاك الطاقة في قطاع الملابس الجاهزة والمنسوجات بنحو 30% وزيادة الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 10 و15%.
7. يُعد الحدُ من غاز الميثان أمراً بالغ الأهمية لتحقيق الأهداف المناخية العالمية. ويمثل غاز الميثان، وهو ملوث قصير العمر نسبياً لكنه قوي، نسبةً كبيرة من إجمالي الانبعاثات في العديد من البلدان التي شملتها المجموعة الأولى من تقارير المناخ والتنمية، ليس فقط في قطاع الطاقة، ولكن أيضاً في قطاع الماشية وإنتاج الأرز والنفايات. ففي بنغلاديش، على سبيل المثال، يمكن لتحسين جمع النفايات البلدية وفرزها ومعالجتها، بما في ذلك احتجاز غاز الميثان من مواقع المدافن الصحية، أن يعزز توليد الطاقة المتجددة وأن يحد من تلوث الهواء على المستوى المحلي.
8. في قطاع النقل، سيكون الحد من الاعتماد على النقل البري بالمركبات مفيداً بالنسبة للمناخ والتنمية معاً. ويمكن للبلدان تخفيض الانبعاثات المتصلة بالنقل من خلال الجمع بين كلٍ من خفض الطلب عن طريق حُسن استخدام الأراضي والتخطيط الحضري، والاستثمار في البنية التحتية اللازمة للنقل العام غير المزود بمحركات، ورفع كفاءة وقود المركبات واستخدام الكهرباء في تشغيلها. ومن شأن هذا المزيج من التدابير أن يحد من الازدحام وتلوث الهواء وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وفي الوقت نفسه، من المهم أيضاً النظر في مرونة شبكات النقل، حيث تذهب التحليلات التي أوردتها تقارير المناخ والتنمية الخاصة بملاوي وبيرو وفييتنام والأرجنتين إلى أبعد من النظر في قدرة أصول البنية التحتية الفردية على التكيف مع تغير المناخ، لتبحث على نطاق أوسع في الخدمات والأنظمة وسلاسل التوريد الإستراتيجية وأهمية ترابط الشبكات لضمان انسياب حركة الأفراد والسلع دون انقطاع في مواجهة الأخطار المناخية والصدمات الأخرى.
9. في قطاع الغابات واستخدام الأراضي، من شأن حماية الغابات واستعادتها أن تحقق منافع اقتصادية متعددة. وغالباً ما يأتي تحقيق النمو الاقتصادي على حساب تدهور رأس المال الطبيعي. ولكن هناك شواهد وأدلة متزايدة على أن عكس اتجاه إزالة الغابات يمكن أن يسير جنباً إلى جنبٍ مع خلق فرص العمل وتحقيق النمو الاقتصادي. وفي بيرو، حيث تمثل الزراعة 90% من إجمالي المساحة التي أزيلت منها الغابات، يمكن أن يؤدي الانتقال إلى قطاع غابات خال من الكربون إلى خلق 85 ألف فرصة عمل سنوياً بحلول عام 2050 وتحقيق منافع بقيمة 3.5 مليارات دولار من خدمات النظام الإيكولوجي المستعادة. ومن شأن تحسين تخطيط استخدام الأراضي وأنظمة الابتكار الزراعي، وتشجيع تكثيف الإنتاج، ودمج المزارعين الصغار والمنظمات المجتمعية في سلاسل القيمة الزراعية ألا يساعد على عكس مسار إزالة الغابات فحسب، بل على تعزيز مستويات الدخل وسهولة الوصول إلى الأسواق أيضاً.
10. لا تستطيع البلدان الانتظار لمعالجة تحديات الحوكمة قبل البدء في الاستثمار في العمل المناخي. وتخلُص جميع التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية إلى أن وجود بيئات مؤسسية وأنظمة حوكمة قوية يؤدي إلى خفض التكاليف وتعظيم منافع التحول. ومن ناحية أخرى، فإن الحاجة الملحة للعمل المناخي تعني ضرورة اتباع نهجٍ موازٍ في تدعيم المؤسسات والاستثمار في العمل المناخي. وتحدد هذه التقارير أوجه التآزر التي يمكنها تحقيقها دون تأخير، حتى مع أوجه النقص التي قد تعتري المؤسسات والحوكمة والهياكل الاقتصادية القائمة.
للمزيد من المعلومات عن الدروس المستقاة من تقارير مجموعة البنك الدولي القُطرية عن المناخ والتنمية، انظر "المناخ والتنمية: خطة عمل".