يعد الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية من أكثر التحديات إلحاحاً في اليمن، والتي تفاقمت بسبب الصراع الذي طال أمده في البلاد. وقد أدت سلسلة من الحروب الأهلية - أحدثها دخلت عامها الثامن - إلى تشويه السياسات الزراعية على المستويين الوطني والمحلي وعدم اتساقها، وتفشي الآفات الرئيسية مثل الجراد الصحراوي، وموجات الجفاف والفيضانات الأكثر تواتراً، إلى تآكل الأصول الزراعية للبلاد بشكل مطرد.
ويتعرض نحو 17 مليون شخص أو نحو 60% من السكان لمستوى الأزمات أو أوضاع انعدام الأمن الغذائي الحادة حتى مارس/آذار 2023. وفي الوقت الحالي، لا يوفر قطاع الزراعة في اليمن سوى 15-20% من احتياجاته الغذائية الأساسية بالرغم من أن هذا القطاع هو العمود الفقري لسبل كسب العيش في اليمن. ومازال أمام الزراعة الكثير الذي يمكن أن تقدمه للمساعدة في الإفلات من الحلقة المفرغة للأزمات المتكررة والفقر المزمن، وهو الأمر الذي يمكن أن يساعد على دفع البلاد نحو مسار القدرة على الصمود على المدى الطويل.
يُعد الاستثمار في الزراعة أحد المجالات الرئيسية لمساندة البنك الدولي للشعب اليمني. وقد قدم البنك مؤخراً تمويلاً للتصدي لانعدام الأمن الغذائي من خلال مساندة الزراعة والإنتاج الغذائي على المستوى المحلي في البلاد. ويقدم البنك الدولي مساندته للأمن الغذائي والتغذوي، بصفة خاصة، عبر التركيز على الإنتاج الزراعي واستعادة الأصول المنتجة القادرة على تحمل تغيّر المناخ من أجل حماية سبل كسب العيش؛ والتوسع في إنتاج الغذاء على مستوى الأسرة اليمنية وكذلك توزيع الغذاء على مستوى المجتمع المحلي من خلال توظيف مجموعة من الإجراءات التدخلية على المدى القصير والمتوسط، فضلاً عن إعطاء الأولوية للمناطق التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بصورة مزمنة.
يشكل تغير المناخ مخاطر إضافية في اليمن، لاسيما بالنسبة للفئات الأكثر احتياجاً. وخلال السنوات الأخيرة، أدت الأمطار الغزيرة إلى فيضانات مفاجئة، مما تسبب في وقوع وفيات وإلحاق أضرار واسعة النطاق بالمنازل والبنية التحتية والمحاصيل الزراعية. وقد ألحق نقص المياه، مقترناً بهطول أمطار غزيرة لا يمكن التنبؤ بها، أضراراً بالبنية التحتية الحيوية التي تعاني بالفعل من النقص، مما أسهم في زيادة مواطن الضعف أمام سكان المناطق الريفية. ولم تعد أساليب الزراعة القديمة والممارسات الزراعية كافية لضمان قدرة المحاصيل على التحمل، ومن ثم تؤثر على الأمن الغذائي وضمان الدخل لسكان المناطق الريفية. وقد تضررت الفئات الأكثر احتياجاً من السكان، أي النازحين داخلياً، أكثر من غيرهم.
الاستعداد للتخفيف من آثار الأزمات الغذائية في المستقبل
من أجل ضمان استعداد البلدان على نحوٍ أفضل للتصدي لأزمات الأمن الغذائي والتغذوي في المستقبل، وفي إطار التحالف العالمي للأمن الغذائي، يعمل البنك الدولي على وضع خطط التأهب لمواجهة أزمات الأمن الغذائي وتفعيلها. ويتم إعداد هذه الخطط بالتعاون الوثيق مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبرنامج الأغذية العالمي، والشبكة العالمية لمكافحة أزمات الغذاء، ومنسق الأمم المتحدة للوقاية من المجاعات والتصدي لها.
يتطلب السياق اليمني تنسيقاً وثيقاً مع المانحين وشركاء التنمية الذين يقدمون مساعدات أمنية غذائية وتغذوية وإغاثة إنسانية. ومن بين الجهود الأخرى، تساند خطة التأهب لأزمة الأمن الغذائي في اليمن إعدادَ تقرير رصد مشترك يجمع المعلومات من مصادر مختلفة لتتبع أزمات الأمن الغذائي بطيئة الظهور في وقت مبكر والإقرار بوجودها.
ويعتبر هذا الجهد لرصد الأزمات إنجازاً كبيراً في حد ذاته، لأنه ليس من الأمور المعتادة في الغالب أن يتم إشراك المنظمات الإنسانية والإنمائية في تحليل مشترك ومباشر. وستجمع هذه الجهود البيانات الحالية مثل مستويات الجوع، والمؤشرات ذات الصلة بالمناخ، والتغيرات في أسعار المواد الغذائية التي يتم الحصول عليها عادة من مختلف المنظمات. وسيساعد تقرير الرصد المشترك الجديد على ضمان تمكن المنظمات العاملة في مجال الأمن الغذائي في اليمن من العمل بناءً على نفس البيانات. ويكتسب الانتقال إلى نهج أكثر جماعية أهميةَ خاصة في بلد مثل اليمن حيث ستُستخدم البيانات في مختلف المبادرات، بما في ذلك مبادرات وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والمانحين.
وسيتم تحديث بيانات الأمن الغذائي كل ثلاثة أشهر بدلاً من تحديثها مرة واحدة فقط في السنة، مما يضمن حصول أصحاب المصلحة على أحدث المعلومات. ولكي تكون البيانات أكثر سهولة، سيتم دمجها في لوحة بيانات الأمن الغذائي والتغذوي على شبكة الإنترنت التي يديرها التحالف العالمي للأمن الغذائي. ومن شأن تحسين البيانات، التي تُجمع على صحتها مختلف المنظمات، أن يعزز الثقة في خطة التأهب.
وبالإضافة إلى جهود رصد المخاطر، فسوف تنشئ خطة التأهب أيضاً آلية مخصصة لاتخاذ القرار تضم مسؤولين من مختلف المنظمات لتعزيز عملية الإقرار الجماعي عند نشوء الأزمات وتوسيع نطاق الاستجابة فيما بين الشركاء في المجالين الإنساني والإنمائي. وسيكون الهيكل الذي يتم وضعه بموجب خطة التأهب أساساً لبناء ملكية الحكومة بمرور الوقت وعندما يسمح وضع الصراع بذلك. كما أنه سيكمل الاستثمارات الأطول أجلاً لتدعيم قدرة الأنظمة الغذائية في البلاد على الصمود.
ومع تطبيق هذه الأنظمة، سيستفيد الشعب اليمني من استجابة أكثر شمولاً في المنظمات الإنسانية والإنمائية، وسيكون أيضاً أقل عرضة لآثار الأزمات الغذائية في المستقبل.