"الزواج المبكر يضر بتعليم الفتيات وصحتهن ورفاهتهن.. أعرف ذلك لأنني عانيت شخصياً من هذه السلبيات عندما تزوجت في سن 17 عاماً، وهذا هو السبب في أنني متحمسة لرفع وعي المجتمع بهذه الممارسات الضارة.. ويجب على كل فتاة أن تركز على تعليمها أولاً ثم على تأمين وظيفة مناسبة تساعدها في بناء شخصيتها المستقلة،" جاء هذا على لسان الأخصائية الاجتماعية غادة أحمد، وهي من سكان محافظة بورسعيد المصرية، وتشارك في حملة "وعي" للتوعية والتنمية المجتمعية.
يُعتبر برنامج "وعي" منصة للتوعية المجتمعية وتغيير السلوكيات تم إطلاقها في عام 2020، كما يُعد أحد الإجراءات التدخلية الرئيسية لبرنامج تكافل وكرامة للتحويلات النقدية. ويهدف البرنامج إلى الوصول إلى المواطنين الأكثر احتياجاً في مصر لتوعيتهم بأهم 12 قضية ورسالة اجتماعية مترابطة فيما بينها، ومنها: مكافحة زواج الأطفال، وتعزيز التمكين الاقتصادي، والدعوة إلى المواطنة، وتدعيم الأبوة الإيجابية، والتعليم، ومكافحة ختان الإناث، وتعزيز ممارسات النظافة الجيدة، وصحة الأم والطفل، وتنظيم الأسرة، والهجرة غير الشرعية، فضلاً عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
قالت شيماء محمد، وهي أخصائية اجتماعية أخرى في حملة "وعي" في بني سويف بصعيد مصر: "نعمل على رفع مستوى وعي النساء حول كيفية بدء المشروعات الخاصة بهن، وبالتالي تحقيق الدخل المستدام والاستقلال المالي لأنفسهن."
وعندما علمت شيماء أن هناك مواطنة تدعى مرزوقة تنوي تزويج ابنتها الصغيرة ندى قبل بلوغها السن القانونية، تحدثت شيماء بصراحة مع مرزوقة عن العواقب السلبية التي قد تحدث لابنتها بسبب الزواج المبكر. واقتنعت مرزوقة وزوجها، وصرفا النظر عن إتمام هذا الزواج. وفي حديثها مع مرزوقة، أخبرتها شيماء أيضاً عن أنشطة التمكين الاقتصادي التي يقدمها برنامج "وعي"، وراقت هذه الفكرة لمرزوقة وبدأت مشروعها الخاص في إنتاج الجبن والزبدة وبيعهما.
وقامت شيماء أيضاً بتدريب ندى على طريقة استخدام هاتفها الذكي للترويج لمنتجات والدتها عبر شبكة الإنترنت. كما أرشدتهما إلى أفضل طريقة لتعبئة المنتجات وتسويقها، وعن ذلك قالت مرزوقة: "لم أكن أعرف عن التسويق الرقمي قبل أن أحضر هذا التدريب.. لقد زاد دخلنا بسبب هذا المشروع، وعملنا يكبر يوماً بعد يوم."
وتستهدف حملة "وعي" حالياً المجتمعات الفقيرة مع التركيز بشكل خاص على الأسر المستفيدة من برنامج "تكافل وكرامة" للتحويلات النقدية الذي ترعاه وزارة التضامن الاجتماعي. وهو البرنامج الوطني الرائد للحماية الاجتماعية في مصر، حيث تم إطلاقه في عام 2015 بمساندة من البنك الدولي. كما تم دعم تحقيق أهدافه في عام 2020 بإطلاق برنامج فرصة لتحقيق الشمول الاقتصادي.
ويقدم برنامج "تكافل" تحويلات نقدية شهرية مشروطة للأسر الفقيرة التي لديها أطفال ممن تقل أعمارهم عن 18 عاماً، بشرط امتثالها لشروط البرنامج فيما يخص الصحة والتعليم. ويقدم برنامج "كرامة" تحويلات نقدية غير مشروطة للفقراء المسنين والأيتام والأرامل وذوي الإعاقة. وحتى ديسمبر/كانون الأول 2023، وصل البرنامج إلى 4.67 ملايين أسرة (نحو 17 مليون مواطن)، كما أن 74% من حاملي بطاقات المشاركة في البرنامج من النساء.
وقع الاختيار على القضايا والرسائل الاجتماعية التي يركز عليها برنامج "وعي" بناء على حوار مجتمعي ومناقشات جماعية مكثفة مع المستفيدات من برنامج "تكافل وكرامة" اللاتي ساعدن في تحديد القضايا والأعراف الاجتماعية التي تؤثر على حياتهن. وبرنامج "وعي" عبارة عن شراكة جماعية بين الحكومة المصرية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والعديد من المانحين؛ مثل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والوكالة الألمانية للتنمية الدولية، ويرتبط بشكل وثيق ببرنامجي "تكافل وكرامة" و"فرصة"، وأيضاً بالعديد من الإجراءات التدخلية التي تجمع بين المساعدات النقدية والدعم التكميلي التي يساندها البنك الدولي.
استخدمت وزارة التضامن الاجتماعي نهجاً متكاملاً يستند إلى السجل الاجتماعي الديناميكي لبرنامج "تكافل وكرامة" لربط المستفيدين بالبرنامج بغيره من البرامج الاجتماعية الرئيسية القائمة (مثل التأمين الصحي الشامل، ودعم المواد الغذائية، وغيرها)، فضلاً عن تحديد الإجراءات التدخلية المناسبة لتحسين مختلف جوانب جودة حياة المستفيدين، من خلال استحداث أدوات الحماية الاجتماعية التي تستهدف استكمال الدور الذي تؤديه التحويلات النقدية.
وهناك نوع من التشابك والتكامل بين برنامجي "تكافل وكرامة" و"وعي"، حيث يوفر "تكافل وكرامة" منصةً يمكن من خلالها تحديد المستفيدين من برنامج "وعي" والتواصل معهم بشكل فعال. كما أن برنامج "وعي" وحملاته للتوعية المجتمعية تساهم في التعجيل بالوفاء بشروط استحقاق التحويلات النقدية لبرنامج "تكافل وكرامة" في الصحة والتعليم، ومنها التوعية بأهمية الفحوصات الطبية المستمرة للأمهات والأطفال، والأهمية البالغة لمواصلة الأطفال تعليمهم.
يعد التنوع في خطة التواصل والتوعية مكوناً أساسياً في برنامج "وعي"، حيث يضمن توصيل رسائل التوعية بالشكل المطلوب، كما أن كل حملة من حملات البرنامج التي تركز على قضية اجتماعية معينة تحمل شعاراً خاصاً بها تتم صياغته بطريقة بسيطة وجذابة. كما أن استخدام اللهجات والألفاظ شائعة الاستخدام على المستوى المحلي يمكن أن تساعد الحملات في جذب انتباه الجماهير وتسهيل استيعابهم للرسائل المطلوبة.
يعمل موظفو برنامج "تكافل وكرامة" من الأخصائيين الاجتماعيين و الرائدات الريفيات والعمال المحليين، البالغ عددهم 15 ألفاً، كعوامل للتغيير، ومن بينهم رجال ونساء. كما يؤدي المتطوعون من المنظمات غير الحكومية دوراً بارزاً في تطبيق أساليب برنامج "وعي" للتواصل والتوعية، حيث يتحدثون مباشرة إلى المستفيدين من خلال إجراء الزيارات المنزلية وعقد الندوات. ويعتمد البرنامج أيضاً على القيادات الدينية والمحلية، والإعلانات التلفزيونية والإذاعية، وأيضاً على محتوى وسائل التواصل الاجتماعي على القنوات الحكومية لوزارة التضامن الاجتماعي. كما تُستخدم مقاطع من الأفلام المصرية الشهيرة، التي تتناول القضايا ذات الصلة، كوسيلة لتعزيز رسائل البرنامج وتنشيط الحوار بشأنها على وسائل التواصل الاجتماعي.
تعتبر شيماء وغادة مثالين بارزين على أشخاص يعيشون على أرض الواقع ويحققون أقصى استفادة من برنامجي "تكافل وكرامة" و"فرصة" للمرأة المصرية. ويشكل تمكين المرأة أحدَ محاور التركيز الأساسية في إطار الشراكة الإستراتيجية بين مصر ومجموعة البنك الدولي للسنوات 2023-2027.
ويتمثل الهدف الثاني رفيع المستوى لإطار الشراكة الإستراتيجية في "تعزيز نواتج رأس المال البشري"، كما يركز على مساندة تقديم مستوى أفضل من الخدمات الصحية والتعليمية الشاملة، بالإضافة إلى مساندة برامج الحماية الاجتماعية. ويتم ذلك من خلال برامج مثل "تكافل وكرامة"، وكذلك من خلال العديد من الدراسات التحليلية مثل مراجعة الإنفاق العام لقطاعات التنمية البشرية التي تتناول كفاءة وفعالية برامج التنمية البشرية بما في ذلك المساعدات الاجتماعية، والدراسة الخاصة بالأعراف والتقاليد الاجتماعية ومشاركة المرأة في القوى العاملة في مصر التي أجريت بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة، والتي بحثت الأعراف الاجتماعية والمتعلقة بالمساواة بين الجنسين وكيف تلعب دوراً كبيراً في تحديد إمكانية عمل المرأة، ونوع العمل الذي يمكنها القيام به، وما هي المسؤوليات التي تضطلع بها بخلاف العمل مدفوع الأجر.
من جانبه، يلتزم البنك الدولي بتعزيز آفاق ورفاهة الفتيات والنساء المصريات، فهن يمثلن محركاً أساسياً للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في مصر.