التعليم قاطرة قوية للتنمية وهو أحد أقوى الأدوات للحد من الفقر وتحسين الصحة وتحقيق المساواة بين الجنسين والسلام والاستقرار. ويساعد تعليم الأطفال على أن تعيش أسرهم مستقبلاً أفضل. وتشكل مهارات القراءة جانباً ضرورياً لمواصلة التعلم في المستقبل، وكذلك لتعظيم الإنتاجية وتحسين الصحة في وقت لاحق في الحياة.
تتطلب سوق العمل الحديثة أيضاً تزويد طلاب اليوم بمجموعات من المهارات تختلف اختلافاً تاماً عما ظلت تقدمه أنظمة التعليم التقليدية لسنوات. ولهذا السبب تضع مصر إصلاح التعليم على رأس أولويات عملية التنمية التي تشهدها.
في عام 2018، أطلقت الحكومة المصرية برنامجاً وطنياً لإصلاح التعليم بدعم من البنك الدولي، وقد تحققت بالفعل عدة إنجازات، ومن المنتظر تحقق إنجازات أخرى.
ويعد نظام الامتحانات الجديد أحد العناصر الرئيسية لعملية الإصلاح الجارية، وسيعمل هذا النظام على تحويل اهتمام الطلاب من التعلم بطريقة الحفظ والتلقين وتحصيل الدرجات إلى التحلي بالمهارات العليا، التي تتضمن المهارات التحليلية ومهارات التفكير النقدي، فضلا عن تعزيز قدرات الطلاب على البحث والتقصي والاستكشاف. ويشجع هذا التحول الطلاب على التعلم مدى الحياة - وليس من أجل الامتحانات فحسب - من خلال إكسابهم مجموعة واسعة من مهارات التعلم الذاتي التي يرجح أن تكون أوثق صلة بفرص العمل التي ستتوفر لهم في السوق العالمية في ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين.
في هذا الصدد، قالت إحدى طالبات الصف الأول الثانوي بفخر "يشجعني نظام الامتحانات الجديد على الاعتماد على النفس في مسيرة تعلمي، كما يشجعني على المزيد من القراءة والاطلاع، وللعلم فإن والدي مريض، وأحيانا تمكنني قراءاتي في علم الأحياء من مساعدته". وأضافت: "عندما أصبح أماً، سأشجع أطفالي أيضا على القراءة".
يهدف مشروع البنك الدولي لدعم إصلاح التعليم في مصر إلى مساندة جهود الدولة من خلال تحسين فرص الالتحاق برياض الأطفال وتحسين جودة التعلم في هذه المرحلة، ووضع نظام عادل وموثوق لتقييم الطلاب ووضع الامتحانات، وتعزيز قدرات المعلمين والقادة التربويين، واستخدام تكنولوجيا التعليم لتحسين عملية التدريس والتعلم، وتقييم الطلاب، وجمع البيانات، فضلا عن توسيع نطاق استخدام مصادر التعلم البديلة.
وحتى الآن، دعم المشروع إعداد وحدات تدريبية جديدة سيتم تعميمها على 70% من معلمي رياض الأطفال بين أبريل/نيسان، وسبتمبر/ أيلول 2024، بالإضافة إلى وضع نظام جديد لضمان الجودة سيتم تعميمه في البداية في 35% من رياض الأطفال؛ وسيساهم كل هذا في تحسين تعلم الأطفال وإعدادهم للالتحاق بالمدرسة. ويجري تطبيق نظام الامتحانات الجديد الذي يتسم بالاعتماد على مهارات التفكير العليا على 3 دفعات من طلاب المرحلة الثانوية (أكثر من مليوني طالب وطالبة). ومنذ عام 2020، أدى استخدام مصادر التعلم المختارة (القنوات الرقمية والقنوات التعليمية التلفزيونية) إلى استفادة الطلاب وأولياء الأمور والمعلمين. وساند المشروع أيضاً إجراء جولتين من تقييم الصف الرابع مع التركيز على اللغة العربية والرياضيات لتقييم التعلم والتصدي للتحديات.
وحسبما هو متوقع إزاء إصلاح بهذا الحجم، سيكون لزاماً مواجهة العديد من التحديات لضمان التنفيذ الفعال، وأول هذه التحديات هو تغيير المفاهيم في أوساط المعلمين والطلاب وأولياء الأمور. ويعمل النهج المتبع في نظام التعليم الجديد على إعداد الطلاب وتزويدهم بالمهارات اللازمة للنجاح في العمل مستقبلاً. وفي الوقت نفسه، يتعارض النظام الجديد في كثير من جوانبه مع المعتقدات التي ترسخت طويلاً لدى الطلاب وأولياء الأمور بأن الغرض الرئيسي من التعليم هو حفظ محتوى المواد وتحصيل أعلى الدرجات في الامتحانات.
وفي هذا السياق، قال أحد طلاب الصف الأول الإعدادي "والدتي قلقة للغاية من أنني لن أحصل على درجات مرتفعة في الشهادة الإعدادية، وهي تحاول إخفاء ذلك، لكني أشعر بما لديها من قلق".
إن التركيز على الحصول على أعلى الدرجات من خلال حفظ المعلومات يضع أيضاً ضغوطاً على الطلاب أنفسهم، وغالباً ما يتسبب في إهمالهم لوقت الترفيه الضروري لتطورهم على نحو صحي ولرفاهتهم. وفي هذا الشأن، قالت إحدى طالبات المرحلة الثانوية "كنت أتدرب على السباحة، وكان يجب أن أشارك في بطولة الآن وكنت مؤهلة للحصول على ميدالية، لكني قررت التوقف عن ممارسة السباحة لأتمكن من التركيز على دراستي، واتخذت ابنة عمي القرار نفسه".
تشكل تكلفة الدروس الخصوصية والآثار المترتبة على تغيب بعض الطلاب عن المدرسة بسبب حضورهم الدروس الخصوصية تحدياً أيضاً.
وبالإضافة إلى التصورات الراسخة منذ زمن بعيد، هناك عناصر أخرى تشكل تحدياً أمام نظام التعليم، منها انخفاض معدلات الالتحاق برياض الأطفال، والتطوير المهني للمعلمين والقادة التربويين، فضلاً عن قصر مدة السنة الدراسية، حيث تبلغ 120 يوماً في مصر مقابل 190 في إسكتلندا. ومن الضروري أيضاً زيادة وتحسين الإنفاق على التعليم من أجل زيادة عدد المدارس والمعلمين في ظل اكتظاظ الفصول ونقص عدد المعلمين بسبب القيود المفروضة على تعيين الموظفين العموميين على مستوى الدولة.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه تنفيذ عملية الإصلاح، يرى الطلاب مزايا لهذا التغيير. وعن ذلك، يقول أحد طلاب المرحلة الثانوية: "ما يميزني عن طلاب المرحلة الثانوية الذين دخلوا الامتحانات في ظل النظام القديم هو أن فرصي أكبر في الوصول لمصادر المعلومات الرقمية، وهو ما يزيد من فرص حصولي على وظيفة جيدة". ووافقه الرأي زميله مضيفاً أن نظام الامتحانات الجديد والمصادر الرقمية يعززان مهاراتهم في التفكير النقدي وقدرتهم على مواجهة التحديات.
تجدر الإشارة إلى أن دعم إصلاح نظام التعليم في مصر يتسق مع إطار الشراكة الإستراتيجية للبنك الدولي مع مصر للسنوات المالية 2023-2027، الذي يركز على تحسين نواتج رأس المال البشري، بما في ذلك توفير التعليم الذي يلبي احتياجات سوق العمل في المستقبل.