يقول محمد بشير شابو، الذي وُلِد ونشأ في طنجة بالمغرب، إن المحيط ليس مجرد جزء من الحياة، بل هو الحياة. وعلى مدار عقود، كان المحيط مصدر رزقه، حيث أسهمت تجارة السردين والأنشوجة والماكريل في زيادة دخله، فضلاً عن تعزيز الاقتصاد الأزرق الحيوي في المغرب، ولكن مع انخفاض المخزون السمكي، تراجع دخله. ورغم التحديات العديدة، لا يزال ارتباط محمد بالمحيط وثيقاً، مما يُعد شهادة على العلاقة القوية بين المجتمعات الساحلية والبحر.
يعيش ثلثا السكان على سواحل المغرب، حيث تمثِّل هذه المناطق 59% من إجمالي الناتج المحلي و52% من فرص العمل. وفي مواجهة تغيّر المناخ، تضاعف المملكة جهودها للتكيّف مع التغيرات المناخية من خلال استكشاف سُبُل لتعزيز اقتصادها الأزرق. وفي جميع أنحاء القارة، عملت المملكة على تسخير قدرتها على جمع الأطراف لإطلاق مبادرة الحزام الأزرق، وهي منصة تضم 31 بلداً عضواً، منها 23 بلداً أفريقياً، تهدف إلى إيجاد حلول مستدامة للاقتصاد الأزرق.
وفي هذا السياق صرح عبد المالك فرج، المدير العام للمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري بالمغرب: "لا يمكننا تطوير وتنمية اقتصادنا الأزرق دون تضافر جهودنا مع جميع البلدان، لا سيمّا الأفريقية. وأضاف قائلاً، "نحن نتشارك الموارد ويجب أن نتعاون سوياً للحفاظ عليها، وبالتالي، لا يمكننا القيام بذلك بشكل فردي، فنحن بحاجة إلى آلية للتعاون تهدف إلى الحفاظ على المحيطات ومواردها، وتبادل قصص النجاح."
يُعد الاقتصاد الأزرق دافعاً قوياً لتحقيق النمو الاقتصادي في أفريقيا، لا سيمّا في البلدان الساحلية. وفي عام 2019، أشارت تقديرات الاتحاد الأفريقي إلى أن الاقتصاد الأزرق أسهم بحوالي 300 مليار دولار في اقتصادات القارة وخلق 49 مليون وظيفة.
تُعد الأغذية الزرقاء؛ مثل الأسماك والمأكولات البحرية والأعشاب البحرية، من مهنة صيد الأسماك إلى تربية الأحياء المائية على نطاق واسع، جزءاً لا يتجزأ من تحسين التغذية والأمن الغذائي لملايين البشر. وعلى الصعيد العالمي، يحصل 3.3 ملايين شخص على 20% من البروتين الحيواني من الأغذية المائية. ففي اليمن، حيث يعاني الأطفال دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، توفر الأغذية الزرقاء وسيلة فعّالة لتعزيز الأمن الغذائي على المدى الطويل. ويمكن توفير الأغذية الزرقاء للمجتمعات البعيدة عن الساحل من خلال تطبيق التقنيات الحديثة في التصنيع لزيادة مدة الصلاحية وتقليل خسائر ما بعد الحصاد. وبالمثل، فإن إيجاد فرص عمل في مجالات مصائد الأسماك، وتربية الأحياء المائية، والنقل البحري، والحفاظ على البيئة البحرية، والسياحة المستدامة، والطاقة المتجددة، والمعروفة بالوظائف الزرقاء، يمكن أن يضمن استدامة سُبل كسب العيش.
وفي سياق متصل، صرح بوبرت ماهاتنتي، وزير مصائد الأسماك والاقتصاد الأزرق في مدغشقر: "سيصل عدد سكان أفريقيا إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2025." وأردف قائلاً، "كيف يمكننا تلبية الاحتياجات حينئذٍ من حيث توفير الغذاء وفرص التشغيل؟ الإجابة ببساطة من خلال اقتصاد أزرق ومستدام ومنصف ومسؤول يساعدنا على النهوض بشبابنا وتقديم سبل الرعاية لنسائنا."
تُحرز أفريقيا والشرق الأوسط تقدماً ملحوظاً، ولكن الطريق إلى الاستغلال الأمثل لإمكانات الاقتصاد الأزرق لا يخلو من التحديات.
التحديات المشتركة
يُعدّ الاقتصاد الأزرق مساراً واعداً نحو تحقيق التنمية المستدامة في أفريقيا، ومع ذلك فإنه ليس من السهل تحقيق الاستغلال الأمثل له بسبب تحديات تتمثل في غياب أنظمة الرقابة، وانتشار الأنشطة غير القانونية على نطاق واسع، وخاصةً الصيد الجائر.
يواجه صغار الصيادين تناقص المخزون السمكي بسبب ممارسات الصيد غير القانونية وعدم تقنين هذه الممارسات والإبلاغ عنها. وبالمثل، يهدد الاستغلال المفرط في منطقتي البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، التنوع البيولوجي البحري وسُبل العيش للمجتمعات المحلية.
ويؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر، وارتفاع درجة حرارة المياه، وزيادة حموضة المحيطات، التي تفاقمت بسبب تغيّر المناخ، إلى تدهور النظم الإيكولوجية الساحلية، وهروب تجمعات الأسماك بعيداً عن مناطق الصيد التقليدية، وفي الوقت نفسه يهدد تآكل السواحل المنازل والبنية التحتية. وتجسّد شواطئ مدينة الحمامات الرائعة في تونس هذه المشكلة بوضوح، حيث أدى التآكل إلى فقدان 24 ألف متر مربع من مساحة الشاطئ خلال الفترة ما بين 2006 - 2019، بمعدل فقد يصل إلى 8 أمتار سنوياً، وسيستمر تغيّر المناخ في التأثير سلباً ما لم تُعتمد إستراتيجيات تكيف فعّالة.
يؤثر التلوث بالمواد البلاستيكية الناتج عن النفايات، ومياه الصرف غير المعالجة، والجريان السطحي من النفايات الزراعية، على المياه الساحلية في جميع أنحاء القارة. ويساهم سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكثر من 6 كيلوغرامات من النفايات البلاستيكية للفرد سنوياً، تتدفق إلى المناطق البحرية، مقارنةً بنحو 5 كيلوغرامات في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.
ولا يزال العديد من أصحاب الأعمال الصغيرة وصائدي الأسماك في جميع أنحاء القارة، يجدون صعوبة في الحصول على التمويل اللازم لتحسين أنشطة أعمالهم والوصول إلى أسواق جديدة. وفتح آفاق الاستثمار غاية في الأهمية لخلق وظائف زرقاء مستدامة وبناء اقتصادات ساحلية قادرة على الصمود.
الفرص المتاحة في مجال الأغذية والوظائف الزرقاء
رغم هذه التحديات التي أشرنا إليها، لا تزال أفريقيا قادرة على تحقيق الاستغلال الأمثل للاقتصاد الأزرق من أجل النمو المستدام. ويُعدّ التخطيط الإستراتيجي بالغ الأهمية، إذ يمكّن البلدان من اتخاذ قرارات مستنيرة وصائبة بشأن تخصيص الموارد على النحو الأفضل.
الدور الاستباقي الداعم للبنك الدولي: البنك الدولي هو أحد أكبر ممولي الاقتصاد الأزرق، وقد قام بزيادة محفظة استثماراته من 5 مليارات دولار في السنة المالية 2018، إلى أكثر من 10 مليارات دولار في السنة المالية 2024. ومن خلال البرنامج العالمي للاقتصاد الأزرق بروبلو وهو صندوق استئماني متعدد المانحين، عمل البنك الدولي على تسريع وتيرة التقدم، وذلك بتخصيص استثمار قيمته 280 مليون دولار في 100 بلد، معظمها في أفريقيا.
تتمثل أهم جوانب الدعم المقدم في استعادة المخزونات السمكية، فقد حققت مصر، التي تعد رائدة في أفريقيا في مجال تربية الأحياء المائية، تقدماً ملحوظاً على مدار العقدين الماضيين، حيث أسهمت في توفير الدخل وفرص العمل للمجتمعات الريفية، بالإضافة إلى تقليل الضغط على الأرصدة السمكية البحرية. وتُلبى تربية الأحياء المائية حوالي 80% من احتياجات الطلب على الأسماك. وساهمت المساعدة الفنية التي قدَّمها البنك الدولي في تعزيز صحة الأسماك، والأمن الغذائي، واستدامة تربية الأحياء المائية، فضلاً عن تعزيز القدرة على الصمود في مواجهة مخاطر تغيّر المناخ.
وفي المغرب، يركِّز دعم البنك الدولي على تطوير اقتصاد أزرق قادر على الصمود في مواجهة تغيّر المناخ، من خلال برنامج الاقتصاد الأزرق، في إطار أداة التمويل وفقاً للنتائج، بتكلفة إجمالية تبلغ نحو 350 مليون دولار. وتشمل الأنشطة تحسين استدامة قطاع مصائد الأسماك، واستعادة الغابات الساحلية، وإنشاء مناطق بحرية محمية، وإنشاء مزارع تربية الأحياء البحرية.
وفي موزامبيق، ركّز برنامج مصائد الأسماك الأكثر استدامة، في إطار برنامج إدارة مصائد جنوب غرب المحيط الهندي، والنمو المشترك، على تعزيز المكاسب الاقتصادية من صيد الأسماك وتربية الأحياء المائية. ولقد كان للمنح المماثلة المقدَّمة للأفراد والأسر والمؤسسات التجارية تأثير حقيقي على تحسين سُبل كسب العيش.
تقول راكيل إرنستو، التي تبلغ من العمر 47 عاماً ومن سكان كيليماني في موزامبيق، إحدى المستفيدات من برنامج مصائد الأسماك الأكثر استدامة: "كنت أواجه في السابق، صعوبات مالية، وأكافح لتلبية احتياجاتي المعيشية، حيث لم يعد بيع الأسماك المجففة مربحا." وأضافت قائلة: "لقد مكنتني الثلاجة التي حصلت عليها من البرنامج من بيع الأسماك الطازجة المبرَّدة بالثلج، مما ساعد في زيادة نشاطي التجاري، واستطعت بفضل ذلك الادخار لبناء منزل جديد."
تعتبر السواحل الصحية والمنتجة عنصراً أساسياً لتحقيق الاستخدام المستدام للموارد البحرية. ويؤكد برنامج إدارة المناطق الساحلية في غرب أفريقيا، الذي تبلغ تكلفته 630 مليون دولار ويشمل 9 بلدان، على الترابط الوثيق بين الأنظمة البيئية والاجتماعية. وتتضافر جهود استعادة السواحل سريعة التآكل والمعرضة للفيضانات، مع جهود دعم المجتمعات المحلية، وخاصة النساء، لتحسين قدرتها على التكيف مع البيئة المتغيرة.
لطالما كانت السياحة عاملاً مهماً في اقتصادات البلدان الساحلية مثل تونس، حيث تساهم سياحة الشواطئ بنسبة 13% من إجمالي الناتج المحلي، ويوفر قطاع السياحة نحو مليوني وظيفة. ومنذ عام 2020، تساند الشراكة المستدامة مع البنك الدولي التحول نحو سياحة ساحلية مستدامة وقادرة على الصمود في مواجهة تغيّر المناخ، مما يُسهم في خلق وظائف زرقاء والحفاظ على النظم الإيكولوجية البحرية.
ونظراً للطبيعة العابرة للحدود للموارد البحرية، يولي نهج البنك الدولي أهمية خاصة للتعاون والتكامل الإقليميين باعتبارهما ضروريين لنجاح الاقتصاد الأزرق.
كما يوفر برنامج التنمية المستدامة لمصائد الأسماك في البحر الأحمر وخليج عدن، الذي يُعد الأول من نوعه في المنطقة، منصة للبلدان لتحديد الحلول بشكل جماعي، بهدف إدارة مصائد الأسماك على نحو مستدام، وتحسين الأمن الغذائي. وفي اليمن، حصل 1552 منتجا متناهي الصغر (831 منهم من النساء) على منح لتحسين أنشطتهم في سلسلة القيمة الخاصة بمصائد الأسماك.
ومع استعادة بلدان غرب أفريقيا لبيئاتها الساحلية، فإن العمل بشكل منفرد لن يكون مجدياً، حيث تتجاوز العمليات الجيومورفولوجية الطبيعية الحدود الوطنية. كما ساهم برنامج إدارة المناطق الساحلية في غرب أفريقيا في استعادة 41 كيلومتراً من الخط الساحلي على الحدود بين توغو وبنين. ونتيجة لذلك، يتمتع نحو 167 ألف شخص الآن بالحماية من مخاطر التآكل والفيضانات.
الطريق في المرحلة القادمة
من ساحل المحيط الأطلسي إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، يفتح الاقتصاد الأزرق مسارا نحو التنمية المستدامة، وتعزيز الأمن الغذائي، وخلق فرص العمل. ويعد المحيط شريان الحياة بالنسبة للمجتمعات الساحلية، ويمكن لأفريقيا تعزيز قدرة المحيطات على الصمود ودعم سُبل كسب العيش التي تعتمد عليه، من خلال الاستثمار في الممارسات المستدامة، وحماية النظم الإيكولوجية البحرية، وتعزيز الابتكار والاستثمار. ويعتمد مستقبل هذه المناطق الساحلية على الإدارة المسؤولة للمحيط، حيث إنه أغلى ما تملك من مقومات.
وتعقيباً على ذلك يقول جورج مبا-أسيكو، رئيس قسم الاقتصاد الأزرق بمفوضية الاتحاد الأفريقي: "لقد اكتشف العالم قارة أفريقيا من خلال الطرق البحرية والنهرية، ولكن ما يؤسف له، أننا تناسينا أن هذه الطرق كانت نقاط الانطلاق لتنمية اقتصاداتنا، وبالتالي، علينا العودة مجدداً للاستفادة من الخيرات التي تجود بها المحيطات دعماً لتنمية القارة."