واجهت "أعطاف"، وهي مواطنة من مدينة "جرزونة" بولاية "بنزرت" في تونس، تحولاً درامياً في حياتها عندما تعرض زوجها للسجن. ونظراً لأنها لم يكن لديها مصدر دخل آخر غير عمل زوجها، ومع وجود ابنتين صغيرتين تتكفل برعايتهما، أصبحت مثقلة بالهموم والضغوط. ومع ذلك، قدم لها برنامج شهري للتحويلات النقدية يسمى "برنامج الأمان الاجتماعي" شريان الحياة خلال وقت الحاجة. ولم يمنحها هذا البرنامج تحويلاتٍ نقدية شهرية دائمة فحسب، بل أيضاً تحويلات نقدية للعودة للمدارس، وتحويلات نقدية سنوية تواكب المناسبات الدينية، وبطاقة رعاية صحية لأفراد أسرتها، حيث تم توفير جميع خدمات الرعاية الصحية مجاناً. وأبرزت "أعطاف" كيف أسهم البرنامج في منحها هي وأسرتها القدرةَ على الصمود بقولها: "عندما يفتح البرنامج أمامك كل أبواب الفرص، تصبح متفائلاً بشأن المستقبل."
ويُعد برنامج الأمان الاجتماعي مبادرة للمساعدة الاجتماعية تم إطلاقها في عام 2019 بمساندة من البنك الدولي، وتقوم بتنفيذها وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث يستهدف المواطنين الأكثر احتياجاً والأولى بالرعاية في تونس. ويوفر البرنامج تحويلات نقدية دائمة، وتسمى أيضاً تحويلات نقدية شهرية، بالإضافة إلى الخدمات الطبية وفرص التمكين الاقتصادي. كما يوفر البرنامج خدمة إضافية للفئات الأشد فقراً والأكثر احتياجاً تتمثل في تقديم منحة عائلية بقيمة 30 ديناراً شهرياً لفائدة الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين يوم و5 سنوات، فضلاً عن تعزيز خدمات التغذية والرعاية الصحية والتعليم للأطفال من ذوي الأسر الفقيرة والدخل المنخفض. ويستفيد من برنامج الأمان الاجتماعي حالياً ما يقرب من 156 ألف طفل ينتمون إلى 103 آلاف أسرة مسجلة في السجل الاجتماعي للبرنامج.
ومن خلال تلبية الاحتياجات الفورية وتعزيز الاكتفاء الذاتي على المدى الطويل، يستهدف البرنامج تحسين الأحوال المعيشية للمستفيدين بشكل عام. اعتباراً من ديسمبر 2023، غطى البرنامج أكثر من 333 ألف أسرة فقيرة (أكثر من 10% من السكان) من خلال التحويلات النقدية الشهرية وأكثر من 620 ألف أسرة منخفضة الدخل بخدمات الرعاية الصحية المجانية والمدعومة.
مستفيدة أخرى من البرنامج تُدعى "ألفة"، وهي أم لطفلين من ولاية "توزر"، وواجهت صعوبات كبيرة بعد تعرض زوجها لحادث. ونظراً لأنها أصبحت غير قادرة على دفع إيجار مسكنها لعدة أشهر، فقد لجأت إلى برنامج الأمان الاجتماعي للحصول على المساعدة. وقدم البرنامج منحاً لأطفالها، بما في ذلك المنحة العائلية المخصصة للأطفال الأقل من 5 سنوات، إلى جانب التحويل النقدي الشهري، مما مكنها من تحقيق الاستقرار في أحوال أسرتها. وقالت "ألفة": "تعتبر التحويلات النقدية مفيدة للغاية"، حيث تعول النساء 54% من الأسر التي تتلقى تحويلات نقدية شهرية.
وتواجه تونس تحديات اقتصادية كبيرة منذ عام 2011، تفاقمت بسبب جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وموجات الجفاف الشديد. ومع تراجع نمو إجمالي الناتج المحلي، وتضخم أسعار الغذاء، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بنسبة 16.4%، يكافح الكثير من الناس بصفة يومية. وفي هذا السياق، يساعد برنامج الأمان الاجتماعي على التخفيف من حدة هذه التحديات عن طريق تقديم المساعدات الاجتماعية الأساسية.
وفي أثناء جائحة كورونا، قام البرنامج بتوزيع التحويلات النقدية الطارئة على ما يقرب من 900 ألف أسرة تونسية، حيث كانت هناك أكثر من 630 ألف أسرة تم تسجيلها بالفعل في السجل الاجتماعي للبرنامج، مما يدل على استجابة البرنامج للتكيف مع مثل هذه الصدمات والتخفيف من المصاعب الاقتصادية.
وأعطى هذا المشروع الأولوية للتحول الرقمي، حيث أصبحت 44.4% من التحويلات النقدية تتم رقمياً في الوقت الحالي وأكثر من 76% من المستفيدات يتلقين المدفوعات عبر قنوات رقمية.
مستفيد ثالث من برنامج الأمان الاجتماعي واسمه "عبد الله" يعاني إعاقة جسدية، ويستعرض خدمات الرعاية الصحية التي يوفرها البرنامج وكيف أسهمت في تغيير حياته. وقد واجه "عبد الله"، وهو مواطن من مدينة "مرناقية" التابعة لولاية "منوبة"، ظروفاً جسدية ونفسية قاسية جعلته يلازم بيته لأكثر من عام. بالإضافة إلى ذلك، فقد تسببت جائحة كورونا في فقدانه لوظيفته بعد إغلاق الشركة الخاصة التي كان يعمل بها. وعندما تقدم بطلب للحصول على المساعدة من وزارة الشؤون الاجتماعية، قام برنامج الأمان الاجتماعي بتزويده بطرف صناعي، مما ساعده على استعادة قدرته على الحركة والشعور بالحياة الطبيعية. وقال "عبد الله": "عندما استخدمت الطرف الصناعي ووقفت على قدمي، شعرت وكأنني ولدت من جديد".
هذه مجرد قصص قليلة من تونس عن برنامج الأمان الاجتماعي وعن عمق تأثيره في حياة المستفيدين منه. ومن خلال توفير شبكة أمان اجتماعي تشتد الحاجة إليها وتعزيز التمكين الاقتصادي، يساهم البرنامج في تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. وتلتزم مجموعة البنك الدولي بمساعدة تونس في تحقيق أهدافها الإنمائية الوطنية على النحو المبين في إطار الشراكة الإستراتيجية للفترة 2023-2027.
وفي إطار الشراكة الإستراتيجية الجديد، ستعمل مجموعة البنك الدولي مع الحكومة التونسية في سعيها للحد من الفقر وخلق مستقبل أكثر شمولاً للجميع، وقدرة على الصمود واستدامة لجميع التونسيين. ويركز هذا النهج على ثلاثةٍ من المجالات ذات الأولوية وهي:
- تعزيز رأس المال البشري: يأتي على رأس قائمة الأولويات، كما أنه من الأسس التي تقوم عليها التنمية في تونس على المدى الطويل
- المرونة الاجتماعية: مساندة جهود الحكومة لتعزيز قدرة المجتمع على مواجهة الصدمات والأزمات.
- التنمية البشرية: تخصيص استثمارات كبيرة لتلبية الاحتياجات العاجلة في مجال التنمية البشرية.
ولهذا السبب يخصص البنك الدولي 40% من محفظة عملياته في تونس للمبادرات الحكومية التي تركز على بناء المرونة الاجتماعية والتنمية البشرية، مثل برنامج الأمان الاجتماعي. ولا يقدم البنك الدولي المساندة المالية فحسب، بل أيضاً المعرفة والخبرة لتعزيز استهداف البرنامج وزيادة فاعليته. ومع استمرار تونس في مواجهة تحدياتها الاقتصادية، تعد البرامج، مثل برنامج الأمان الاجتماعي منارة للأمل، كما تؤدي دوراً أساسياً في بناء مستقبل أكثر قدرة على الصمود لجميع التونسيين.