• تُظهر الجهود المبذولة لتعزيز الإيرادات علامات مُبشِرة، حيث تشير التوقعات إلى زيادة نسبة الإيرادات المحلية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.5% بحلول عام 2030.
• يمكن أن يسهم التعاون بين مختلف الأجهزة الحكومية، فضلاً عن الشراكات بين الدولة ومقدمي الخدمات من القطاع الخاص، في الارتقاء بمستوى تقديم الخدمات
• يوصي التقرير بخيارات على صعيد السياسات تستند إلى الشواهد والأدلة وتتطلب مشاركة واسعة من أصحاب المصلحة ومناقشات لإثراء رؤية الألفية 2060 للصومال.
لا ينفصل بناء الدولة ولا شرعية الدولة في البلدان التي نجحت في الإفلات من الهشاشة عن فكرة العقد الاجتماعي. وفي البلدان التي لا يعرف فيها الشباب سوى انعدام الجنسية، يصبح بناء عقد اجتماعي جديد بكامل أبعاده من الأمور الحتمية.
فما الذي يمكن أن يتوقعه المواطنون بشكل شرعي من الدولة؟ وهل يجب أن يقتصر دور الدولة على توفير الأساسيات فقط - الأمن العام والنظام الاجتماعي - أم أنه يجب أن يتعداها ليشمل السلع والخدمات العامة في نطاقها الأوسع، مثل خدمات البنية التحتية والمياه النظيفة والصحة العامة والتعليم؟ أما الإجابات على هذه الأسئلة فتحددها قدرة الدولة على توفير ما تستطيع سداد تكلفته.
لقد أحرز الصومال تقدماً كبيراً في رحلة بناء الدولة منذ عام 2012، حيث خرج من أكثر من ثلاثة عقود من اعتباره دولة مفككة غارقة في صراعٍ مسلحٍ، حيث اعتمد دستوراً مؤقتاً وأنشأ دولة ذات نظام فيدرالي.
رغم محدودية الإجراءات التي اتخذها الصومال، فقد بدأت البلاد في إعادة بناء نظامها القانوني ونظامها الداخلي، والإدارة العامة الأساسية، وتوفير بعض الخدمات العامة.
كريستينا سفينسون
مدير مكتب البنك الدولي في الصومال
ولكن ما هو شكل الدولة التي يمكن أن يكون عليها الصومال على المدى المتوسط، في ظل محدودية قاعدة إيراداته واعتماده على المنح الخارجية؟ وكيف يمكن للصومال تعزيز إيراداته المحلية وتقديم الخدمات العامة لزيادة الثقة في الدولة وتعزيز شرعيتها وقدرتها على التفاوض فيما يتعلق بالمالية العامة؟
تعزيز تعبئة الإيرادات المحلية
يواجه الصومال تحديات كبيرة في تحقيق القدرة على تحمل التكاليف من جانب الدولة، حيث تبلغ نسبة الإيرادات المحلية إلى إجمالي الناتج المحلي 2.5% فقط، وهي من بين أدنى المعدلات على مستوى العالم. كما أن محدودية قاعدة إيراداته واعتماده الشديد على المساعدات الإنمائية الرسمية لتغطية نحو نصف إنفاقه العام يؤدي إلى تكبيل قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية. ويقل توفير الخدمات في الصومال كثيراً حتى عن الدور الأدنى الذي تقوم به الدولة. وتكشف التوقعات المراعية للقيود على الموارد عن حقائق مثيرة للقلق.
ووفقاً لتقديرات خبراء البنك الدولي، وفي ضوء الاتجاهات الحالية للإيرادات، لن يتمكن الصومال من توفير خدمات التعليم الابتدائي والثانوي المجاني والخدمات الصحية الأساسية بحلول عام 2030 إلا لنحو 25% من السكان. ويتطلب الوصول إلى تغطية نسبة 50% من السكان جهوداً مكثفة لزيادة الإيرادات المحلية إلى 9% على الأقل من إجمالي الناتج المحلي، في حين يتطلب توفير الخدمات الأساسية لنسبة 100% من السكان إيراداتٍ محلية لا تقل عن 15% من إجمالي الناتج المحلي.
وتُظهر الجهود المبذولة مؤخراً لتعبئة الإيرادات علامات مُبشِرة، حيث تشير التوقعات إلى زيادة محتملة في نسبة الإيرادات المحلية لتبلغ 4.5% إلى إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2030. وكما يوضح التقرير، فمن أجل تحقيق تعزيز مستدام للإيرادات، يجب على الصومال توسيع القاعدة الضريبية، وتطبيق ضريبة دخل تصاعدية، ومواءمة التشريعات الجمركية مع البروتوكولات والمعايير المطبقة في البلدان الأعضاء بمجموعة شرق أفريقيا، وتعميق الإصلاحات في الضرائب غير المباشرة (ومنها ضرائب الإنتاج)، واستكمال ترتيبات المواءمة الضريبية وترتيبات تقاسم الإيرادات في جميع أنحاء الصومال. وسيكون من الضروري التصدي للصعوبات التي يعبر عنها كبار دافعي الضرائب، مثل التنافس الضريبي بين السلطات الرسمية من ناحية، وبين السلطات غير الرسمية والرسمية من ناحية أخرى. ويعد تحسين الإدارة الضريبية وتبسيطها وتوحيدها والتواصل الفعال مع دافعي الضرائب وتثقيفهم أمراً بالغ الأهمية لتعزيز دوافع سداد الضرائب والامتثال الضريبي بين مؤسسات الأعمال والمواطنين على حد سواء. ويجب أن تراعي الإصلاحات المتعلقة بالسياسة الضريبية والإدارة الضريبية الآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية المحتملة. كما يُعد بناء الثقة وتحسين الامتثال الضريبي أمراً حيوياً لزيادة الإيرادات على المدى الطويل.
الارتقاء بمستوى تقديم الخدمات
فيما يتعلق بمستوى تقديم الخدمات، لا تزال هناك فجوات كبيرة تعوق قدرة الصومال على تقديم الخدمات في إطار فيدرالي. ففي حين يفضل المواطنون الصوماليون المرافق العمومية بشكل عام، غالباً ما يجبرهم الواقع على الأرض على اللجوء إلى مقدمي الخدمات من القطاع الخاص أو مقدمي الخدمات التقليديين، لأن الخدمات العامة غالباً ما تكون غير متاحة. ومن شأن اتباع نهجٍ تعاوني يشمل جميع مستويات الحكومة والشراكات بين مقدمي الخدمات التابعين للدولة ومقدمي الخدمات التابعين للقطاع الخاص أن يعزز الميزة النسبية الفردية نحو تقديم خدمات أفضل وبذل جهد جماعي لتعزيز العقد الاجتماعي.
وسيتطلب دعم مستوى أكثر استدامة من المساعدة الإنمائية الرسمية إدراج نسبٍ متزايدة من المساعدة الإنمائية الرسمية في الموازنة الوطنية من أجل تعزيز تنسيق تقديم الخدمات ورفع مستوى كفاءتها. ويشكل تطوير خدمات منظومة العدالة أحد الأبعاد ذات الأهمية. ومن أجل تحقيق أقصى قدر من منافع اللامركزية، من الضروري سد الفجوات في القدرات على المستوى المحلي، وضمان مشاركة المجتمعات المحلية في تحديد أولويات الخدمات، ووضع أنظمة قوية تكفل الاستغلال الأمثل للتحويلات الحكومية الدولية والإفصاح عنها، وضمان أن تعزز اللامركزية تقديم الخدمات بفاعلية وكفاءة، بدلاً من التوسع في كشوف الرواتب الإدارية على المستويات دون الوطنية.
ولا تُعتبر هذه التوصيات توجيهات مباشرة باتخاذ إجراءات معينة، بل يجب اعتبارها خيارات على صعيد السياسات تستند إلى الشواهد والأدلة، وتتطلب مشاركة واسعة من أصحاب المصلحة ومناقشات لإثراء رؤية الألفية 2060 للصومال، كما أنها تتناول مساراً واقعياً لتطوير دور الدولة في تقديم الخدمات وتطبيق إستراتيجيات لتعزيز العقد الاجتماعي بين المواطنين والحكومة.
الشكل 1: سيناريوهات متوسطة الأجل تستند إلى المستويات المختلفة لتغطية الخدمات العامة ومحفظة الموارد المتوقعة
المصدر: البنك الدولي (2024) نحو بناء العقد الاجتماعي في الصومال: القدرة على تحمل التكاليف وتعبئة الإيرادات وتقديم الخدمات في دولة اتحادية ناشئة.