يُعد القطاع الخاص في مصر ركيزة أساسية لتحقيق الرخاء في ظل ما تشهده البلاد من ظروف اقتصادية سريعة التغير على الصعيدين العالمي والمحلي. وبوصف مؤسسات القطاع الخاص محركاً للابتكار ونمو الإنتاجية، فإن دورها يُعد محورياً في توفير فرص العمل، وهو العامل الذي تتزايد أهميته يوماً بعد يوم نظراً لأن عدد السكان في سن العمل في مصر ينمو بمعدل 1.2 مليون نسمة سنوياً على مدى السنوات الخمس الماضية. ومع ذلك، فإن الاختلالات الهيكلية القائمة منذ عهد بعيد، بالإضافة إلى سلسلة من الصدمات العالمية تسببت في إعاقة قدرة القطاع الخاص على الإسهام في تحقيق الرخاء الاقتصادي في مصر. وعلى مدى العقد الماضي، بلغ متوسط الاستثمار الخاص في مصر 6.3% فقط من إجمالي الناتج المحلي، أي ما يقرب من خُمس المتوسط في البلدان متوسطة الدخل.
وحددت مصر أهدافاً طموحة في هذا المجال لتحقيقها بحلول عام 2030، وتشمل رفع نسبة مساهمة الاستثمار الخاص إلى 65% من إجمالي الاستثمارات، وجذب نحو 60 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر، وزيادة الصادرات إلى 145 مليار دولار سنوياً. وحققت البلدان النظيرة مثل المغرب وتركيا أهدافاً طموحة مماثلة من خلال اعتماد نهج النمو القائم على التصدير.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف الطموحة، اتخذت مصر عدة خطوات أولية نحو تهيئة بيئة أعمال أكثر ملاءمة لنمو القطاع الخاص. ومن بين هذه الخطوات توحيد سعر الصرف، وعلاج التشوهات الشديدة في سوق النقد الأجنبي، وإصدار العديد من القوانين الجديدة لتحسين الإطار التشريعي الحاكم لبيئة أنشطة الأعمال، والتنفيذ الجاري لسياسة ملكية الدولة، التي تنظم مشاركة الدولة في الأنشطة الاقتصادية.
وفي هذا الإطار، قالت نورهان الجبلي، نائب رئيس الجمعية المصرية لشباب الأعمال، العضو المنتدب لشركة بولي سيرف للأسمدة والكيماويات: "إن أهم إجراء يمكن للحكومة اتخاذه لتهيئة الظروف الداعمة لنمو القطاع الخاص، هو الحد من عدم اليقين في السياسات، من خلال تنفيذ مجموعة مستقرة ومنظمة من اللوائح الخاصة بممارسة أنشطة الأعمال في مصر، وأن تكون
متسقة مع المعايير الدولية.. ويمكن تحقيق ذلك بطرق مختلفة، منها تعديل قوانين الاستثمار الحالية لزيادة تمكين شركات القطاع الخاص وتمكينها من زيادة مستوى مشاركتها في الإنتاج والتصنيع، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات التشغيل، مما يعود بالنفع على المواطنين والاقتصاد المصري ككل."
وتظهر البحوث التي أجرتها مجموعة البنك الدولي، أن مصر لديها فرص واضحة المعالم يمكن استغلالها والاستفادة منها. فقد سلطت الدراسة التشخيصية للقطاع الخاص في مصر التي أجريت في عام 2020 الضوء على الإمكانات المتوفرة لدى بعض القطاعات، مثل قطاع الصناعات الزراعية - حيث أشارت الدراسة إلى أن ما يقرب من 10 مليارات دولار من إمكانات التصدير في الزراعة والأغذية لا تزال غير مستغلة، وكذلك قطاع الصناعات التحويلية - حيث أشارت أيضاً إلى أن متوسط نسبة إجمالي الناتج المحلي، والتشغيل، في عام 2020، بلغ 16.6% و12% على التوالي، وأيضا قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات - حيث نوهت بتمتع مصر بمكانة جيدة تؤهلها لأن تكون مركزاً رقمياً إقليمياً لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. وأشارت الدراسة أيضاً إلى أنه فيما يتعلق بالعديد من الصناعات التحويلية، يمكن للحكومة أن تساند الشركات المحلية للوصول إلى المعايير الدولية، وأن تعيد توزيع العمالة بغرض توسيع/تحويل خطوط الإنتاج إلى المنتجات والأجهزة الطبية المطلوبة.
ومن أجل الاستغلال الأمثل لهذه الفرص، اقترحت الدراسة بعض الإصلاحات التي تسهم في خلق بيئة تنظيمية داعمة، وترشيد دور الدولة في الاقتصاد، وخلق فرص متكافئة مع القطاع الخاص، وتعزيز المنافسة، وتبسيط الإجراءات المعوقة لأنشطة التجارة. وبناءً على هذه الدراسة التشخيصية، والإصلاحات التي تمت مؤخراً، تقوم مجموعة البنك الدولي حالياً بدعم الحكومة المصرية لوضع توصيات قابلة للتنفيذ في مجالات التنمية الصناعية، وتعزيز التجارة، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وتُعد زيادة مستوى ربط مصر بسلاسل القيمة العالمية أحد مجالات التركيز المهمة، حيث قامت مجموعة البنك الدولي مؤخراً بدعم لجنة تيسير التجارة المصرية في وضع نهج جديد قائم على تحليل المخاطر لمراقبة الحدود، وسوف يؤدي تنفيذه إلى اختصار الوقت الذي تستغرقه أنشطة نقل البضائع عبر الحدود. كما أن الارتقاء بكفاءة منظومة القضاء التجاري يُعد مجالاً رئيسياً آخر للتركيز، لا سيما فيما يتعلق بإنفاذ العقود وتسوية حالات الإعسار.
وتقدم مجموعة البنك الدولي دعمها للحكومة فيما يتعلق بتنفيذ سياستها الخاصة بالمؤسسات المملوكة للدولة، مثل المساعدة في تطوير أنظمة الحوكمة وجوانب الإدارة المالية للمؤسسات التي لا تزال مملوكة للدولة. وبالإضافة إلى ذلك، ومن خلال برنامج الطروحات الحكومية الذي يستهدف الاستفادة من رأس المال والخبرات التي يمتلكها القطاع الخاص لإدارة الأصول المملوكة للدولة، تؤدي مؤسسة التمويل الدولية، وهي ذراع مجموعة البنك الدولي المعنية بالتعامل مع القطاع الخاص، دوراً استشارياً إستراتيجياً لمساعدة الحكومة على إفساح المجال أمام استثمارات القطاع الخاص، وعقد الشراكات بين القطاعين العام والخاص في القطاعات الرئيسية للاقتصاد.
ويستهدف قرضُ تمويل سياسات التنمية الخاص ببرنامج "بناء القدرة على الصمود وإيجاد الفرص وتعزيز الثروة لازدهار مصر واستقرارها" الذي وافق عليه البنك الدولي مؤخراً، المساعدةَ في دفع عجلة الإصلاحات الرئيسية الرامية لتعزيز دور القطاع الخاص، ومنها وضع الأساس القانوني لسياسة ملكية الدولة، وتمكين جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في مكافحة عمليات الاندماج والاستحواذ غير التنافسية، وتطبيق قانون الدعاوى البسيطة للمساعدة في تبسيط إجراءات منظومة القضاء التجاري.
ومنذ عام 2020، ارتبطت مؤسسة التمويل الدولية بتوفير أكثر من 3.7 مليارات دولار، منها أكثر من 1.3 مليار دولار شملت مساندة القطاع المالي في مصر، مُمَثلاً في عدد من المؤسسات المالية، لاعتماد عمليات التمويل المخصصة للأنشطة المناخية، وزيادة فرص الحصول على تمويل المشروعات الخاصة متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، في حين تركز النسبة المتبقية من محفظة استثمارات المؤسسة على قطاعات الطاقة المتجددة، والموانئ والخدمات اللوجستية والصناعات التحويلية والصناعات الزراعية والرعاية الصحية والسياحة وتجارة التجزئة ورأس المال المخاطر (للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا والتكنولوجيا المالية) وغيرها من القطاعات الإنتاجية.
علاوة على ما سبق، كانت أدوات الوكالة الدولية لضمان الاستثمار لتخفيف المخاطر جزءاً أصيلاً من تمكين استثمارات مجموعة البنك الدولي التي ترمي إلى تعزيز دور القطاع الخاص في مصر. ويعتبر مجمع بنبان للطاقة الشمسية خير مثال على ذلك، حيث تعهدت مؤسسة التمويل الدولية واتحاد يضم مقرضين آخرين بتقديم 653 مليون دولار لدعم المشروع. وساعدت ضمانات الوكالة في التعبئة الأولية لاستثمارات القطاع الخاص في السنة المالية 2018، كما قامت الوكالة بتقديم ضمانات إضافية في السنة المالية 2020 لتعزيز أول مشروع من نوعه لإصدار السندات الخضراء، مما جذب بعض المؤسسات الاستثمارية الكبرى للاستثمار في مصر لأول مرة.
وتواصل مجموعة البنك الدولي التزامها بتمكين القطاع الخاص في مصر عن طريق تقديم التمويل والخدمات الاستشارية والمعرفة، بهدف مساعدته على المشاركة الفعالة في تمهيد الطريق لتحقيق النمو المستدام والشامل للجميع.
وتُعد زيادة أعداد الشباب في مصر، وموقعها الإستراتيجي، بالإضافة إلى الالتزام على أعلى المستويات بتحقيق النمو الذي يقوده القطاع الخاص، عوامل قوية لإحياء ديناميكية القطاع الخاص. ومن أجل إطلاق العنان للإمكانات الكاملة للقطاع الخاص، من الأهمية بمكان الحفاظ على نهج عمل سريع الوتيرة، بالشراكة مع الحكومة وأصحاب المصلحة الرئيسيين، لتمكين مؤسسات الأعمال، من خلال إنشاء بيئة أعمال داعمة وأكثر انفتاحاً وتقبلاً لدور هذا القطاع. كما يُعد التنفيذ الكامل للخطوات الأولية المتخذة نحو تحقيق هذا الهدف أمراً ضرورياً أيضا، للبناء على التقدم الذي أحرزته مصر حتى الآن وتحقيق المزيد من النجاح.