أطفال المدارس في المثل المدرسة الابتدائية، وهي مدرسة داخلية خاصة في منطقة كينوندوني، دار السلام، تنزانيا. © آرني هول / البنك الدولي
أطفال المدارس في المثل المدرسة الابتدائية، وهي مدرسة داخلية خاصة في منطقة كينوندوني، دار السلام، تنزانيا. © آرني هول / البنك الدولي
تكشف الجهود الرامية لإنهاء الفقر المدقع عن ازدواجية متنامية. فمن ناحية، يواصل الفقر المدقع تشبثه بعناد في مناطق معينة من العالم، بينما أصبح في مناطق أخرى ضئيلا للغاية إن لم يكن قد تلاشى..
وإدراكا لهذا التباين، يوسع تقرير البنك الدولي الفقر والرخاء المشترك 2018: تجميع أجزاء اللغز فهمنا للفقر. فهو يطرح أدوات وإجراءات جديدة ستساعد البلدان المعنية على تحسين استهداف الفقراء وتنفيذ السياسات المناسبة لبناء رأس المال البشري والارتقاء بمستويات المعيشة.
. وفي عام 1990، كان ما يقرب من 36% من سكان العالم يعيشون على أقل من 1.9 دولار في اليوم، بيد أن هذا العدد تقلص إلى 10% بحلول عام 2015. وتظهر التوقعات الأولية لعام 2018 أن الفقر المدقع في العالم تقلص أكثر إلى 8.6%، متجاوزا بعامين الهدف المرحلي المحدد عند 9% بحلول عام 2020.
يعود الكثير من هذا الانخفاض إلى النمو المذهل في آسيا، لاسيما الصين والهند. ورغم استمرار تراجع الفقر العالمي، هناك علامات مزعجة تنجلي مع انخفاض وتيرة التراجع. إذا استمر هذا الاتجاه، فقد يهدد هدف إنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2030.
هذا لأن الفقر بات أكثر تمترسا في جيوب معينة من العالم، خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء والبلدان المتأثرة بالصراعات. . ففي عام 2015، كان عدد من يعيشون في فقر مدقع في تلك المنطقة يزيد عن إجمالي عددهم في العالم كله. وتتنبأ التوقعات أنه بحلول عام 2030، يتوقع أن ما يقرب من 9 من بين كل 10 أشخاص فقراء سيعيشون في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وسيبقى الفقر في خانة الرقمين.
قالت كارولينا سانشيز بارامو، المدير الأول لقطاع الممارسات العالمية للفقر والإنصاف بالبنك الدولي، "على قدر ما تثيره قصة تخفيض معدلات الفقر من إعجاب، فإننا لا نستطيع أن نركن إلى أمجاد الماضي. التوقعات الحالية ترسم صورة قاتمة للغاية لكنها واقعية لاحتمال إنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2030. وهذا يعني أننا بحاجة لتجديد تركيزنا على أفريقيا، ولن يكفي بذل الجهد المعتاد لتوصيلنا إلى هدفنا. نحتاج إلى الاستثمار في البشر والتأكد من شمول النمو، مع التركيز الأكبر على زيادة القدرة الإنتاجية للفقراء."
. هذه الخطوط المطابقة لخطوط الفقر الوطنية لدى البلدان منخفضة الدخل والشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل على الترتيب تستهدف إكمال خط الفقر العالمي الذي يقف عند 1.9 دولار، وليس استبداله. وتشير البيانات إلى أن المكاسب السريعة التي يتم إحرازها ضد الفقر المدقع لم يضاهيها بعد أعداد من يعيشون في هذه المستويات الأعلى من الدخل. في عام 2015، كان ما يزيد عن ربع سكان العالم يعيشون على 3.2 دولار في اليوم ونحو نصف سكان العالم ما زالوا يعيشون على أقل من 5.5 دولار في اليوم.
على سبيل المثال، يعيش كالو رام وخيرون نيشا في جايبور بالهند، حيث يقل متوسط الدخل عن 3.2 دولار في اليوم. هذان الزوجان يمتلكان محلا لبيع وجبات الدجاج المقلي المتبل. منذ فتح المحل بمساعدة قرض من شركة تتعامل مع مؤسسة التمويل الدولية، زاد دخلهما الضعف. تمتلك الأسر التي تعيش عند هذا المستوى من الدخل منازل مصنوعة من الصخور أو الطوب ولها أسقف من الخرسانة أو الحجارة. الأرضيات داخل هذه المنازل من الخرسانة أو البلاط، وبها في الغالب كهرباء وصنابير مياه.
كلو رام وخيرون نيشا. © ايوان باجوس / مؤسسة التمويل الدولية
بالمثل، وبينما تنمو البلدان، فإن تعريفها لما يشكل الاحتياجات الأساسية يتغير. على سبيل المثال، . لمتابعة ذلك، طبّق البنك الدولي خطا اجتماعيا للفقر بناء على مستوى معين من الاستهلاك أو الدخل في كل بلد. بهذا المقياس، كان هناك 2.1 مليار شخص عام 2015 يعتبرون فقراء بالنسبة لمجتمعاتهم، وهو ما يعادل ثلاثة أمثال من يعيشون في فقر مدقع.
قال هايشان فو، مدير مجموعة بيانات التنمية لدى مجموعة البنك الدولي، "ستواصل مجموعة البنك الدولي توجيه جهودها لانتشال الناس من براثن الفقر، وسيستمر خط الفقر الذي يقف عند 1.9 دولار يشكل مقياسا مرجعيا في رصد التقدم. بيد أن النجاح في الحد من الفقر المدقع في مختلف أجزاء العالم قد أتاح لنا توسيع نطاق التركيز لتقييم ما إذا كان الناس الذين يتحررون من الفقر المدقع يحققون مستويات أساسية من الرفاه."
. فالمرء قد لا يكون فقيرا بمعايير المال، لكنه يمكن أن يظل يشعر بآثار الفقر إذا كان قد حُرم الحصول على الاحتياجات الأساسية كالرعاية الصحية والمياه النظيفة والتعليم.
جاء البنك الدولي بإجراء متعدد الأبعاد يدرس العديد من أشكال الحرمان التي تشمل الاستهلاك أو الدخل مع قياسات للتعليم والحصول على خدمات البنية التحتية الأساسية، كالكهرباء والمياه والصرف الصحي. الإجراء الجديد يظهر أن الفقر يمكن أن يكون أكثر تفشيا وتجذرا مما كنا نعتقد. في عينة من 119 بلدا أخذت حوالي عام 2013، كان هناك واحد فقط من بين كل ثمانية أشخاص فقيرا من الناحية المالية، إلا أن واحدا من بين كل خمسة أشخاص أيضا كان محروما من منظور آخر على الأقل، كالتعليم ومرافق الصرف الصحي.
في النهاية، يعايش الناس الفقر بشكل مختلف، حتى داخل الأسرة نفسها. لم تتمكن الإجراءات التقليدية من رصد التباينات، لأن المسوح تتوقف عند مستوى الأسرة. فقياس الفقر كما يشهده الأفراد يتطلب دراسة كيفية تقسيم الموارد بين أفراد الأسرة. . ومع هذا، فهناك حاجة إلى رصد أنماط الاستهلاك لدى الأفراد حتى تستطيع الحكومات أن تنفذ السياسات، خاصة المرتبطة بمشاركة النساء في القوة العاملة وتنمية الطفولة المبكرة لتضييق فجوة التفاوت داخل الأسر.
للقضاء على الفقر في هذه البلدان، نحتاج إلى توسيع نطاقنا، واختبار الحرمان من زوايا عديدة، وإدراك التعقيد الأكبر الكامن في مفهوم الفقر حول العالم.
قال فرانسيسكو فيريرا، كبير مستشاري مجموعة بحوث التنمية لدى البنك الدولي، "بهذا التقرير، يوسع البنك الدولي بدرجة أساسية رؤيتنا المؤسسية عن الفقر مع إبقاء التركيز الثابت والأساسي على الفقر المالي المدقع عند أقل من 1.9 دولار. هذا المزج بين اتساع النطاق والتركيز ينبع من إدراك أن الفقر فكرة معقدة متعددة الأوجه وراسخة اجتماعيا، ويدمجها بالإصرار على التصدي أولا لأعمق أشكال الحرمان- خاصة في أفريقيا."