بات السلام يحلق على ربوع كولومبيا. إن وضع نهاية لصراع مسلح ابتليت به البلاد لأكثر من 50 عاما وقض مضاجع ثلاثة أجيال لهو أكثر من مجرد نبأ سار يزف إلى مواطني كولومبيا. فالسلام الراسخ سيوفر أرضية صلبة لإحراز تقدم ضد الفقر وضمان التنمية الشاملة للجميع، والتحصن ضد دعاة العنف.
لقد ظلت كولومبيا لعقود من الزمن أسيرة مناخ من العنف المتأصل في عدم المساواة والفقر وضعف المؤسسات المحلية التي زادها الصراع المسلح سوءا. ومع إعلان اتفاق السلام الذي أبرم مؤخرا، أصبحت البلاد أقرب من أي وقت مضى من وضع نهاية لدائرة العنف الذي لا ينتهي، ومن الشروع في عملية تحول وتنمية طويلة ومضنية لكافة الأقاليم.
أثر الصراع تأثيرا مباشرا فيما يقرب من ثمانية ملايين شخص، وأدى إلى تشرد أكثر من خمسة ملايين في الداخل. هؤلاء الضحايا هم من بين أفقر وأضعف مواطني البلاد. ويقدر عدد المشردين داخليا في كولومبيا بنصف الفقراء فقرا مدقعا. فهم محرومون من الحصول على السكن الكريم، والتعليم الجيد والفرص الاقتصادية. وتواجه كولومبيا تحديات هائلة لتعويض مواطنيها وإعادة دمجهم.
وستشهد حقبة ما بعد الصراع تحديات، لكنها ستتيح أيضا الفرصة للتصدي للقضايا المهمة العالقة كغياب العدل بين المناطق في التنمية، والمساواة، والفقر المدقع. وسيكون من الأهمية بمكان لكولومبيا الآن دعم الاستقرار وبناء ثقة هؤلاء الضحايا من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية بكفاءة. وستبدأ إعادة بناء النسيج الاجتماعي في تمكين كل مواطن ومواطنة في كولومبيا من تحقيق ذاته. وستتطلب استفادة البلاد من كل إمكانياتها مشاركة جميع المواطنين من سائر المناطق وكافة فئات المجتمع.
وتعمل مجموعة البنك الدولي مع كولومبيا لوضع استراتيجية إنمائية يستفيد منها الفقراء وتساعد البلاد على جني ثمار السلام. ونعكف في السنوات الأخيرة على مساعدة هذا البلد على بناء وتحسين الأنشطة الاقتصادية والخدمات العامة في المناطق المتخلفة التي أنهكها الصراع، مع التركيز بشكل خاص على احتياجات الضحايا من خلال مشروع التأهيل الجماعي للضحايا.
وفي وقت سابق من هذا العام، سنحت لي الفرصة لكي أرى ثمار هذ النهج عندما زرت ضاحية غواكوش التي تقطنها أغلبية من ذوي الأصول الأفريقية في شمال كولومبيا. هذه الفئة، التي تعرضت لعنف شديد من قبل الجماعات المسلحة في تسعينيات القرن الماضي، تستفيد من جهود الحكومة في إعادة اللحمة إلى النسيج الاجتماعي، وإعادة الإعمار، والتعويضات الاقتصادية، ورد الأراضي لأصحابها، وإعادة التأهيل، وتوفير الأمن الشخصي للضحايا. وهذا الشكل من أشكال التعويض الجماعي هو بمثابة مثال على الجهود التي تبذل في هذا البلد وفي مناطق أخرى من العالم تتفشى فيها مثل هذه الصراعات.
كما أن بناء سلام مستقر سيتطلب تركيزا على البنية التحتية الحيوية، منها: خدمات المياه والصرف الصحي، والكهرباء، والنقل، وإعادة إحياء ثاني أكبر مواني البلاد (بوينافنتورا)- وجميعها سيخدم المنطقة التي تقطنها أغلبية من ذوي الأصول الأفريقية وعدد كبير من السكان المشردين داخليا. وستظل أجندة التنمية فيما بعد الصراع عنصرا محوريا في شراكتنا مع كولومبيا. وتركز هذه الأجندة على دعم جهود البلاد في مواصلة وتقوية التنمية – من الحراك الاجتماعي إلى تنمية المناطق فالإنتاجية وسياسات الاقتصاد الكلي.
وتقدم التجارب الدولية بعض الأمثلة الإيجابية للمفاوضات الناجحة والتحول إلى السلام بعد فترات طويلة من الصراع. وأتشيه في إندونيسيا ومينداناو في الفلبين مثالان على استعانة الحكومات الوطنية بالمجتمع الدولي لدعم ركائز الاستقرار والتصدي للأهداف الإنمائية طويلة الأجل.
خلال تاريخها الطويل من العمل مع البلدان في مرحلة ما بعد انتهاء الصراعات، استخلصت مجموعة البنك الدولي عددا من الدروس الرئيسية. من بينها:
· يجب تكييف الاستثمارات مع الظروف الإقليمية والمحلية لبناء المصداقية والشعور بالملكية.
· تساعد النتائج السريعة على إرساء أسس الاستقرار والتغيير على المدى المتوسط.
· ينبغي إشراك الحكومة في بناء ثقة الجماهير.
· إشراك المواطنين والأطراف الفاعلة غير الحكومية ذات الصلة في القرارات وتوزيع الموارد من شأنه توسيع نطاق الملكية، وتحسين كفاءة الإجراءات التدخلية، وتقوية أواصر الثقة.
· المسوح الدورية وسيلة أساسية لقياس التقدم وآثاره.
وقد خطت السلطات الكولومبية مسارا قويا للمضي قدما في التحول من الصراع إلى السلام.
ونحن في المجتمع الدولي نقف على أهبة الاستعداد لدعم المزيد من السلام الشامل وخطة التنمية التي ترمي إلى التصدي لبعض الأسباب الجذرية للعنف.
إن السلام والتنمية متلازمان- ومن الأهمية بمكان وجود برنامج قوي للتنمية المستدامة من أجل استمرار النجاح. ويتيح السلام في كولومبيا الفرصة لكي يرى العالم أن من الممكن تضميد الجراح من خلال احتواء كافة الفئات والتنمية العادلة.