نشر هذا المقال للمرة الأولى على موقع اقتصاد الشرق- بلومبرج.
لقد تأثرت الشركات العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشدة بصدمات جائحة كورونا (كوفيد-19)، شأنها شأن نظيراتها في مختلف أنحاء العالم. وبعد مرور عام على تفشي هذه الجائحة، يبدو أن تعافي الشركات في الشرق اللأوسط وشمال أفريقيا أمر تحيط به شكوك كثيرة. ومع ذلك، فإن التأثير الواقع على هذه الشركات يختلف، مقارنةً بالمناطق الأخرى، في بعض النواحي الفريدة.
ولجمع المعلومات في الوقت المناسب عن كيفية تأثُّر الشركات وتعاملها مع الجائحة، يجري البنك الدولي مسوحاً استقصائية لجس نبض الشركات في ظل أزمة كورونا، وذلك في الغالب بالاشتراك مع أجهزة الإحصاء الوطنية. ومنذ مايو/أيار 2020، شملت هذه المسوح الاستقصائية أكثر من 50 بلداً- من بينها الجزائر وجيبوتي والمغرب وتونس والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- وما يزيد على 100 ألف شركة من مختلف المناطق والبلدان على اختلاف أحجامها ومستويات الدخل بها. ولا يزال بإمكان البلدان الأخرى بالمنطقة الاستفادة من المشاركة في هذا المسح لموافاة واضعي السياسات بالمعلومات في الوقت المناسب لمساعدة الشركات على التكيُّف والتعافي.
تبرز نتائج المسوح الاستقصائية لجس نبض الشركات في المنطقة أن القنوات الرئيسية التي أثرت من خلالها جائحة كورونا على الشركات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشمل خسارة الإيرادات والعسر المالي وفقدان الوظائف. لكن رغم الهبوط الحاد في حجم الأعمال والمبيعات، أبقت معظم الشركات في المنطقة على العاملين بها ولم تُسرِّع من وتيرة اعتمادها على التكنولوجيا، وهو ما قد يكون ناتجاً عن العقد الاجتماعي الأساسي في المنطقة. وتُظهر المسوح أيضا أن الشركات في المنطقة لا تزال تساورها شكوك كبيرة بشأن التعافي وتشهد انخفاضاً حادة في معدلات الطلب والإنتاج وساعات العمل، فيما تخشى شركات كثيرة كذلك من حدوث موجات أخرى للجائحة وإغلاق عام في المستقبل. ورغم أنه يبدو أن معظم الشركات عاودت العمل ببعض طاقتها، فإن نسبة غير قليلة من الشركات (10 إلى 20%) في مختلف بلدان المنطقة التي شملها المسح لا تزال مغلقة.
فقدان الوظائف
قامت نسبة كبيرة من الشركات في المنطقة (على سبيل المثال، 14% في الضفة الغربية وقطاع غزة و17% في الجزائر) بتخفيض عدد موظفيها الدائمين. ومع ذلك، فإن نسبة الشركات في المنطقة التي سرَّحت بعض عامليها يبدو أقل منها في بعض المناطق الأخرى (انظر الشكل 1). وتحاول معظم الشركات بالمنطقة الإبقاء على عامليها الدائمين بإجراء تعديلات تتمثل في إعطاء أجازات (غالباً بدون أجر)، وتقليل ساعات العمل، وخفض الرواتب، وتقليص العمالة المؤقتة. لكن استمرار انخفاض المبيعات وطول أمد الجائحة يُعرِّضان الموظفين الدائمين في هذه الشركات لخطر التسريح. فعلى سبيل المثال، خلال المرحلة الأولى من الجائحة (أي خلال الفترة من يوليو/تموز إلى أغسطس/آب 2020)، قامت 26% من الشركات في الأردن بتخفيض عدد عامليها الدائمين، وارتفعت هذه النسبة إلى 39% خلال الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 إلى يناير/كانون الثاني 2021.
الشكل 1: نسبة الشركات التي تُسرِّح عامليها في المناطق المختلفة
خسارة الإيرادات وإغلاق الشركات
لقد أثرت الجائحة تأثيراً سلبياً على 92% من الشركات في الضفة الغربية وقطاع غزة و89% من الشركات في جيبوتي وتونس والأردن. وفي معظم هذه الشركات المتضررة، انخفضت المبيعات بأكثر من 50% مقارنةً بمستواها قبل الجائحة. ويتماشى حجم خسائر إيرادات الشركات في المنطقة مع متوسط ما تعرَّضت له نظيراتها في البلدان النامية.
وفي مختلف بلدان العالم النامية، يبدو أن نزيف خسائر المبيعات مستمر، وهو ما يحدث على الأرجح في بلدان المنطقة. فعلى سبيل المثال، في الأردن حيث شمِل المسح 601 شركة في الفترة بين مايو/أيار ونوفمبر/تشرين الثاني 2019 (أي سياق ما قبل الجائحة)، ثم بعد ذلك بين يوليو/تموز وأغسطس/آب 2020 (أثناء الجائحة، الجولة الأولى)، وكذلك بين نوفمبر/تشرين الثاني 2020 ويناير/كانون الثاني 2021 (أثناء الجائحة، الجولة الثانية)، تبيَّن أن متوسط انخفاض المبيعات يحوم، على ما يبدو، باستمرار حول 50% في جولتي المسح أثناء الجائحة (انظر الشكل 2). علاوة على ذلك، يبدو أن الشركات الأصغر حجماً والعاملة في قطاع الخدمات هي الأكثر تضرراً.
وقامت نسبة كبيرة من الشركات في مختلف بلدان المنطقة، لاسيما الشركات الأصغر حجماً، بتصفية أعمالها نهائياً بسبب عدم قدرتها على تحمُّل الانخفاض المستمر في المبيعات. فعلى سبيل المثال، تبيَّن أن نسبة الشركات التي صفَّت أعمالها نهائياً في الأردن ارتفعت إلى 17% خلال الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 إلى يناير/كانون الثاني 2021، مقابل 11.6% خلال المرحلة الأولى من الجائحة (أي بين يوليو/تموز وأغسطس/آب 2020). وبالمثل، ففي المتوسط يبدو أن نحو 9% من الشركات تصفِّي أعمالها بشكل نهائي في المغرب، وتبلغ هذه النسبة 11% للشركات الصغيرة مقابل 2% للشركات الكبيرة.
العسر المالي
لقد أدى تراجع الإيرادات إلى أن تواجه معظم الشركات عسراً مالياً، حيث أفاد قرابة 90% من الشركات في الضفة الغربية وقطاع غزة، و93% في الأردن، و78% في تونس، و72% في المغرب بأنها تعاني من تراجع التدفقات النقدية. ويبدو أن العسر المالي أشد حدة بالنسبة للشركات الأصغر حجماً. ولمواجهة تراجع التدفقات النقدية، لجأت معظم الشركات إلى تأجيل دفع مستحقات المورِّدين أو المُؤجِّرين أو السلطات الضريبية والتأخُّر في أداء التزامات المؤسسات المالية. وإلى جانب العسر المالي، يبدو أن الاضطرابات في خدمات النقل والخدمات اللوجستية وتوريد مستلزمات الإنتاج تمثل بعض العقبات الرئيسية التي تواجه الشركات في المنطقة.
الشكل 2: متوسط التغيُّر في المبيعات الشهرية مقارنةً بالعام السابق لجولتي المسوح الاستقصائية
ملاحظات: تُظهر سلسلة الجولة الأولى متوسط التغيُّر في المبيعات الشهرية خلال يونيو/حزيران-يوليو/تموز 2020 مقابل الفترة ذاتها من عام 2019، فيما تُظهر الجولة الثانية متوسط التغيُّر في المبيعات الشهرية خلال الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 إلى يناير/كانون الثاني 2021 مقابل نوفمبر/تشرين الثاني 2019 إلى يناير/كانون الثاني 2020. المصدر: مسوح البنك الدولي الاستقصائية لجس نبض الشركات.
التحوُّل الرقمي كآلية للتكيُّف
دفعت جائحة كورونا، رغم آثارها السلبية العديدة، الشركات في مختلف بلدان العالم النامية إلى تحقيق قفزات نوعية والاستفادة من التكنولوجيات الرقمية. ويبدو أن التواجد الرقمي يمثل أيضا آلية ضرورية للتكيُّف لنسبة كبيرة من الشركات (20-30%) في مختلف بلدان المنطقة التي شملها المسح. كما يبدو أن الاستخدام المتزايد لشبكة الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي أو التطبيقات المتخصصة أو المنصات الرقمية أصبح من أدوات الشركات الأساسية لمواصلة أنشطة أعمالها، أو مبيعاتها، أو البحث عن مستلزماتها من المدخلات والمواد الخام.
ورغم ذلك، ثمة بون شاسع أمام الشركات في المنطقة لكي تلحق بنظيراتها في مجال استخدام الحلول الرقمية (انظر الشكل 3). وتُعد الفجوة في اعتماد التكنولوجيا الرقمية بين الشركات الصغرى والصغيرة من ناحية والشركات الكبيرة من ناحية أخرى هي الأكبر في المنطقة. ومن المُرجَّح أن تحول العقبات الهيكلية العديدة في الكثير من بلدان المنطقة دون اعتماد الشركات للتكنولوجيا الرقمية والابتكار. وتشمل هذه العقبات ارتفاع مستوى النشاط غير الرسمي، لاسيما بين الشركات الصغرى والصغيرة، ونقص حلول وخدمات الدفع الرقمي، وتردي البنية التحتية الرقمية وارتفاع تكلفتها (أسهم في ذلك غياب المنافسة في صناعات الشبكات)، وضعف المنافسة المحلية والقدرة التنافسية للصادرات مما يحد من الحوافز المشجِّعة على الابتكار.
الشكل 3: اعتماد التكنولوجيا الرقمية أثناء جائحة كورونا
المساندة على صعيد السياسات
ذكرت غالبية الشركات في المنطقة أنها بحاجة إلى دعم مالي أو تأجيل دفع رسوم المرافق والإيجارات، وكذلك إلى إعفاءات وخصومات ضريبية، ودعم للرواتب كمساندة ذات أولوية على صعيد السياسات. وقد مكَّنت هذه المساندة في مختلف بلدان المنطقة الشركات من تجنُّب التأخر عن الوفاء بالالتزامات والتصدي لحالة عدم اليقين. لكن بناءً على المسوح الاستقصائية لجس نبض الشركات في مختلف بلدان المنطقة، يبدو أن المساندة على صعيد السياسات إنما تصل إلى أقلية من الشركات. فعلى سبيل المثال، فبينما أفادت 33% من الشركات في الأردن أنها تتلقى مساعدة حكومية، فإن هذه النسبة تقل عن 10% في كل من الجزائر وتونس. وستكون هناك حاجة ماسة إلى تقديم مساندة جيدة التوجيه ومحددة زمنياً وفعّالة على صعيد السياسات لحماية الشركات في المنطقة من الانهيار وتمكينها من تجاوز دوامات الصدمات الناجمة عن الجائحة.