نشر أولاً في موقع فوربس
في عالم تواجهه الكثير من الأزمات بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، و استمرار تأثير جائحة كورونا، وارتفاع معدلات التضخم، فإن أكثر ما يهدد كوكب الأرض ورفاهة جميع سكانه هو تَغيُّر المناخ.
ومع ذلك، فإن التقدم تجاه الحيلولة دون الآثار الكارثية المحتملة للاحترار العالمي آخذ في التعثر. يشير تقرير للأمم المتحدة صدر مؤخراً أن 24 بلداً فقط من بين 193 بلداً قد أوفت بتعهداتها أمام مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين بشأن تغير المناخ الذي عقد العام الماضي في جلاسكو باسكتلندا لاتخاذ إجراءات أقوى في مواجهة تغير المناخ.
وهذا يجعل مؤتمر الأطراف السابع والعشرين الجاري تنفيذه- المؤتمر العالمي المعني بتغير المناخ الذي تقوده الأمم المتحدة - مهماً للغاية لاستعادة الزخم في محاولة منع مستقبل نعاني فيه من ارتفاع المحيطات والعواصف الأكثر تدميراً وزيادة حرائق الغابات واتساع الأراضي القاحلة، وغير ذلك من المخاطر على الصحة والاستقرار في جميع أنحاء العالم.
ومع انعقاد الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف التي تستضيفها مصر في شرم الشيخ، والدورة الثامنة والعشرين والتي ستنعقد في الإمارات العربية المتحدة، فإنه يتوجب على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنشيط الاستجابة الدولية لتغير المناخ وتوجيه الاهتمام إلى الاحتياجات التمويلية والمساعدات الهائلة لبلدانها.
مساندة التحول في استخدام الطاقة
بلدان المنطقة من أكثر البلدان تضرراً، لكنها الأقل استعداداً لمواجهة تغير المناخ، حيث أن 60٪ من السكان الذين يعيشون في مناطق تعاني من إجهاد مائي شديد و75٪ من الزراعة المعتمدة على الأمطار من المتوقع أن تتراجع في العقود القادمة بسبب تفاقم وضع الأمن الغذائي. وفي شمال أفريقيا، كما أنه قد يصبح 20 مليون شخص من المهاجرين داخليا وذلك بسبب تغير المناخ نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر، وانخفاض مصادر المياه العذبة، وضعف غلّة المحاصيل، وزحف التصحر.
وتشمل القضايا التي تعوق العمل المناخي في المنطقة: النمو السكاني، والتوسع العمراني المتنامي، وانخفاض الموارد بسبب جائحة كورونا وغيرها من الضغوط، والافتقار إلى تنويع النشاط الاقتصادي، في البلدان التي تعتمد على صادرات النفط. وفي عام 2020، كان 98٪ من إنتاج الطاقة في المنطقة من الوقود الأحفوري.
وللاضطلاع بمنصب قيادي، تحتاج بلدان المنطقة إلى تنفيذ الاستجابات المناخية الجريئة التي أُعلن عنها العام الماضي، بما يتجاوز تعهداتها الخضراء لتحقيق الأهداف المعلنة من خلال سياسات أقوى، وزيادة التعاون الإقليمي، وزيادة تمويل الأنشطة المناخية.
ويتعين على البلدان المنتجة للنفط معالجة أوجه القصور في أنشطتها الاستخراجية - فعلى سبيل المثال، في العراق، يمكن أن يؤدي احتجاز الغاز المحترق المهدر إلى توفير نحو 2.5 مليار دولار سنوياً من خلال خفض واردات الغاز، وتغذية 10 جيجاوات من قدرات توليد الكهرباء سنوياً، ، وتغطية الفجوة الحالية في العرض والطلب تقريباً، وتحسين أمن الطاقة.
ويمكن لبلدان مثل الإمارات العربية المتحدة الاستحواذ على 25٪ من سوق الهيدروجين منخفض الكربون، والتي يتوقع أن تصل قيمتها إلى أكثر من 400 مليار دولار سنوياً على مدى خمس سنوات القادمة. وتنتهز بلدان مثل المملكة العربية السعودية هذه اللحظة وتتحرك نحو الاستثمارات التحوّلية في الهيدروجين الأخضر من خلال مشروعاتها العملاقة.
ويمكن أن يؤدي التحول إلى استخدام الطاقة الأكثر مراعاة للبيئة إلى خلق ملايين الوظائف. من المتوقع أن تخلق مصر وحدها مليوني فرصة عمل جديدة مباشرة وغير مباشرة تشتد الحاجة إليها في العقود الثلاثة القادمة من خلال تحقيق أهداف الطاقة المتجددة. وسيساعد التحول من الاعتماد الكامل على واردات الوقود الأحفوري في تونس والأردن والمغرب على الاستفادة من برامج أكثر نظافة كما أنها ستتيح فرصاً جديدة. علاوة على ذلك، ومع سعي الاتحاد الأوروبي للحصول على مصادر بديلة للطاقة، فمن الممكن أن يتجه نحو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كمصدر موثوق للطاقة الخضراء والتي تتمثل في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين.
ويمكن لبلدان المنطقة أيضا أن تتحلى بروح القيادة من خلال تنفيذ إصلاحات جريئة لتمكين القطاع الخاص من المشاركة في التحولات الاقتصادية اللازمة للعمل المناخي الفعال، مثل سد الفجوات التمويلية وتوفير أحدث التقنيات والنهج المبتكرة لحلول الطاقة المتجددة.
الحلول التمويلية
وتتلقى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حالياً أقل قدر من الموارد التمويلية للأنشطة المناخية مقارنة بأي منطقة من مناطق العالم – تُقدر بنحو 16 مليار دولار سنويا، وفقاً لمبادرة السياسات المناخية، كما تقدر الاحتياجات التمويلية بحوالي 186 مليار دولار من المساهمات الوطنية لمكافحة تغير المناخ التي قدمتها البلدان في التعهد بالعمل المناخي.
ومن المتوقع أن يصل التمويل المرتبط بالمناخ الذي تقدمه مجموعة البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 10 مليارات دولار بين عامي 2021 و2025، مما يساند التحولات في مجالات المياه والغذاء والطاقة والمدن والتمويل وغيرها من المجالات الرئيسية. وتصدر مجموعة البنك الدولي ماقيمته حوالي 16 مليار دولار دولار من خلال 185 من السندات الخضراء ب 23 عملة، مع ارتباط 35٪ في المتوسط بالعمل المناخي تماشياً مع اتفاقية باريس التي اعتمدت في مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين في 2015.
يمثل هذا التمويل مساندة بالغة الأهمية لبناء قدرة المجتمعات المحلية على الصمود في وجه تغير المناخ ولتسهيل التحول الأخضر. ففي المغرب، يحصل 200 ألف من منتجي الأغذية الزراعية ورواد الأعمال على حوافز مالية للتحول إلى الممارسات الزراعية المراعية للمناخ، أما في مصر، فمن المتوقع أن يؤدي برنامج لمكافحة تلوث الهواء في القاهرة إلى خفض الانبعاثات من وسائل النقل العام بنسبة 23٪. وفي اليمن الذي عصف به الصراع، توفر أنظمة الطاقة الشمسية المتنقلة إمكانية الحصول على الطاقة لنحو 100 ألف أسرة معيشية وأكثر من 500 مدرسة ومركز صحي ومرافق أخرى.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، سيتم إصدار الجولة الأولى من تقارير المناخ والتنمية القطرية لمصر والعراق والأردن والمغرب والتي تحدد المجالات ذات الأولوية لاتخاذ إجراءات عاجلة لوضع البلدان على مسار أكثر استدامة.
يمثل التصدي لتغير المناخ عنصراً أساسياً في الحد من الفقر في العالم وتعزيز الرخاء. وهناك حاجة إلى قيادة جريئة من خلال الاجتماعين القادمين لمؤتمر الأطراف في هذا الوقت الحرج من مواجهة تغير المناخ في العالم.