Skip to Main Navigation
رأي07/11/2023

الإصلاحات الرائدة في البلدان تؤدي إلى تطورها الاجتماعي والاقتصادي

نشر اولا على Arabnews.com

انتقلت إلى الرياض في أغسطس 2018. وفي تلك الفترة كان التحول الاجتماعي والاقتصادي الكبير قد انطلق بالفعل في السعودية ضمن رؤية 2030. واليوم، غدت الرياض مدينة أخرى غير ما كانت عليه عندما انتقلت إليها.

تستهدف الرؤية التي وضعتها المملكة، وكذلك باقي دول مجلس التعاون الخليجي، وبشكل أساسي، الارتقاءَ بمستوى معيشة المواطنين، وتنويع الاقتصاد، مع نقل أغلب أنشطته من القطاع العام إلى القطاع الخاص. وبوسعي أن أؤلف كتاباً عن هذا الموضوع، وهو ما سأفعله على الأرجح في المستقبل، لكنني سأتحدث في هذا المقال فقط عن أمور معدودة.

في الشهر الماضي، خطت "ريانة برناوي" خطوة رائعة كأول سيدة سعودية تصبح رائدةً للفضاء؛ ولم أتفاجأ بسماع هذا الخبر. فمنذ أن تم تعييني مديراً إقليمياً للبنك الدولي لدول مجلس التعاون الخليجي في عام 2018، التقيت شباباً مفعمين بالنشاط ونساءً يتحلين بالطموح في هذه المنطقة.

ورأيت خلال السنوات الخمس الماضية، دول مجلس التعاون الخليجي وهي تقوم بعمل تغييرات كبيرة في العديد من المجالات؛ مثل الصحة والتعليم وبيئة الأعمال وتمكين المرأة والسياحة. ويعد الشمول الاقتصادي للمرأة أحد المجالات التي شهدت تقدمًا هائلاً من بين العديد من الإصلاحات التي أُجريت في هذه المنطقة. ففي المقام الأول، كان دعم المشاركة الاقتصادية للمرأة أمرًا حيويًا لتحقيق الأهداف المحددة في الرؤى المختلفة لدول مجلس التعاون الخليجي. وبالتالي، مثلت إزالة الحواجز القانونية إصلاحاً مهماً تم الاضطلاع به.

وكانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في طليعة هذه الحركة، حيث أدخلتا تغييرات قانونية رائدة أزالت العديد من الحواجز التي تحول دون حصول المزيد من النساء على الوظائف والانضمام إلى الأنشطة الاقتصادية. واستحدثت المملكة مجموعةً تاريخية من الإصلاحات القانونية في الفترة من 2019 إلى 2020؛ مثل قانون الأحوال المدنية، وقانون العمل، وقانون الإنفاذ، والقوانين المتعلقة بالحصول على التمويل. وتظهر النتائج ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة، من 22% عام 2019 إلى ما يقرب من 37% حالياً، متجاوزة المستهدف البالغ 30% الذي حددته رؤية السعودية 2030.

كما كانت دولة الإمارات العربية المتحدة، مسترشدةً بمجلس التوازن بين الجنسين، رائدةً في جهود إزالة الحواجز القانونية أمام المرأة، والتوجه نحو منظومة محايدة بين الجنسين. وقامت الإمارات بفتح أبواب العديد من الفرص الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية الجديدة أمام المرأة، فلا عجب إذن في أنها تتمتع بواحد من أعلى معدلات مشاركة المرأة في القوى العاملة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يبلغ 55%، بينما يبلغ متوسط مشاركة المرأة في القوى العاملة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 19%.

وتضطلع دولة الإمارات العربية المتحدة كذلك بدورٍ كقائد إقليمي، حيث أطلقت مؤخراً، وبالتعاون مع البنك الدولي، مركزَ الإمارات للتوازن بين الجنسين للتميز والتبادل المعرفي. وسوف يكون هذا المركز بمثابة منصة لتبادل المعرفة حول قضايا المساواة بين

الجنسين بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وما وراءها، من خلال تبادل الأبحاث والابتكار والمعرفة. أما البحرين فقط تحركت على عدة جبهات لزيادة تيسير مشاركة المرأة في الأنشطة الاقتصادية في البلاد. كما أصدرت الكويت، بين عامي 2020 و2021، قانونًا لمكافحة العنف الأسري وكذلك حظر التمييز على أساس الجنس والتحرش الجنسي في مكان العمل.

وفي مجالات أخرى، ركزت دول مجلس التعاون الخليجي ليس فقط على المرأة، ولكن على تمكين شعبها الذي يمثل رأسمالها البشري. وساهمت أنشطة دول مجلس التعاون الخليجي، فيما يتعلق بالتنمية البشرية، في تعزيز أنظمة الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية وأنظمة العمل بدرجة كبيرة.

وفيما يتعلق بالحماية الاجتماعية والوظائف، فإن هناك بعض الإنجازات الرئيسية التي تحققت في دول مجلس التعاون الخليجي، وتشمل تقديم دعم فعال على نطاق واسع، فيما يخص العمالة، والمهارات، والإصلاحات ذات الأثر التحويلي في مجال الحماية الاجتماعية. ويشمل ذلك تصميم وتنفيذ إستراتيجية وطنية لسوق العمل في كل من الكويت والمملكة العربية السعودية، والتي أدت بالفعل إلى تبني إصلاحات أساسية في سوق العمل، بما في ذلك تنقل العمالة وتعديل الرسوم المفروضة على المغتربين وأفراد عائلاتهم في المملكة العربية السعودية.

وعندما يتعلق الأمر بالصحة، فثمة أشياء كثيرة تحسنت. ففي المملكة العربية السعودية، ساهم دعم مختلف أجهزة القطاع الصحي في تشكيل الإصلاح الشامل للنظام الصحي والارتقاء به، من إصلاح التمويل الصحي إلى تقديم الخدمات، بما في ذلك الإصلاحات التي تتعلق بالتوظيف والقوى العاملة في قطاع الأدوية وغيرها من قطاعات تقديم الخدمات. وساهمت المساعدة الفنية التي قدمها البنك الدولي في رفع معدل سعودة الوظائف بالقطاع الصحي، ورفع كفاءة أطقم التمريض، وتعزيز سلسلة التوريد الدوائي، وتطوير وتنفيذ المشتريات الإستراتيجية في قطاع الصحة.

ومن بين الإنجازات البارزة، وضع الأمراض غير السارية على رأس جدول أعمال التنمية في السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي عامة، لأنها تمثل تحديًا صحيًا كبيرا وسببًا رئيسيًا للوفاة يجب معالجته. وكانت الأمراض غير السارية هي محور التركيز في آخر إصدار من تقرير "أحدث المستجدات الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي".

وفي السنوات الخمس الماضية أجرت المملكة العربية السعودية إصلاحات أخرى ذات تأثير كبير منها: إدخال التربية البدنية في مدارس البنات، والتعبئة والتغليف البسيط لمنتجات التبغ، وتقنين كميات الملح بالخبز، وفرض أعلى ضريبة تقرر على المرطبات المحلاة بالسكر في العالم، وذلك ضمن إصلاحات أخرى. وفي البحرين، يقدم فريق البنك الدولي دعمًا مهمًا للحكومة في تصميم ملصق تحذير فعال للتغذية، ينفر المستهلك من البدائل الغذائية غير الصحية ويرغبه في البدائل الصحية.

كما أثبتت دول مجلس التعاون الخليجي أنها منطقة رائدة في الاستفادة من التكنولوجيا والتعامل مع الأزمات. وخلال أزمة فيروس كورونا، بذلت منطقة مجلس التعاون الخليجي جهودًا هائلة لمكافحة الجائحة. ورغم أن جائحة كورونا كانت بمثابة "صدمة مزدوجة" للمنطقة، حيث أثر الانخفاض في أسعار النفط بشكل كبير على الإيرادات المالية وعندها قادت الاضطرابات المرتبطة بالجائحة إلى توقف النشاط الاقتصادي العام بشكل شبه كامل، فقد بذلت دول مجلس التعاون الخليجي جهودًا شاقة، واتخذت الإجراءات اللازمة للتعافي بشكل جيد.

وقد شهدت بنفسي كيف ساعدت التكنولوجيا جميع دول مجلس التعاون الخليجي في السيطرة على جائحة كورونا، من خلال حساب عدد الأشخاص المصابين بالمرض عبر تطبيقات الهاتف والمشاركة، وما زالت بعض هذه التطبيقات تُستخدم حتى اليوم لأغراض صحية وخدمية أخرى. وكان "مستشفى صحة الافتراضي" في المملكة العربية السعودية بمثابة خدمة أخرى فريدة من نوعها في المنطقة، حيث يتم دمج التطور التكنولوجي مع القطاع الصحي. وهذا يؤكد أهمية المنصات الرقمية الحديثة وكيف أنها يمكن أن توسع نطاق الخدمات الصحية بشكل كبير.

ولمواصلة النمو والتغييرات التي تم إجراؤها لتطوير رأس المال البشري، ركزت دول مجلس التعاون الخليجي على إصلاح قطاع التعليم وتحسينه. وتمثل أحد أهم القرارات في منح الأولوية للتواصل بين الطالب والمعلم من خلال تجربة تعليمية افتراضية يتم فيها استخدام منصة "مدرستي" المصممة خصيصًا والتي تحتوي على مجموعة من أدوات التخطيط التعليمي وعقد المؤتمرات عبر الفيديو، إلى جانب الكتب والألعاب التعليمية والمختبرات الافتراضية، وعناصر الاختبار وغيرها. وقد كان العمل الهائل الذي اضطلعت به دول مجلس التعاون، وخبراتها المتراكمة في تقنيات التعليم، السبب في تمكينها من التكيف مع التعلم عبر الإنترنت في أثناء الجائحة.

وأخيرًا، دعونا لا ننسى السياحة، التي تعد جزءًا حيويًا من النمو والتنويع الاقتصادي، الذي بذلت فيه حكومات دول مجلس التعاون الكثير من الجهد لتحقيق الازدهار. ولا يفوتني هنا أن أُذكِّر بأن البنك الدولي قد تعاون مع الهيئات المسؤولة عن بعض المواقع التراثية الثقافية والسياحية الرائدة في المملكة العربية السعودية والأجهزة المرتبطة بها، مثل الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وهيئة تطوير بوابة الدرعية للمساعدة في دفع هذا التقدم إلى الأمام. وقد ساند البنك الدولي هذه الهيئات لضمان الاستدامة المكانية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية لتطوير المناطق السياحية في العلا والدرعية.

وبينما لا يسعني أن أذكر كل ما يجري بشكل منصف في مقال واحد، إلا أن ثمة شيئاً واحداً لا شك فيه، وهو أن إصلاح جميع القطاعات يجري بطريقة من شأنها إحداث تغيير جذري في دول مجلس التعاون، على نحوٍ يبشر ببزوغ حقبة نهضة جديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وبعد أن أمضيت خمس سنوات بدول مجلس التعاون الخليجي، ينتابني شعور بالفخر بكل ما تشهده من إصلاحات ناجحة وبهذه المسيرة المميزة.

عصام أبو سليمان هو المدير الإقليمي لدائرة دول مجلس التعاون الخليجي بالبنك الدولي.

مدونات

    loader image

الأخبار

    loader image