أفريقيا وشرق أوروبا وآسيا تواجه مستويات مثيرة للخوف من الأمراض المزمنة
15 سبتمبر/أيلول، 2011 – حذر البنك الدولي في تقرير له صدر اليوم بعنوان "تزايد مخاطر الأمراض غير المعدية: التحرك الآن لتغيير المسار"، من أن أمراض القلب والسرطان والبول السكري والأمراض التنفسية المزمنة وغيرها من الأمراض غير المعدية تشكل خطراً متزايداً على الصحة والأمن الاقتصادي لكثير من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وأن معظم البلدان تعاني من نقص الموارد المالية وخدمات الرعاية الصحية التي تمكنها من "معالجة أزمة الأمراض غير المعدية. ويأتي هذا التحذير عشية عقد مؤتمر قمة خاصة للأمم المتحدة في نيويورك بشأن الأمراض غير المعدية. وأكد البنك أن تزايد الأمراض المزمنة، ولا سيما بين الشباب العاملين في هذه البلدان، هو خطر يتطلَّب اهتماما عالميا فوريا.
ووفقاً لهذا التقرير، فإن أفريقيا وشرق أوروبا وآسيا تواجه مستويات مثيرة للخوف من الأمراض المزمنة تتجاوز مثيلاتها في البلدان المرتفعة الدخل التي ظلت فيها هذه الأمراض زمنا طويلا السبب الرئيسي للوفاة واعتلال الصحة.
ففي منطقة جنوب آسيا، على سبيل المثال، تُشكِّل فيها أمراض القلب والأوعية الدموية بالفعل أحد الأسباب الرئيسية للوفاة والعجز، إذ يبلغ متوسط العمر لحدوث أول أزمة قلبية ما نسبته 53 عاما مقارنة مع 59 عاما في بقية بلدان العالم. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتزايد الإصابة بالأمراض غير المعدية بين النساء والمراهقين بفعل عوامل لا تتصل بالسن، مثل تزايد معدلات السمنة والتدخين. ومما يبعث على التشاؤم، أن واحدا من كل أربعة أشخاص في أوكرانيا في الشريحة العمرية بين 18 و65 عاما، يعاني مرضا مزمنا مع تزايد أعداد الشباب المصابين، مما يؤدي إلى استنتاج أن البلاد قد "تخسر الجيل القادم بسبب الأمراض المزمنة".
ويقول التقرير الجديد إنه إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن منطقة أفريقيا جنوب الصحراء ستكون أشد المناطق تضررا بأزمة الأمراض غير المعدية. وإذا تركت الأزمة بدون معالجة، فإن الأمراض المزمنة ستكون مسؤولة عن 46 في المائة من كل الوفيات بحلول عام 2030، مرتفعةً من 28 في المائة في عام 2008. وقد تشهد منطقة جنوب آسيا زيادة نسبة الوفيات الناجمة عن الأمراض غير المعدية من 51 في المائة إلى 72 في المائة خلال الفترة نفسها. وسيكون أكثر من 30 في المائة من هذه الوفيات في سن مبكرة أو من أمراض يمكن الوقاية منها. وفي الوقت نفسه، ستواصل هذه البلدان مكافحة الانتشار الواسع النطاق لأمراض معدية مثل فيروس ومرض الإيدز، والملاريا، والسل، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات وفيات الأطفال والأمهات، مما سيضع على كاهلها "عبئا مزدوجا" للأمراض لم تشهده الدول الغنية.
من جانبها، تقول تامار مانويليان أتينك نائبة رئيس البنك الدولي للتنمية البشرية: "إن ما يجعل آثار الأمراض المزمنة على التنمية هائلة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل هو أنه ليس لديها المال ونظم الرعاية الصحية اللازمة للعلاج والخروج من هذه الأزمة، وأنها تواجهها في مراحل مبكرة جدا من التنمية الاقتصادية عن جيرانها من البلدان الغنية في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي."
الوقاية خير من العلاج
يقول تقرير البنك إن جانبا كبيرا من الأمراض المزمنة في البلدان النامية يمكن إرجاعه إلى عوامل المخاطر الفردية مثل الخمول البدني، وسوء التغذية في الألف يوم الأولى للحياة، وتناول أطعمة غير صحية (بما في ذلك ارتفاع استهلاك الأملاح والدهون والسكريات) وتعاطي التبغ، وإساءة استعمال الكحول، والتعرض للتلوث البيئي.
وتنبئ الشواهد المستقاة من مختلف البلدان أن أكثر من نصف أعباء الأمراض غير المعدية يمكن تفاديه من خلال برامج فعالة للنهوض بالرعاية الصحية والوقاية من الأمراض تتصدى لمثل هذه العوامل. ومن الوسائل التي تكون فاعلة بدرجة كبيرة وبتكلفة متدنية للغاية، اتخاذ إجراءات لمكافحة انتشار التبغ، مثل فرض الضرائب، كما هو مُبيَّن في اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التبغ، وتقليل الملح في الأطعمة المُصنَّعة ونصف المُصنَّعة.
وفي الهند اتخذت الحكومة عدة تدابير منها دعم وتشجيع استخدام مواقد الطبخ التي تستخدم أنواع الوقود النظيف ولا تسبب أمراضا تنفسية. وفي بوغوتا بكولومبيا، أقامت حكومة المدينة ممرات دائرية عبر المدينة، وبدأت تنفيذ برنامج مجتمعي للتمارين الرياضية العامة يُقام كل يوم أحد ويلقى الآن مشاركة نشطة من أكثر من مليون من المشاة وراكبي الدراجات الهوائية كل أسبوع.
ويشير التقرير إلى أن أحد أبرز الأمثلة المتعلقة ببلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي يأتي من مدينة نيويورك حيث قام رئيس بلدية المدينة بعقد اجتماع لمسؤولي قطاع الصحة وصناعة الضيافة في مسعى للحد من التدخين وحظر استخدام الدهون غير المشبعة، كان من نتائجه أن انخفضت نسبة المطاعم التي تستخدم الدهون غير المشبعة من 50 في المائة إلى أقل من اثنين في المائة في عامين، وهبطت نسبة المدخنين البالغين من أهالي نيويورك من 21.5 في المائة إلى 15.8 في المائة خلال الفترة نفسها.
ويقول الدكتور كريستيان بائزة مدير قطاع الصحة والتغذية والسكان في البنك الدولي الذي قام فريقه بإعداد التقرير الجديد: "مما ينبئ بخير أنه من خلال الوقاية أولا، وتقليص عوامل الخطر مثل التدخين عن طريق فرض ضرائب على استخدام التبغ، وقيام قيادة سياسية ومجتمعية صالحة، تستطيع البلدان وقف تزايد الأمراض المزمنة وتخفيف آثارها المالية والاجتماعية."
ويقول بائزة إنه سيكون من الضروري إعداد نظم للرعاية الصحية في البلدان النامية قادرة على تقديم رعاية صحية ميسورة التكلفة وتتسم بالاستدامة المالية للفقراء من الأمراض غير المعدية، وأن برامج الوقاية الشاملة يمكن أن تستهدف في الوقت نفسه عددا من عوامل الخطر. وعلى سبيل المثال، فإن برنامجا للوقاية في إقليم شمال كاريليا في فنلندا يستهدف نظاما غذائيا متوازنا، وممارسة الرياضة، والتدخين أظهر أنه بين عامي 1972 و2006 هبطت الوفيات السنوية في الإقليم من جراء الإصابة بأمراض القلب المزمنة بنسبة 85 في المائة تقريبا. وأسفرت جهود مكافحة التدخين في أوروغواي التي قادها رئيس البلاد عن حظر التدخين في الأماكن العامة وأماكن العمل وقلصت تركيزات النيكوتين في الهواء في العاصمة بنسبة 91 في المائة على مدى خمسة أعوام.
إجراءات مكافحة الأمراض غير المعدية يمكن أن تُثمِر سريعا
يقول التقرير الجديد للبنك الدولي إن أفضل أمثلة على إجراءات مكافحة هذه الأمراض تظهر أنها يمكن أن تساعد على تحسين الأحوال الصحية على نحو أسرع مما كان يُعتقَد على نطاق شائع – خلال بضع سنوات من إزالة تعرض الناس لعوامل الخطر. وكما لاحظ هذا التقرير في خاتمته: "فإن الزعماء على المستويين الوطني والمحلي لديهم القدرة على إنقاذ أرواح كثير من الناس، وتفادي معاناة واسعة النطاق، وتجنب تكاليف بشرية واقتصادية كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة. والآن هو أوان العمل."
الجدير بالذكر أن البنك الدولي استطاع، في السنة المالية 2011، تعبئة موارد تمويلية قيمتها 2.96 مليار دولار في مجالات الرعاية الصحية، والتغذية والسكان. وبلغ إجمالي حافظة عمليات البنك في هذا القطاع 10.8 مليار دولار، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق، ذهب أكثر من نصفها إلى أشد بلدان العالم فقراً.