واشنطن، 19 سبتمبر/أيلول 2011 - تُعد المساواة بين الجنسين هدفاً إنمائيا محورياً في حد ذاتها، لكنها أيضاً ضرب من ضروب الذكاء الاقتصادي، فالبلدان التي تنجح في خلق فرص وأوضاع أفضل للنساء والفتيات يمكنها أن تزيد من الإنتاجية، وأن تحسن من المردود النهائي للأطفال، وتجعل المؤسسات المختلفة أفضل تمثيلا للمواطنين كافة، وتفسح آفاق التنمية أمام الجميع، هذا ما يؤكده تقرير جديد للبنك الدولي بعنوان التنمية في العالم 2012: المساواة بين الجنسين والتنمية.
يوضح التقرير أن عدة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حققت تقدما سريعا في تحسين مستوى تعليم النساء وإطالة متوسط أعمارهن، وفي خفض معدلات الخصوبة. وفي الواقع، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من بين كل مناطق العالم النامي، حققت أكبر خفض في نسبة وفيات الأمهات (59 في المائة) بين عامي 1990 و2008.وخلال العقد المنصرم، زادت أعداد التحاق الفتيات بالمدارس بوتيرة أسرع من أعداد الفتيان.
رغم هذه الاستثمارات في التنمية البشرية بالمنطقة، تفتقر النساء إلى المساواة في الحصول على الفرص الاقتصادية ويواجهن عدة عقبات لدى البحث عن فرص عمل. ومازالت نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل في أنحاء المنطقة متدنية جدا؛ إذ تبلغ 26 في المائة مقابل المتوسط العالمي البالغ 52 في المائة؛ ففي الأردن، لا يعمل سوى 15 في المائة من النساء في الفئة العمرية 29-65، مقابل 79 في المائة من الرجال.
وقد تُسهم الأعراف الاجتماعية المحافظة والقيود القانونية على حركة التنقل وحرية الاختيار في أنحاء المنطقة أيضا، في الحد من قدرة المرأة على اتخاذ القرار وعلى إسهامها في المجتمع خارج المنزل. علاوة على ذلك، ما يزيد من حدة هذا الإقصاء عدم توفر فرص عمل لجميع المواطنين بالمنطقة. وتمثل النسبة العالية للشباب العاطل تحديا كبيرا أمام المنطقة، في حين تتأثر النساء بمعدل أعلى.و تعكس دعوة الشباب في الأشهر الأخيرة إلى التغيير بالمنطقة الحاجة الملحة إلى زيادة الفرص أمام الجميع كي يسهموا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
ويرصد التقرير الذي يتناول المواضيع المتعلقة بالمساواة حول العالم، ما تحقق من خطوات واسعة في تضييق الفجوات بين الجنسين، لكنه يُظهر استمرار التباينات في العديد من المجالات. وأسوأ هذه التباينات هو ارتفاع معدل الوفيات بين الفتيات والنساء مقارنة بالرجال في البلدان النامية: فعلى مستوى العالم ككل، يُقدَر عدد وفيات الإناث عقب الولادة و"فقدان" البنات عند الولادة بنحو 3.9 مليون كل عام في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ولا يُكتب لنحو خُمسْي هذا العدد أن يرين نور الحياة بسبب تفضيل الذكور على الإناث، ويموت السُدس في مرحلة الطفولة المبكرة، في حين يموت أكثر من الثلث في سن الإنجاب. وهذه الخسائر في تزايد بمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء، ولاسيما في البلدان الأشد تضرراً من الإيدز.
وقال رئيس مجموعة البنك الدولي روبرت زوليك "لابد لنا من تحقيق المساواة بين الجنسين... وقد أتاحت مجموعة البنك الدولي خلال السنوات الخمس الماضية 65 مليار دولار لمساندة تعليم البنات، وصحة النساء، وزيادة قدرتهن على الحصول على الإئتمان والأرض والخدمات الزراعية وفرص العمل ومرافق البنية التحتية. كان ذلك عملاً ضخما، لكنه لم يكن كافياً أو محورياً بما يكفي لما نفعله. وإذا ما تطلعنا إلى الأمام فسوف تقوم مجموعة البنك الدولي بتعميم المساواة بين الجنسين في صلب عملها وإيجاد سبل أخرى لدفع هذه الأجندة قُدماً بغرض الاستفادة من كامل إمكانيات نصف سكان العالم."
ويطرح التقرير عدة أمثلة تظهر كيف بإمكان البلدان المعنية إحراز مكاسب من معالجة التباينات بين الرجال والنساء:
- طبقاً لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة فإن تحقيق المساواة في قدرة المزارعات على الحصول على الموارد يمكن أن يزيد الإنتاج الزراعي في البلدان النامية بنسبة تتراوح بين 2.5 و4 في المائة.
- إزالة المعوقات التي تحول دون عمل النساء في مهن أو قطاعات معينة من شأنها أن تحقق تأثيرات إيجابية مماثلة، بتقليص فجوة الإنتاجية بين العاملين من الذكور والإناث بنسبة تتراوح بين الثلث والنصف وزيادة إنتاج العاملة الواحدة بنسبة تتراوح بين 3 و 25 في المائة في مجموعة واسعة من البلدان.
ويقول جاستن ييفو لين، كبير الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي وكبير نواب رئيس البنك لشؤون اقتصاديات التنمية "إن حرمان النساء والفتيات من اكتساب المهارات والمكاسب اللازمة للنجاح في عالم تسوده العولمة ليس خطأ فحسب بل ضار أيضا من الناحية الاقتصادية... فاقتسام ثمار النمو والعولمة بالتساوي بين الرجال والنساء أمر بالغ الأهمية لبلوغ الأهداف الإنمائية الرئيسية."
ويلفت التقرير الانتباه أيضا إلى أن العالم قد حقق تقدماً ملموساً في تضييق الفجوات بين الجنسين في مجالات التعليم والصحة وأسواق العمل خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية. فقد زالت التباينات بين البنات والأولاد في التعليم الابتدائي في جميع بلدان العالم تقريباً. وفي مرحلة التعليم الثانوي يجري سد هذه الفجوات بوتيرة سريعة، حتى أنه في العديد من البلدان، ولا سيما في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وفي شرق آسيا، أصبح الصبية والشبان الآن هم المحرومون. وعلى مستوى البلدان النامية، صار عدد البنات بالمدارس الثانوية يفوق الآن عدد الأولاد في 45 بلداً، وصار عدد الشابات يفوق عدد الشبان بالجامعات في 60 بلداً. ومن الممكن ملاحظة تقدم مماثل في مجال متوسط الأعمار حيث صارت النساء بالبلدان المنخفضة الدخل يعشن لا لسنوات أطول من الرجال فحسب، بل ويعشن لسنوات تزيد نحو 20 سنة في المتوسط عما كن عليه عام 1960. وفي الكثير أيضا من أنحاء العالم تضيق الفجوات في نسبة مشاركة النساء في قوة العمل مع انضمام أكثر من نصف مليار امرأة إلى قوة العمل خلال السنوات الثلاثين الماضية.
ومن بين الفجوات المتبقية، انخفاض نسبة التحاق الفتيات بالمدارس لدى الفئات المحرومة؛ وانعدام المساواة في قدرة النساء على الحصول على الفرص الاقتصادية والدخل المادي سواء في سوق العمل أو في مجال الزراعة أو في مشاريع العمل الحر؛ والاختلاف الكبير في التأثير بين النساء والرجال سواء في محيط الأسرة أو في محيط المجتمع.
ويؤكد التقرير أن هذه الأنماط من التقدم أو استمرارية الفجوات لها أهميتها البالغة لسياسات التنمية. فارتفاع الدخل يسهم في سد بعض هذه الفجوات، كما حدث في مجال التعليم. فمع التوسع في فتح المدارس وإتاحة المزيد من فرص العمل أمام الفتيات، يرى الآباء بوضوح مزايا تعليم بناتهم. ولكن كثيراً ما تتضافر الممارسات في الأسواق والمؤسسات (بما في ذلك الأعراف الاجتماعية المتعلقة بالأعمال المنزلية ورعاية الأسرة) مع القرارات الأسرية لتسهم معاً في الإبقاء على التباينات بين الرجال والنساء. وفي هذا الإطار تظل فجوات الدخل بين الجنسين على حالها دون أي تغيير في العديد من أنحاء العالم.
وينادي التقرير بالتحرك على أربعة محاور: 1) معالجة قضايا رأس المال البشري، مثل زيادة وفيات البنات والنساء والفجوات بين الجنسين في التعليم أينما استمر وجودها؛ 2) سد فجوات العائد والإنتاجية بين النساء والرجال؛ 3) إعطاء النساء مزيداً من القدرة على التأثير في محيط الأسرة والمجتمع؛ 4) الحد من توارث انعدام المساواة بين الجنسين من جيل إلى جيل.
وقالت آنا ريفينجا، المديرة المشاركة في تقرير التنمية في العالم "تظل السياسات العامة المحلية المركزة الأساس لتحقيق المساواة بين الجنسين... ولكي تكون هذه السياسات فعالة ينبغي لها أن تعالج الأسباب الجذرية للفجوات بين الجنسين. وفيما يتعلق ببعض المشكلات، كارتفاع معدل وفيات الأمهات والحوامل، يتطلب ذلك تدعيم المؤسسات الخدمية. أما فيما يتعلق بغيرها من الفجوات، مثل الافتقار إلى المساواة في الحصول على الفرص الاقتصادية، فلابد لهذه السياسات أن تعالج المعوقات المتعددة – سواء في الأسواق أو المؤسسات - التي تبقي النساء أسيرات للوظائف ذات الإنتاجية المنخفضة والعائد المنخفض."
ولضمان استدامة ما تحقق من تقدم في المساواة بين الجنسين، على المجتمع الدولي أن يدعم تدابير السياسات المحلية في كل من هذه المجالات ذات الأولوية. وبإمكانه أيضاً أن يساند التدابير المستندة إلى الأدلة، وذلك بتعزيز الجهود الرامية إلى زيادة توافر البيانات، والتشجيع على التعليم وتقييم الأثر.
وقال سودير شيتي، المدير المشارك للتقرير "باستطاعة شركاء التنمية أن يساندوا السياسات المحلية بأشكال شتى – بزيادة التمويل، وتشجيع الابتكار، وتحسين علاقات الشراكة... فالتمويل الإضافي للمياه النظيفة والصرف الصحي وخدمات رعاية الأمومة، على سبيل المثال، من شأنه أن يساعد البلدان الأشد فقراً. وبإمكان زيادة التجارب وعمليات التقييم المنتظمة والبيانات المتاحة عن كلا الجنسين على حدة الحصول على مؤشرات حول سبل تحسين قدرة النساء في الدخول إلى الأسواق. ويمكن التوسع بشكل مثمر في علاقات الشراكة بحيث تشمل القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الأكاديمية."