بيروت، 11 نيسان 2013- يصنف لبنان بشكل رسمي من قبل المجتمع الدولي على أنه ينتمي إلى مصاف "الشريحة العليا من الدول متوسطة الدخل". إلا أن الاقتصاد اللبناني لا يزال في مرتبة متدنية بالنسبة لدول أخرى تتمتع بنفس التصنيف. ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى ما يعانيه الاقتصاد اللبناني من أوجه قصور في ما يتعلق بديناميكيات سوق العمل، حيث يعتبر معدل البطالة في صفوف الشباب مرتفعاً ويبلغ 34%، بينما لا تشكل النساء سوى 24% من حجم القوى العاملة.
هذه بعض النتائج التي قدمها التقرير الجديد للبنك الدولي، والذي تم إطلاقه يوم الخميس الموافق 11 نيسان 2013، وذلك خلال حفل أقيم في المجلس الاجتماعي والاقتصادي في بيروت. ويعد هذا التقرير، والذي جاء تحت عنوان "الحاجة إلى توفير وظائف مناسبة: دور السياسات المتعلقة بالاقتصاد الكلي، الاستثمار، العمل، التعليم، الحماية الاجتماعية"، نتاجاً لبرنامج للتعاون الفني امتد على مدى ثلاثة أعوام بين البنك الدولي والحكومة اللبنانية.
ويأتي هذا التقرير كجزء من الدعم المقدم من البنك الدولي لتفعيل الحوار اجتماعي في لبنان، من خلال إستراتيجيةً تتضمن جهوداً لضمان التنسيق بين السياسات المتعلقة بالاستثمار، العمل، تنمية المهارات، الحماية الاجتماعية، وذلك بغرض تعزيز فرص العمل، وتسهيل الحد في سوق العمل من ظاهرتي قلة النشاط الاقتصادي والبطالة، وتوجيه العمالة بصورة تدريجية للعمل في الأنشطة عالية الإنتاجية، وتوسيع الوصول إلى أنظمة الحماية الاجتماعية.
كما يقدم التقرير تحليلاً تفصيلياً حول أبرز خصائص سوق العمل اللبناني ويركز على القضايا والمعيقات الناتجة عن الأنظمة الاقتصادية والمؤسساتية الحالية. وقد اعتمدت هذه الوثيقة على نتائج مسح مبتكر وهو الأول من نوعه حول أصحاب العمل والعمال، حيث تم إجراء هذا المسح كجزء من أنشطة المشروع. ويتضمن المسح أسئلة تفصيليةً حول أنواع المهارات التي يملكها العاملون والمهارات التي يطلبها أصحاب العمل. وقد اعتمد تحليل السياسات البديلة وآثارها الاقتصادية الكلية على نموذج توازن عام ديناميكي للاقتصاد اللبناني. ويشير السيد فريد بلحاج، مدير إدارة الشرق الأوسط في البنك الدولي، إلى أن "التباين الحاصل مع بين معدلات النمو واستحداث الوظائف لا يعد أمراً يتفرد به لبنان. لكن له وقع خاص في دولة مثل لبنان". وأضاف قائلاً "خلال الفترة ما بين 1997-2009، بلغ متوسط النمو السنوي في الناتج المحلي الإجمالي 3.7%، إلا أن معدل خلق الوظائف لم ينمو سوى بمقدار 1.1%.وهذا يعد مشكلةً تستوجب إيجاد الحلول لها".
كما أشار بلحاج إلى أنه "ومن أجل استيعاب العدد المتزايد من الباحثين عن عمل، وتحفيز الاقتصاد، ومواجهة التحدي المتمثل بارتفاع معدل البطالة، يتوجب على لبنان استحداث 23,000 وظيفة سنوياً على مدار العقد القادم".
من جانبها، أشارت السيدة حنين السيد، منسقة التنمية البشرية في لبنان والأردن وسوريا وإحدى المشاركين في إعداد التقرير، إلى أنه "بحسب النتائج التي توصلنا إليها، فإن 46% من السكان في سن التوظيف يشاركون في سوق العمل". وأضافت قائلةً: "ومن بين القوى العاملة، فإن 11% منهم عاطلون عن العمل، بالإضافة إلى 50% يعملون في القطاع غير الرسمي. لكن الأمر الأكثر خطورةً هو معدلات البطالة المرتفعة للغاية في صفوف الشباب والتي تصل إلى 34%، أو شاب من كل ثلاثة شباب".
علاوةً على ذلك، تركزت الوظائف التي استحدثها الاقتصاد في القطاعات متدنية الإنتاجية والتي قامت بتشغيل العمالة متدنية المهارات بشكل رئيسي. على الرغم من قيام النظام التعليمي اللبناني بتخريج أعداد كبيرة من الطلبة من أصحاب المهارات للعديد من السنوات، إلا أن العديد من هؤلاء الخريجين يغادرون البلاد بحثاً عن فرص عمل خارجه. أما بالنسبة للعاملين الباقين في لبنان - سواء من الموظفين أو العاملين لحسابهم الخاص- فإنهم من حملة شهادة التعليم الثانوي فما دون، كما أن نحو 40% لا يحملون سوى شهادة التعليم الابتدائي وما دون.
ومن القضايا الأخرى التي تستوجب المعالجة شيوع العمل في القطاع غير الرسمي بصورة كبيرة والتدني النسبي في التحول إلى العمل في القطاع الرسمي. وينخرط نحو 20% من القوى العاملة في القطاع غير الرسمي الذي يفتقر إلى التأمين الاجتماعي ولا تحكمه أنظمة العمل. كما يعمل 30% من القوى العاملة لحسابهم الخاص في أنشطة متدنية الإنتاجية، وهم لا يخضعون أيضاً للبرامج الإلزامية. وتثير هذه الديناميكيات التساؤلات حول فعالية التصميم الحالي لنظام التأمين الاجتماعي وأنظمة العمل الحالية، والتي أخفقت في شمول الجزء الأكبر من القوى العاملة وتوفير حوافز للعمل خارج إطار الاقتصاد الرسمي.
وأثناء العرض المرئي الذي قدم خلال حفل الإطلاق، شدد السيد ديفيد روبالينو، رئيس فريق قطاع العمل في البنك الدولي وأحد المشاركين في إعداد التقرير، على أهمية بذل جهود من قبل عدة قطاعات لإنتاج ٍسياسات للحد من البطالة: "إن التحليل يظهر أنه، ومن أجل تعظيم أثر أية إستراتيجية تشجع على استحداث وظائف جيدة وزيادة معدلات التشغيل، فإن المهم ضمان التنسيق بين السياسات على مختلف الأصعدة."
وأضاف:" توجد حاجة لتحسين بيئة الأعمال، وتوجيه الاستثمارات بشكل فعال نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، والاهتمام بالتنمية المحلية،وإجراء إصلاحات على نظام التأمين الاجتماعي بغية تقليل نسبة الوظائف في القطاع غير الرسمي وتشجيع تنقل العمالة بين القطاعات".
واختتم السيد روبالينو حديثه قائلاً: "يتوجب على لبنان أيضاً إعادة التفكير فيما يقدمه من برامج تدريبية في مجال سوق العمل بغية تحديث مهارات القوى العاملة وتسهيل التحولات في سوق العمل- من المدرسة إلى قلة النشاط الاقتصادي إلى العمل، والخروج من دائرة البطالة، ومن الوظائف متدنية الإنتاجية إلى الوظائف عالية الإنتاجية".